الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القذافي هو المسؤول عن استدعاء التدخل الخارجي

مهند عبد الحميد

2011 / 3 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


القذافي هو المسؤول عن استدعاء التدخل الخارجي
مهند عبد الحميد
خرج الشعب الليبي بأكثريته الساحقة وفي كل المدن مطالباً بالتغيير ومعلناً عن نفاد طاقته على تحمل هذا النمط الغرائبي من الحكم. جاء نداء الشعب الليبي سلمياً وحضارياً من خلال انتفاضة شعبية سلمية عارمة، كسر الشعب جدار الخوف أولاً، ثم انتزع حريته وحقق وحدته في أنحاء الوطن الليبي ومع آلاف المعارضين خارج ليبيا، وطرحوا جميعاً هدفاً مركزياً واحداً هو: إسقاط النظام. وكان من المنطقي أن يصغي العقيد القذافي إلى نداء الشعب ويحترم إرادة الليبيين. كان من المفترض أن يبحث الزعيم عن حل يرضي شعبه بما في ذلك الاستعداد للاستقالة والرحيل. كان مطلوباً من الحاكم العاقل أن يمنع سفك الدماء وتدمير البلد، ويحول دون تدخل عسكري خارجي، ويصون وحدة الشعب الليبي. للأسف اختار العقيد الموقف المعاكس وقدم مفاضلة البقاء في الحكم أو الموت والدمار والخراب. إما أن تبقى ليبيا مزرعةً وملكاً له ولعائلته إلى الأبد، ويبقى الشعب الليبي شعباً من العبيد، وإما أن يذهب كل شيء إلى الجحيم.
جاء رد العقيد غريباً ومتنوعاً، أنكر ثورة شعبه جملةً وتفصيلاً في الوقت الذي كان فيه العالم يتابعها لحظة بلحظة على الفضائيات وعبر (الفيس بوك) و(التويتر). اعترف فقط بوجود قلة من "جرذان" تمردت عليه، وأنه سيتولى عملية سحقهم في كل بيت وزنقة وشارع. وحذر الليبيين من خطر فقدان مصدر رزقهم الوحيد (النفط)، سيف الإسلام ذَّكر الشعب الليبي بأنه لا يجوز له التظاهر والاحتجاج وعرض المطالب لأنه هو الحاكم بأمره وكيف يمكن لحاكم أن يطالب بنفسه! وفي خطاب القذافي الموجه إلى الغرب، أنحى باللائمة على تنظيم القاعدة وحمّله مسؤولية ما يجري، وحذر دول أوروبا من ويلات القاعدة التي ستحل عليهم إذا لم يحافظوا على نظامه، وحذرهم من خطر هجرة إفريقية جماعية للغرب.
العقيد ترجم تهديده بإعلان حرب لا هوادة فيها باستخدام الطائرات والدبابات ضد المدن الليبية بدءاً بطرابلس وانتهاء ببنغازي، وارتكب مجازر راح ضحيتها آلاف القتلى معظمهم من الأبرياء، وقد أدى القمع الدموي إلى انضمام مجموعات وعناصر من الجيش الليبي إلى الشعب المنتفض. وحاول هؤلاء الدفاع عن الشعب وإحكام السيطرة على المدن، إضافة إلى تدريب المتطوعين على السلاح. غير أن نظام القذافي وجه ترسانته العسكرية نحو المدن المحررة ومضى بسياسة الأرض المحروقة من أجل استعادة وفرض سيطرته المطلقة، وسقط جراء ذلك آلاف القتلى والجرحى أكثريتهم الساحقة من الأبرياء.
عند هذه اللحظة الفاصلة صدر قرار من مجلس الأمن الدولي يتبنى حماية الشعب الليبي، وشرعت قوى التحالف الجديد على الفور بتوجيه الضربات الجوية، وبقصف عبر السفن البحرية لتدمير قوة كتائب القذافي. أخيراً بدأ التدخل الذي لا تحمد عقباه. صحيح أن الهدف المعلن هو حماية الشعب الليبي الذي طالب صراحة بالحماية بدعم من جامعة الدول العربية. والمطالبة هنا مشروعة تماماً في ظل انتهاك النظام قواعد التعامل مع شعبه، حيث لا يجوز الرد على التحرك السلمي والمطالب المشروعة بالقمع الدموي الشديد. كان لا بد من تحييد القوة الغاشمة للنظام وتحريم استخدامها ضد الشعب الأعزل. لكن هذا الهدف المشروع والاستجابة المدروسة لا تختصر الوضع بكامله. فهناك أهداف ومصالح غير معلنة للمتدخلين. مثلاً إن إعادة البناء وتأهيل وتسليح الجيش الليبي يغري بتدمير مفرط للبنية التحتية وتدمير كل أسلحة الجيش، ويعد هذا مدخلاً ليس لتأمين الربح الوفير بل وللتحكم في بنية النظام الجديد وفي مؤسسته العسكرية الجديدة.
كما أن إعطاء دوائر الغرب فرصةً للنظام الليبي كي يحسم السيطرة في البداية، يستجيب للامتيازات التي منحها القذافي لدول أوروبية وللولايات المتحدة من جهة، ويعد ضرورياً لحصر أموال العقيد ووضع اليد عليها والتلاعب في مجاميعها وفي مصيرها من جهة ثانية. والدول المتدخلة ستكون شركاتها أوفر حظاً في استخراج النفط والظفر بالأرباح.
الأهداف غير المعلنة كما نرى تؤثر سلباً على مضمون الثورة والتحرر الليبي، وتستدعي حذراً وانتباهاً، بل تتطلب إلزام قوى التدخل بالأهداف المعلنة: تحييد قوة النظام وحماية المدنيين وتأمين حق الشعب الليبي باختيار نظام الحكم الذي يرغب فيه بالطرق السلمية، ويتطلب الحفاظ على استقلالية المجلس السياسي والمجلس العسكري الليبيين واضطلاعهما بمسؤولية الانتقال إلى نظام ديمقراطي.
منذ اليوم الأول للتدخل غُلت يد النظام الليبي بعد قصف قواته الهجومية، وتنفس الشعب الليبي الصعداء. لكن هذا ليس كل شيء. من كان يملك إمكانية قطع الطريق على التدخل العسكري. هناك من يقول إن المعارضة، والمعارضة هنا هي أكثرية الشعب الليبي. افتراض أن تقطع المعارضة الطريق على التدخل الخارجي يساوي السماح للنظام بتصفية أعداد كبيرة جداً من النشطاء ووأد الثورة والتسليم بسلطة عائلة القذافي إلى الأبد، إن هذا الخيار انتحاري ولا يمكن مطالبة شعب بالانتحار. إن القذافي لا يدافع عن الوطن الليبي، فهو الذي فرط بسيادة البلد وألزمه بعلاقات تبعية مهينة قبل الثورة الحالية، وهو الطرف الوحيد القادر على قطع الطريق على التدخل الخارجي بثمن معقول ومقبول هو إصغاء العقيد لمطالب وإرادة شعبه.
هل كان بالإمكان اللجوء إلى تدخل عربي بدلاً من التدخل الدولي؟ إن النظام العربي الذي يمر في مرحلة الانفجارات والثورات الشعبية، ويشهد عملية إعادة بناء، غير مؤهل للتدخل أو حتى التوافق على شكل ما من التدخل. قرار التدخل العربي في البحرين جاء من مجلس التعاون الخليجي فقط. والتدخل العربي جرى سابقاً لدعم نظام مهدد ولم يكن في يوم من الأيام للدفاع عن شعب من الشعوب.
إن اختصار مرحلة التدخل الخارجي في ليبيا إلى أقل فترة زمنية ممكنة، والحيلولة دون التدخل في مصير ليبيا الجديدة، يعتمد بالدرجة الأساسية على تبلور ونضج الثورة الليبية، وعلى الدعم المعنوي والسياسي الذي تقدمه القوى الديمقراطية العربية، والقوى العالمية المناهضة للاحتلال والحرب والهيمنة.
[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية