الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لص ومجانين

طالب عباس الظاهر

2011 / 3 / 22
الادب والفن


طالب عباس الظاهر
لص ومجانين
تحسّس موضع ما، في جسده، صرخ بألم واستغاثة:
ـ آه ... سرقت ... سرقت!
تجمهر جمع غفير من الناس من حوله بسرعة عجيبة...رجال ونساء...شيوخ وأطفال وصبية، فاغري الشفاه، والدهشة ترقص بغنج على وجوههم المستطلعة، والخوف كذلك يزعق في عيونهم، أردف قائلاً بمرارة لاذعة:
ـ المجرمون ... الأنذال ... الشياطين!
صرخ به أحدهم:
ـ ما بك؟!
ـ .....!
تقدم إليه شيخ عجوز، لكنه قوي البنيان كاسراً حصار توسع الدائرة البشرية المتحلّقة من حوله بفضول ماجن،لاطماً بذراعه وجه أحد المتفرجين ...هزّه من كتفه بعنف، كأنه يحاول إنطاقه ولو بالقوة، صارخاً بوجهه بغضب:
ـ هيا ... تكلَّم ما بك؟
ـ الشياطين .... الأنذال ... المجرمون!
ـ أجل ... أجل ما بهم، هيا تكلم؟
ـ سرقوني.
ندّت صرخة مكتومة من أكثر من صوت بين جمهرة المتفرجين بدهشة:
ـ ماذا...سرقوك؟!
قال:
ـ سرقوا أحلامي أيها الناس .. أجل سرقوا أحلامي!
بسخرية صرخ أحدهم وقد امتزجت نبرات صوته بالغضب والاحتقار:
ـ أحلامك؟!
ـ ........!
وسرعان ما تغيرت تقاطيع الوجوه، فقال الشيخ الشجاع ذاته متبرماً، وهو ينسحب مهزوماً من الموقف:
ـ حقاً إنها لمدينة، فما أكثر مجانينها!
فانساب الآخرون بسرعة من حوله متأففين، وبعضهم يهزّ رأسه ويداه، ويترنح في حركاته، كأنه يعود لحاله سكره بعد هنيهة إنتباهة قصيرة صرفها في التفرج...!
وحينما تبددوا ولم يبقَ سوى بعض أطفال حفاة قذرين، وهم يسترقون النظر إليه دون ملل، ممن سرقوا الطفولة أيضاً، من باعة متجولين ومتسولين و(صناع) حرف قذرة، وبعض متعاطفين معهم، أو سائرين على طريقهم، تقدم إليه مقترباً منه بحذر رجل متهالك الجسد، أشيَّب الشعر هامساً بألم:
ـ أنا أيضاً سرقوا ابني الحبيب، وبعد شهور جاءوني بحفنة رماد قائلين لي بأنه هو!
المجانين ظنوا إني أصدقهم.
فتبادر إلى ذهن رجل الأحلام، وكان شاباً خاطر حسبه اليقين، فتمتم وكأنه يحدث نفسه من اجل حلّ معضلة كونية استعصت عليه قائلا:
ـ لا بد إن المجرم ذاته هو الذي سرقنا... سرق كل شيء؟!
ثم أردف بحزم كأنه أخيراً وجد الحل الوحيد وهو يقول باندفاع:
ـ يجب علينا أن نخبر عليه... أجل...علينا أن نشتكيه!
سرعان ما أيّده شيخ الرماد الأشيب، وسار بعجلة أمامه كأنما راقت له الفكرة، لكن الشاب استوقفه متسائلاً:
ـ مهلا يا عم... قبل كل شيء علينا أن نفكر من الذي سرقنا؟!
ظل الأشيب ينظر إليه ببلاهة، وهو يمسَّد شعر ذقنه الكث... ويطول صمته على أديم لهفة الانتظار دونما جدوى، إلا إن الشاب تساءل من جديد:
ـ هل تشك بأحدٍ على وجه الخصوص؟
ـ .......!
ـ إن الشرطة لابد ستسألنا رغم إنها هي التي عليها أن تجيب!
ـ........!
فجأةً صرخ الشاب لعدم تجاوب صاحبه الأشيب معه، وبلاهته المستطيلة من دون نهاية.
ـ هيا تكلم ما لك صامت هكذا كأبي الهول!
ـ .......!
ران صمت ثقيل على الرجلين وكلاهما ينظر إلى الآخر ببلاهة، فخيّم عليهما السكون، فاستطال سكوتهما قبل أن يكسره الأشيب بإشارته صوب الناس بإيماءة عينيه الحزينتين بخوف، وقد بان فيهما انكسار جارح:
ـ إن هؤلاء!
فقال الشاب بظفر وهو يضع يدّه خلف كتف صاحبه، حاثاً إياه للعجلة:
ـ هيا بنا إذن؟ لابد أن نسبقهم بالشكوى كي لا نخسر حقنا، ويُسقط حقنا القانون!
بينما ظل الأطفال القذرين يراقبون الموقف عن كثب، ولكن علائم الإسغراب بادية في ملامحهم... غير إن الرجل العجوز ظل مسمراً في مكانه كتمثال، لا يبدي أية حركة، لذلك صرخ به الشاب ثانية، بنفاذ صبر وخشونة:
ـ هيا .. ما بك تحرك بسرعة!
ـ ......!
لكن الرجل الأشيب استمر ساهياً، كأن اليأس جذبه بعنف، نحو شطآن التسليم الهادئة، غير إن نظراته القلقة ظلّت تطوق تمسح أوجه الأشياء والناس بخوف وترقب، ثم سار بخطىً بطيئة ومثقلة بالآلام، وراح يغشاه ذهول غريب كأنه يسير وهو نائم، باحثاً عن زاوية نائية في زقاق مظلم، لكي يبتعد عن فضول الأضواء الساطعة والضجيج الأبله الذي لا يكفّ ولن يكف عن الزعيق!
بينما الأطفال ظلّوا في حيرة من أمرهم، يتبعون أياً منهما، وحينما اختفى العجوز عن الرؤية؛أدرك الشاب حينها بأن لا فائدة، وإن جميع جهوده باءت بالفشل، فضاعت أحلامه هباءً منثورا، بيد إنه لم يزل للآن يبحث ويفكر بلا جدوى، والبحث بدا له كأنه بحر بلا حدود ولا نهايات!
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص