الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الليبية : واقع وآفاق

معتز حيسو

2011 / 3 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


بعد الانتصار السلمي لثورة الشعبين في تونس ومصر،تفاؤل المواطن العربي بقدرته على تحقيق مهمات ثورته الشعبية بتضحياتٍ كان من الممكن أن يبذلها سابقاً في أي حركة احتجاجية.وقد دلل الانهيار السريع للنظامين التونسي والمصري،على أن الأنظمة الأمنية ضعيفة وهشّة،وغير قادرة على الصمود أمام شعب وعى مصالحه،وأدرك أن أنظمته هي سبب التخلف والفقر..وبات واضحاً بأن حلفاء هذه الأنظمة لحظة النهوض الشعبي لن يدافعوا عنها،بل حتى جنرالاتها يتخلون عنها لحظة الحسم،هذا إذا لم يطلقوا عليها رصاصة الرحمة.
لكن ثورة الشعب الليبي واجهت أشكالاً مختلفة من القمع العاري، ليس لأن نظام العقيد القذافي أقوى من غيره، بل لأنه اختزل الإنسان والبلاد في أناه الاستبدادية،وتملكته نزعة التسلط والاستبداد والهوس الجنوني بالسلطة. لذا لم يعد يرى إلا ذاته المتضخمة مرضياً،فإما هو وأما الدمار والخراب والفناء للبلاد والعباد،لذا فإن الشعب الليبي والعربي أمام سيناريو واضح:إن بقاء العقيد القذافي في السلطة سوف يزيد من حدة القمع العاري داخلياً، وسيكون تجربة تقتدي بها باقي الأنظمة العربية في ممارستها الأمنية ضد شعوبها، وهذا سيترك آثاره طويلاً في ذاكرة الشعوب العربية.وإما رحيله بقوة الشعب أو غيرها لن يكون إلا بعد أن يدمر نظام القذافي البلاد والإنسان.وهذا أيضاً سيكون درساً بالغ الأثر للشعوب والأنظمة على حد سواء.
لم يُقدّر للشعب الليبي أن ينتصر سلمياً، بفعل القمع والإبادة العارية التي مارسته كتائب النظام الليبي ومرتزقته، وليس هذا فقط،بل وضع النظام الليبي شعبه أمام خيار وحيد، تمثل بالاستعانة بالقوى الدولية لحماية المدنيين، والتخلص من سيطرة الاستبداد والقمع وتحقيق النصر،وهذا ما قد يضع الشعب الليبي أمام تناقضات مستقبلية، كان بغنى عنها لو أنه حقق نصره بقواه الخاصة، أو لو أن العقيد القذافي امتثل لخيارات شعبه. وهذا يعني بأن الثورة الليبية قد تفقد نتيجة التدخل الخارجي بعضاً من ألقها وأهدافها، ومن الممكن أيضاً أن يدخل الشعب الليبي في نفق صراعات قبلية وأهلية يؤسس لها حالياً العقيد القذافي. لكن يجب التنويه بأن التحولات الثورية التي تلف المنطقة العربية وضعت القوى الدولية أمام مسؤولياتها الأممية للحد من القمع الذي تمارسه الأنظمة العربية بحق شعوبها،ليس حرصاً منها على مصالح الشعوب العربية ودفاعاً عنها،بل حفاظاً على مصالحها الحيوية والإستراتيجية، هذا إضافة إلى كون سيرورة التحولات الشعبية في المنطقة العربية تبشر بنهوض ديمقراطي عام وشامل يقوم على رفض الديكتاتورية والهيمنة الخارجية بذات الوقت. ومن المفارقات أن تكون أنظمة الاستبداد والقمع هي سبب التدخلات الخارجية. ويجب التأكيد على أن مصالح القوى الدولية في المنطقة العربية لا تقترن ولا تتقاطع مع ديمقراطية الشعوب،لكن النهوض الشعبي ضد الاستبداد والظلم يضع القوى الدولية أمام خيارات جديدة، وحفاظ هذه الدول على مصالحها في المنطقة يفترض مساندتها لإرادة الشعوب الثائرة، حتى لو كانت هذه المساندة شكلية أو ظاهرية من المرجح أنها تحمل في طياتها أسباب غير معلنة،تتناقض مع أهداف الثورة العربية. لكن ليس بخاف على أحد بأن انتصار إرادة الشعوب وتحكمها بمواردها الوطنية سينعكس على استقرار الدول الغربية،مما يضع هذه الدول في أزمات لم تكن تتوقعها سابقاً. لذا فإن المداورة والالتفاف على الثورات الشعبية لإعادة ربطها بعجلة الدول الغربية أمراً وارداً. لكن هيهات أن يتحقق هذا،لقد وعت الشعوب العربية مصالحها،وتعلمت كيف تدافع عن أهدافها، وكيف ترسم ملامح ولادتها الجديدة.
إن شكل وتوقيت التدخل الدولي لحسم الصراع في ليبيا،لن يؤدي لذات النتائج التي كان يمكن أن يحققها الشعب الليبي في حال انتصار ثورته بقوته الذاتية،لكن للواقع والمصالح والتاريخ لغة تخالف في كثير من الأحيان لغة التمنيات. لذا فإن حرص الدول الغربية على ضمان مصالحها لا يخفى على أحد، وارتباط مصالحها بالتضحية بدماء الشعوب أمراً بديهياً،ولا يحتمل النقاش،وهذا ما أكده تأخر التدخل الدولي.وهذا يضع جملة من التساؤلات على السياسات الغربية في المنطقة العربية.لذا فإن الشعب الليبي أمام امتحان صعب،يتحدد بقدرته في الحفاظ على وحدته الوطنية،ووحدة أراضيه،وهذا يقتضي بداهة استمرار الثورة الليبية حتى تحقيق النصر،والتخلص النهائي من نظام العقيد القذافي،وتحديد أشكال العلاقة بالخارج من بوابة المصالح الوطنية وعلى أسس المعايير الديمقراطية في سياق تحقيق الدولة المدنية .
أما بقاء القذافي في طرابلس فإنه ينبئ بتقسيم ليبيا وتحويلها لساحة صراع أهلي، قبلي يساهم في تكريس الوصاية الخارجية و إهدار ثروات الشعب الليبي،ويفتت طاقاته ويزيد من تخلفه،وهذا يشكل نموذجاً سلبياً وكابحاً لباقي الثورات العربية،والعكس صحيح،إذ سيكون انتصار الثورة الليبية، والتخلص من نظام العقيد القذافي، وبناء دولة مدنية ديمقراطية على كامل التراب الليبي، دافعاً قوياً لباقي الشعوب العربية. ودرساً لباقي الأنظمة التي حولت أوطانها مرتعاً للفساد والنهب والخوف...فهل سيكون النهوض الثوري العربي درساً لها كي تسارع إلى الإصلاح والتغيير الديمقراطي والاجتماعي سلمياً،أم أنها ستواجه موجات التغيير والمد الثوري بالقمع،حينها لن يرحمها التاريخ،ولن ترحمها إرادة الشعوب التواقة للحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المصالح هي الصديق للراسمالية العالمية
فؤاد محمد ( 2011 / 3 / 24 - 10:03 )
الرفيق العزيز معتزتحية
تحليل ماركسي مبدع
الراسمالية تعرف جيدا ان عملائها الطبقيون زائلون لا محالة
ولسان حالها يقول ان بعض الشر اهون
اعانقكم

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟