الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دع اللطم.. وابدأ البناء

إكرام يوسف

2011 / 3 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ما أن أعلنت نتيجة الاستفتاء على تعديلات الدستور المصري، حتى سادت حالة من الوجوم والإحباط صفوف المطالبين بالتغيير. وعلى الرغم من مشروعية القلق من احتمالات الالتفاف على الثورة وسرقتها، إلا أن المغالاة في التشاؤم، ونشر ثقافة الإحباط خطر أكبر على الثورة. ولا أستبعد أن يكون تيئيس الثوار وزعزعة يقينهم هدفًا للبعض. وأوقن أن سرقة الثورة لن يكون بخسارة الثوار جولة، وإنما باستسلامهم للإحباط.
ومع التسليم بأن بين المحبطين بعض من شاركوا في الثورة وناصروها، تصوروا ـ أما لحسن النية، أو وربما عدم إلمام كاف بطبيعة وتاريخ الثورات في العالم ـ أن مجرد إزاحة رأس النظام تعني انتصار الثورة وإسقاط النظام، وتعجلوا جني ثمار هذا الانتصار.. ولم يضعوا في اعتبارهم أن ذلك ليس سوى البداية الحقيقية لطريق الثورة، وأن ما قبل الحادي عشر من فبراير كان مجرد تظاهرات عارمة شملت العديد من مدن البلاد احتجاجا على نظام قمعي حكم الوطن بالاستبداد على أيدي طغمة من الفاسدين تدعمها شبكة فولاذية من المصالح.
ونسي هؤلاء الطيبون أن الثورة لم يكن مخططًا لها من قبل أن تسقط النظام، ولم يكن وراء الثوار قوة سياسية منظمة أو حزبا قويا وإلا كان مخططوها أعدوا العدة لتولي السلطة والسيطرة على المؤسسات. كما لم تكن وحدات من الجيش ـ كما في 1952 ـ تضمن تمكينهم من مقاليد السلطة، لم يكن في أكف الثوار سوى أرواحهم مستعدين لبذلها في سبيل الحرية .
نسي هؤلاء أن الثوار اختاروا يوم عيد الشرطة للخروج احتجاجًا على سنوات من القهر والذل والتعذيب أهانت كرامة المصريين في الداخل والخارج، وكانت أقصى أمانيهم إقالة وزير التعذيب كما أطلقوا عليه، وأن جانبًا كبيرا من الفضل في إسقاط رأس النظام يرجع إلى توفيق الله كما يرجع بدرجة كبيرة إلى غباء الديكتاتور وجهل مستشاريه، ناهيك ـ بالطبع ـ عن صمود الثوار وبسالتهم، وإصرارهم بعد سقوط أول شهيد على عدم مغادرة ميادين مصر إلا بعد رحيل الطاغية.
بيد أن هناك شواهد تؤكد على أن أغلب من نصبوا حلقات اللطم والندب على نتيجة الاستفتاء، لم يكونوا أساسا من مناصري الثورة، بل أن من بينهم من سخر من الثوار منذ اليوم الأول وهون من شأنهم وجرَّح في جديتهم. وهم من حاولوا إحباط الثوار بدعوتهم المتكررة للعودة إلى المنازل بعد كل تعهد كاذب يطلقه رأس النظام القديم، وأحسن الثوار فعلا أنهم ضربوا عرض الحائط بنصائح هؤلاء ـ المسممة ـ بالتوقف عن الثورة انتظارًا لتحقيق ما يجود به الديكتاتور من وعد. و صار واضحا الآن لكل ذي عينين، أن ما تحقق من مكاسب، لم يكن ليتحقق لو استجاب الثوار لابتزاز هؤلاء بداية من التحجج بالخوف على الأمن، إلى المخاطر الاقتصادية، وحتى الحرص على مصالح الفقراء، كما لو أن هؤلاء المعادين لثورة الشعب، المنتفعين من فساد نظام الديكتاتور، صاروا فجأة من عتاة الاشتراكيين المدافعين عن مصالح الفقراء!
غير أن من هاجموا الثورة، وتباكوا على من أسموه رمزهم وأبيهم! وأخذوا يعددون مناقبه، متجاهلين ما حفل به عهده من سرقة وفساد وسحق كرامة، وانهيار لحالة التعليم والصحة والثقافة والصناعة والزراعة والإسكان والنقل...إلخ، وعندما أعيتهم الحيل لجأوا لأحقر سبل الابتزاز بالتلويح بكبر سن الديكتاتور ومرضه، وفي نفس الوقت لم يتركوا تهمة شائنة إلا وحاولوا إلصاقها بالثوار، بداية من الاتهام بالارتزاق والتمويل الأجنبي وخيانة الوطن وتنفيذ أجندات أجنبية، حتى أن بعضهم لم يستح أن يستخدم أساليب نسوة قاع المجتمع العشوائي لإصلاق تهم أخلاقية بالثوار. هؤلاء جميعا، هرعوا إلى تغيير جلودهم والتظاهر بتأييد الثورة، وسعوا إلى جني ثمار لم يبذلوا جهدا في زرعها أو رعايتها، وما أن تبينوا ملامح الثورة المضادة، ولمسوا تحركات فلول النظام القديم من أجل إعادة ترتيب الأوراق والقفز على الثورة، عادوا ينشرون اليأس ويشككون في جدوى الثورة!
وإذا كان موقف من يجيدون ركوب الموجة، الحريصون على التواجد في أول صفوف جني ثمار كل عهد، مفهوما ومتوقعا؛ فمن غير المقبول أن يستدرج بعض أصحاب الثورة وصانعيها إلى سرادقات اللطم والعويل والإحباط. ولا يليق بمن خرجوا رافضين الذل والمهانة، مصرين على استرخاص الأرواح دفاعًا عن الكرامة، أن ييأسوا أو يضعفوا؛ لأنهم يعرفون ـ قطعا ـ أنهم سيواجهون ثورة مضادة من أصحاب المصلحة في عودة القديم. ألم يكن الثوار يعلمون من قبل أن من حققوا ثروات في ظل النظام الفاسد القديم سوف يدافعون حتى آخر رمق عن مصالحهم، مهما كانت أساليب ذلك وحشية أو خسيسة؟ ألم نكن نعلم أن هؤلاء تدعمهم قوى خارجية تشاركهم المصالح ولن تسمح بسقوط أركان النظام بسهولة؟ أهي مفاجأة أن يكون بيننا متطرفون يكفرون اخوتهم في الوطن بدعوى عقيدة الولاء والبراء؟ وأن منهم أيضا من تدعمهم قوى ظلامية من الخارج يهمها محو هوية مصر وسيادة هوية متطرفة؟ أهو جديد أن نسمع خطابا طائفيا يتاجر بالدين لأغراض سياسية؟ ألم نسمع من قبل فتاوى وعاظ السلاطين تقضي بإهدار دم معارضين لأنهم خرجوا على الحاكم؟ هل من غير المعلوم أن بيننا 19 مليون أمي، وملايين أخرى تفتقر إلى أبسط أسس التربية السياسية، ومنهم من صوت بنعم لمجرد أن الدائرة حولها خضراء بلون الجنة وأن الدائرة السوداء حول "لا" توحي بالنحس؟
الثوار الحقيقيون يدركون أن سقوط رأس النظام ليس سوى بداية الثورة التي يجب أن تستمر حتى نحقق غدًا أفضل تستحقه مصرنا ويستحقه أبناؤنا.. الثائر الحقيقي يعرف أن ما حققناه حتى الآن خطوة جبارة، وليس بالضرورة أن تليها انتصارات هائلة متوالية.. فالطريق طويل والعثرات متوقعة، والانتكاسات أيضا والتضحيات؛ لكن الحرية تستحق، وشعبنا يستحق. علينا ألا نستدرج لسرادقات اللطم والعويل، وأن نبدأ فورا بلملمة الصفوف، والتصدي لجحافل الطائفية، وفلول النظام القديم، وقبل ذلك لمواجهة الأمية؛ التربة الخصبة لتفشي الجهل السياسي والوقوع في مستنقع الطائفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توجهك,سيدتي, لا يجانب الصواب
بشارة خ. ق ( 2011 / 3 / 22 - 14:22 )
نعم , برغم المؤشرات السلبية الكثيرة,لا يجب ان ندع الاحباط يؤثر على طموحنا بوضع افضل لمصر وجميع شعوب الشرق الاوسط
ميدان التحرير موجود والاحرار في مصر موجودون
اراقب الصحافة الايطالية,في غالبها تعتبر ان ما يجري هى ثورة نحو الديمقراطية والحرية والكرامة لا بل تعتبر ان الحركات الظلامية تخطت نقطة التراجع بلا عودة
اليس قبول القرضاوي التدخل الغربي لصالح الثوار الليبيين هو احسن تعبير عن تراجع النغمة التى منذ عقود تساوي الغرب بالعدو؟ فكيف الان اصبح التحالف الغربي مقبول لاقتلاع القذافي؟ اليس مؤشرا ان تسويق هذه البضاعة قد خسر؟


2 - المحور المتمدن الا ديمقراطي
محمد ابو السل ( 2011 / 3 / 22 - 15:49 )
يا ايها القارء ان كانت هيئة التحرير تحذف وتحجب الرأي الاخر فكيف نلوم دكتاتوريات وسالوهم لما حذف المقال مع انه عرض وجهة نظر عن احداث سورية هل هم متواطئين مع وجهة نظر محدد وبرامج محدده ام فعلتهم ديمقراطية


3 - احترامي
محمد بن عبد الله ( 2011 / 3 / 22 - 21:13 )
احترامي كبير للأستاذة إكرام ولمواقفها الشجاعة

قد اختلف مع من دعا للثورة في وقت كان واضحا للبعض أن تخريب نظام مبارك الفاسد لن يجلب سوى الأسوأ منه و أن المتعصبين الظلاميين سيثبون على السلطة و ورائهم ملايين الجهلاء

اليوم أتفق بأن البكاء على اللبن المسكوب لن يفيد وأن إنقاذ ما يمكن إنقاذه يتطلب الاسراع في البناء

على كل الليبراليين واليساريين تكوين جبهة قوية لن تكون بالطبع في قوة جبهة الظلاميين لكنها ستظفر بحوالي 20 إلى 22 % من أصوات الشعب فتشكل نوعا من المقاومة لتيار التأسلم الطاغي..

سبق واقترح د. القمني انضمام المفكرين إلى د. الغزالي حرب في حال عدم وجود ائتلاف قوي آخر و وافقه بعض كتاب الحوار (هشام حتاتة ومحمد حسين يونس) من غير المؤدلجين الذين يحكمون على الواقع بعقل ثاقب

أخشى ما أخشاه أن تتشرذم الأقلية العاقلة ...فهذا للبرادعي وهذا لعمرو موسى وهذا لأيمن نور أو لحمدين الصباحي (الناصري) !

لنتفق كلنا على اسامة الغزالي حرب اللبرالي العاقل فهو الوحيد الذي تجرأ ودعا لالغاء المادة الثانية.

اخر الافلام

.. فرنسا: انقسام الجمهوريون وأمل تبعثه الجبهة الشعبية الجديدة


.. هل تتجه فرنسا نحو المجهول بعد قرار ماكرون حل البرلمان وإجراء




.. حزب الله.. كيف أصبح العدو الأكثر شراسة لإسرائيل منذ عام 1973


.. ترامب ينتقد زيلينسكي ويصفه -بأفضل رجل مبيعات-| #أميركا_اليوم




.. تصادم قطارين في الهند يودي بالعشرات