الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية الاعلام السوري بلا حرية التعبير

الياس المدني

2004 / 10 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


طالعتنا وسائل الاعلام العربية المختلفة بنبأ طالما انتظرناه نحن الصحفيون العرب الا وهو الخطوات العظيمة التي تتعلق بانفتاح الاعلام السوري واطلاق حرية الصحافيين للكتابة عن شؤون الدولة والمجتمع السوري ومناقشة القضايا الحيوية بكل حرية. وفي هذا الاطار جاءت ايضا كلمات التقدير لموقف وزير الاعلام السوري الجديد مهدي دخل الله ولتصريحات وزير الداخلية غازي كنعان ان الاعلام السوري لا يقرأ. وايضا ان اطلاق حرية الاعلام هي خطوة على طريق الاصلاح الشامل لشؤون البلاد.

مما لا شك فيه ان أية خطوة لتحرير وسائل الاعلام واطلاق حرية الكلمة تستحق التقدير والمؤازرة سوءا كنا معارضين ام مؤيدين للجهة التي اطلقتها ويجب تفعيل هذه الخطوة وتطويرها لتعبئتها في اطار المعركة من اجل الوطن والمواطن. ولهذا دعوني على غير عادتي ان اثني على النظام السوري واعتبر انه قام بخطوة مهمة من اجل الاصلاح ولن اخذ بعين الاعتبارات الحسابات الخاصة التي اخذها البعث السوري في عملية تحرير الصحافة من قيودها.

ولكنني أتسائل عن مسألة تقع في عمق خلافي الايديولوجي مع حزب البعث الحاكم في سوريا الا وهي مفهومه الخاص لمعنى حرية الصحافة والمفهوم الذي ننادي به ونطالب به كصحفيين عرب.

يقول وزير الاعلام السوري مهدي دخل الله انه على الصحفيين ان يكتبوا "بحرية ومصداقية" وهنا لا خلاف. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي حدود الحرية التي ينادي لها واين سيكتب الصحفيون بحرية ومصداقية؟ وهل اصبحت وسائل الاعلام الحكومية بعيدة كل البعد عن مقصات الرقابة واصبح الصحفيون في منحى عن ايدي المخابرات السياسية وتأثير الرفاق الحزبيين؟ وان كانوا فعلا بعيدين عن ذلك فهل تستطيع الحكومة ووزارة الاعلام حماية الصحفيين من مخاطر العصابات والمافيا التي تتحكم بالاقتصاد السوري؟
لنفترض جدلا ان احد الصحفيين العاملين في جريدة البعث كان على قدر من القوة ورباطة الجأش (اقرأ: مدعوم) لدرجة استطاع معها ان يجرى تحقيقا صحفيا (وهو عرف صحفي مطلوب ومعترف به كون الصحافة هي السلطة الرابعة) حول اعمال ونشاطات شركات رامي مخلوف، او عن اعمال اللواء غازي كنعان الخاصة في لبنان واراد ان ينشره:
1. من سيقوم بنشره.
2. من سيقوم بالتحقيق بالاتهامات التي سترد بالمقال.
3. من سيقوم بمحاسبة المسؤولين عن الخروقات والمخالفات القانونية التي سيتم اثباتها.
4. من سيحمي هذا الصحفي من براثن الجهات التي ستتضرر مصالحها من تحقيق كهذا.
5. هل ستجد الحكومة السورية قدر كاف من الشجاعة والحكمة والصبر للسماح بهذا النوع من التحقيقات؟
6. هل ستتعامل الحكومة مع دور الصحافة الرقابي بجدية اذا اعترفت بهذا الدور ام انها ستبقى على وسائل الاعلام كتابع وبوق لدعاية النجاحات التي تبدأ من مد ماسورة مياه وتنتهي بتزفيت شارع او وجه حزب سياسي معرض؟
اثني وبكل جدية على هذا التوجه الحكومي السوري نحو اطلاق حرية الصحافة، ولكنني اطالب بحرية الكلمة. اطالب بجدية التعامل مع هذا المطلب الجماهيري الانساني الذي تضمنه كل القوانين الانسانية والاعراف السماوية. من هنا لابد من الاشارة الى مجموعة من الحقائق التي لابد من التعامل معها بكل جدية من قبل الحكومة وكذلك من قبل الصحفيين انفسهم من اجل تفعيل دور وسائل الاعلام في البناء الاقتصادي والاجتماعي.

قبل كل شيء لابد من إلغاء مؤسسة الرقابة إلغاءاً كاملا، واقصد هنا المؤسسة الرسمية التي تتولى مهام عقل المواطن لتقرر ماذا يمكنه ان يقرأ وما لا يستطيع ان يقرأ. كما يجب على ادارات وسائل الاعلام التخلص من قيودها وعبوديتها للنظام الحاكم ومنح الصحفيين الحرية باختيار المواضيع وطريقة عرضها وتقديم كل الدعم اللوجستي لهم من اجل القيام بمهماتهم. وكذلك على الصحفيين ان يتخلصوا من ظلال الخوف والعقد الايديولوجية والنظر الى انفسهم كآلات كاتبة والاقتناع بدورهم كمبدعين وبرسالة الاعلام الحقيقة في النهوض الاقتصادي والاجتماعي في عملية تطوير المجتمع. والعمل بقاعدة ان حرية الرأي ترتبط بشكل مباشر بقاعدة اخرى وهي المسؤولية.

لا يمكن الحديث عن حرية الصحافة دون اعتماد مبدأ التعددية. والتعددية لا تعني هنا عدد الصحف او وسائل الاعلام التابعة للنظام بل تعني اطلاق الحرية الكاملة لاصدار الصحف لمن يريد سوءا كانوا مواطنين يريدون القيام بنشاط اقتصادي من خلال امتلاك وسائل الاعلام (مقروءة مسموعة ومرئية) ام احزاب ومنظمات اخرى تريد ايصال صوتها الى المواطنين. لهذا يجب على الحكومة السورية التخلي عن "حقها"(؟) بمنح التصريحات لاصدار صحف او مجلات او غيرها من وسائل الاعلام. ففي الدول الديمقراطية تناط مهمة اصدار هذه التصاريح بالاقسام المتخصصة في المحاكم الاقتصادية، اذا يعتبر امتلاك وسيلة الاعلام نشاطا اقتصاديا كونه يتطلب رأسمال ويتطلب استخدام موظفين وصحفيين وفنيين وغيرهم (أي يفتح فرص عمل) وتفرض عليه قوانين المنافسة الشريفة مع المؤسسات الاقتصادية الاخرى التي تنشط في اطار الاعلام ويتبع قانون الربح والخسارة في حساباته الاقتصادية، أي ان وسائل الاعلام تتبع قانون النشاط التجاري (اضافة الى قوانين الصحافة) وليس قانون الاحزاب والنشاط السياسي.
من هنا لا زلت اتعجب بان واحدة من مهام رئيس الوزراء السوري شخصيا هي اعطاء تصاريح لاصدار الصحف وكأن رئيس الوزراء قد قام بكل مهامه وافتتح كل مواسير الماء والتصريف الصحي وحضر احتفالات ايصال الكهرباء الى كل القرى ولم يعد لديه لا شغلة ولا عملة الا النظر هل يعطي التصريح لابي محمد ام يمنعه عن ابي فيصل.
من المنطق انه في الدول التي تسود فيها حرية الصحافة تقع رئاسة الوزراء مثلها مثل كل مؤسسات الدولة تحت منظار رقابة الصحافة، فهل ينتقد الصحفي السوري في وسائل الاعلام الرسمية المؤسسة او الشخص الذي يمسك الحبل على رقبته ويستطيع في كل لحظة ان يخنقه؟ وهل ستقبل هذه المؤسسات الرسمية باستخدام صحفيين يختلفون مع حزب البعث ايديولوجيا وفكريا؟

كلنا يعرف تماما مدى التأثير الذي تلعبه ملكية وسيلة الاعلام على خطها السياسي. ليس في بلادنا فحسب انما في كل وسائل الاعلام. لهذا لا تقنعني كلمات وزير الاعلام السوري بان الحكومة اعطت الضوء الاخضر للصحافيين للكتابة بكل حرية. حتى وان وصلت الحرية لصحافي "البعث" و"تشرين" و"الثورة" فلن نجد هذه الحرية عند صحافيي الاذاعة ولا التلفزة. ان انتشار الصحافة المقروءة في سوريا لاسباب لا مجال لذكرها الان مثلها مثل معظم البلاد العربية محدود جدا مقارنة بوسائل الاعلام المسموعة والمرئية. لهذا سأصدق ان للصحفي الحرية عندما ارى تحقيقا مصورا عن اعمال الرمرمة (ولا تخلطها بمفهوم الترميم) او عندما اسمع محاكمات المسؤولين عن سرقة الاقتصاد الوطني من اذاعة دمشق او عندما استطيع من دمشق ان اقرأ مواقع محجوبة مثل ايلاف او غيرها. عندها سأعترف بخطأي واقول ان حرية الكلمة في سوريا اصبحت واقعا وليست محاولة لتجميل وجه النظام وليست محاولة لتنفيس الضغط عن الجماهير كما تعودنا عليه من خلال افلام السينما مثل فلم التقرير لدريد لحام.
ان حرية الصحافة شرط لابد من تحقيقه للنهوض بالاقتصاد الوطني، حرية الصحافة تفعل الجماهير لمواكبة التقدم وتعبئتهم من اجل المسيرة الشاقة على طريق الانتعاش الاقتصادي. ولكن حرية الصحافة ايضا تعني حقها في الرقابة على اعمال المسؤولين أي مسائلتهم وليس سؤالهم كما يريد وزير الاعلام السوري الجديد، وهذا ما اتعقد ان النظام السوري لم ينضج بعد لتحمله. لهذا اعتقد ان تعبير حرية الاعلام كما يريده المسؤولون السوريون يتطابق مع احد تعريفات حرية التعبير كما رآه فورد: لك كامل حرية الرأي بشرط ان يتفق رأيك مع ما اطرحه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. وتوقف دخول


.. بعد قتله جنديين.. حزب الله يستهدف مجدداً ضباطاً إسرائيليين ب




.. هل سيطرة إسرائيل على معبر رفح مقدمة للسيطرة على المدينة بكام


.. شقاق متزايد في علاقة الحليفين.. غضب إسرائيلي من -الفخ الأمير




.. ترامب يتهم بايدن بتزوير المحاكمة لأهداف سياسية