الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المظاهرات وثنائية الإصلاح والتخريب

حسن الهاشمي

2011 / 3 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


المظاهرات وثنائية الإصلاح والتخريب
حسن الهاشمي
مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوم يرفعون أحجارا فقال: ما هذا؟ فقالوا: نختبر أشدنا وأقوانا، فقال: ألا أخبركم بأشدكم وأقواكم؟!
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال (صلى الله عليه وآله): أشدكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه عن قول الحق، وإذا ملك لم يتعاط ما ليس بحق.
نستطيع تصنيف التعاطي مع المظاهرات التي يشهدها العراق حاليا للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير الأمن والقضاء على البطالة وتحسين المستوى المعاشي لعامة الناس، من خلال توصيف الرسول الأكرم للقوي، فالمتظاهر القوي والسائر لتحقيق مطالبه الحقة إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه عن قول الحق، والمتظاهر المنافق عكس ذلك تماما، بينما المسؤول القوي إذا ملك لم يتعاط ما ليس بحق، والمسؤول الانتهازي إذا ملك يتعاطى مع الباطل والنفاق والعدوان.
فالتظاهر السلمي الحضاري مكفول دستوريا في النظام الديمقراطي، شريطة أن لا تتعرض الأرواح للخطر والممتلكات العامة والخاصة للضرر، وهذه الثنائية يشترك فيها رجال الأمن بالحفاظ على سلامة المتظاهرين ما دامت سلمية، والمشتركون في المظاهرات للمطالبة بحقوقهم بشكل سلس وحضاري وحواري دون اللجوء إلى أعمال عنف وتهديم وتخريب طالما إن النظام ديمقراطي يتكفل حرية الفرد في الاحتجاج والاعتصام للمطالبة بالحقوق والخدمات والرفاه والكرامة وهي من أبسط حقوق المواطنة في الأنظمة الجماهيرية.
أما الذين يتصيدون بالماء العكر ويتحينون الفرص للانقضاض على المكتسبات الديمقراطية التي حصل عليها الشعب ببذل الغالي والنفيس، فهذا ما لا يسمح له كل ذي لب، وعلى أبناء الشعب العراقي بجميع انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية على حماية وحدة بلدهم وصيانته من الاحتراب الطائفي والتناحر والتمزّق حيث إن العراقيين قد عاشوا أياما صعبة جداً خلال بعض السنوات التي أعقبت الاحتلال حينما حاول البعض إدخال العراق في أتون حرب طائفية، ولقد دفع الشعب العراقي من اجل حماية وحدة بلدهم الكثير من الدماء والتضحيات وخسر الكثير من فرص التقدّم والازدهار.
وفرق شاسع بين المظاهرات التي تخرج على أنظمة شمولية فاسدة ظالمة وبين مظاهرات تخرج على أنظمة شعبية تتوافد على رأس السلطة عن طريق الانتخابات! وفرق واضح بين من يريد إسقاط النظام وبين من يريد إصلاح النظام! وفرق بيـّن لا لبس فيه ولا غموض بين من يريد التصحيح ومن يريد التخريب ولكنه يتخذ من الإصلاح - كذبا ونفاقا - منطلقا له في بث سمومه وأغراضه الدنيئة! لذا ندعو العقلاء وأهل الحكمة من الذين يشاركون في مظاهرات الإصلاح – وهم مما لا شك فيه أكثر عددا وأوفر حظا وأرجح عقلا - أن لا يعطوا الفرصة لأي صوت يعلو هنا وهناك يريد إعادة العراق إلى المربع الأول، وذلك بعدم السماح للبعض ممن يرفع شعارات تثير الحساسية بين أبناء الشعب الواحد، وإذا كانت هناك مطالب فيمكن بحثها بهدوء ومن خلال الحوار بين المسؤولين والمختصين لوضع حلول مناسبة لها.
فالحوار يعد أقصر الطرق للوصول إلى تفاهمات مشتركة والقضاء على المشاكل ووضع الحلول الناجعة لها خدمة للصالح العام، بينما الفوضى والتخريب لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يضع الأمور في نصابها بالشكل الصحيح ما يؤدي إلى إشاعة الفوضى في البلد وهذا ما يريده أصحاب النفوس المريضة، فهم يسعون إلى تخريب كل ما هو صحيح، وإبدال الحرية بالكبت والإذلال، والكرامة بالذل والخنوع، وهيهات لشعب العراق الذي ضاق ذرعا من نظام البعث الفاشي أن ينخدع بأباطيل أذنابه وهو قد إكتوى بنارهم وظلمهم وحيفهم طيلة أكثر من ثلاثة عقود من الزمن الأغبر، وها هو قادر على الحفاظ على مكتسباته الديمقراطية وقادر على تصحيح المسيرة دون أن تصيبها من سم زعافهم الذي يحاولون بثه في أوساط الجماهير بين الفينة والأخرى لشل حركته الإصلاحية وهيهات لهم ذلك؟!
عطفا على ما سبق نحن مع المتظاهر القوي الذي إذا رضي عن الحرية التي يرفل بها وهي من خيرات وحسنات النظام الديمقراطي لم يدخله رضاه في إثم واعتداء على ممتلكات الدولة والمواطنين ولا يجره ذلك الانخداع بأباطيل الزمر الإرهابية التكفيرية التي ظاهرها لين وباطنها مليء بالحقد والإحن والتفرقة والفساد والرذيلة، أما إذا سخط المتظاهر القوي عن سوء الخدمات وتفشي الرشوة والفساد في معظم دوائر الدولة فإنه يعلم إن جزءا من هذه المفاسد والمظالم سببها الإرهابيون أنفسهم والجزء الآخر يتحمله المسؤولون، فإن سخطه هذا لم يخرجه عن قول الحق والنصيحة وايجابيات النظام الديمقراطي مقارنة بسلبيات النظام المستبد الظالم.
أما المتظاهر المنافق فإنه لا ينظر بعينيه الاثنتين بل ينظر بعين عوراء للأمور، يستغل المظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح لخلط الأوراق والهجوم على الممتلكات العامة والخاصة مثلما يفعله بالوقت الحاضر ما يسمى بالبلطجية التي هي عصارة الأنظمة الشمولية الفاسدة لتشويه سمعة المظاهرات الحضارية ووصمها ونعتها بالإرهاب والعنف والسرقة والتخريب، وهذه الأمور باتت جلية وواضحة لا تنطلي على العقلاء الذين يريدون الحرية والكرامة للشعوب فإنهم وبلا أدنى شك لا يعبأون بصيحات الجاهلين والمنافقين وأصحاب المآرب الخاصة.
هذا من جانب المتظاهر أما من الجانب الآخر فالمسؤول القوي إذا ملك وجلس على كرسي الحكم في النظام الديمقراطي فإنه يعلم قبل غيره إن الشعب هو ولي نعمته وهو الذي أوصله إلى ما هو عليه، وتبعا لذلك فإنه لم يتعاط مع الأمور إلا بنفس مسؤولة تواقة نحو التغيير وجانحة نحو تقديم الأفضل والأحسن للمواطن الكريم، ويحاول أن يكون واقعيا بعيدا عن المزايدات السياسية والنفاق واللف والدوران، وتبقى الطامة الكبرى والمصيبة العظمى في المسؤول الانتهازي الذي يدخل في العملية السياسية وتحركه أجندات طائفية وقومية وحزبية وأحيانا خارجية مقيتة، فيكون هدفه تخريب العملية السياسية الديمقراطية من الداخل ويبقى متناقضا في عمله في الوسط الحكومي وهو ينتقد أدائها السيئ الذي هو أوجده، وهكذا مسؤول لا يتعاطى إلا مع من بشاكلته في الاتصاف بنوايا خبيثة ولكنها مغلفة بعناوين براقة وشعارات زائفة.
الفرق واضح بين المطالب المشروعة والمطالب المزيفة، وبات واضحا أيضا ومن خلال أعمال التخريب والقتل والبطش الذي يقوم بها ثنائي الباطل التكفيري الصدامي، لإفشال التجربة الديمقراطية الرائدة في العراق وبأجندات داخلية وخارجية مغرضة، إن أولئك القلة القليلة تريد أن تسلب الابتسامة التي ارتسمت على وجوه العراقيين بعد التغيير، ولا تنطلي تلك المزايدات الرخيصة - ومنها استغلال المظاهرات - على شعبنا الواعي الذي بات يفرق جيدا بين الأصدقاء والأعداء، ومن يريد إيصاله حقا إلى مرفأ السعادة، ومن يحاول جره إلى مستنقع الظلم والفساد والإذلال!!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا