الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دون اليابان، ما هو شكل العالم ؟

احمد ثامر جهاد

2011 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


جاءت فاجعة اليابان لتضيف إلى العالم شاغلا إنسانيا آخر مع ما يشهده من اضطرابات وثورات وأزمات متلاحقة في غير مكان.
وعلى نحو متسارع تفتتت لحمة الموزائيك الشرقي الفريد تحت عصف سيول تسونامي وزلازله غير الرحيمة.وما عاد يسيرا الاهتداء إلى الفضاء الياباني الحيوي الذي حفز يوما ما فكر رولان بارت ليكتب عن اليابان قائلا:"انها إمبراطورية دوال شاسعة جدا.. الجسد هناك يوجد، يمتد،يتصرف،يمنح نفسه من دون هستيريا،من دون نرجسية..
الجسد برمته( العيون، الابتسامة،الخصلة، الحركة، اللباس ) يتحاور معك بضرب من " الثغثغة "،حيث الهيمنة التامة للشفرات تنزع كل طابع ارتدادي أو طفولي..
أما صينية الطعام في هذا البلد فيمكن اعتبارها لوحة..
ما الذي يمكن لبارت ان يقوله لو شاهد الدوال اليابانية تلك،وهي تجرف مثل قطع ورق صغيرة بفعل اللغة الصماء للطبيعة.
انها الطبيعة ذاتها التي طالما احتفت بها الثقافة اليابانية لقرون،ومنحت إنسانها فضاء روحيا فريدا.
***
ما ان ضرب التسونامي استرخاء المدن اليابانية حتى انهارت إلى حد ما ثقة مواطني العالم بالأمن الصناعي الذي توفره الدول المتقدمة لشعوبها .وبدت العظمة التكنولوجية للعملاق الآسيوي مجرد فارق زمني محدود مرتهن بشدة الموجات الضاربة للزلازل والأعاصير وما ينجم عنها من كوارث بيئية لاحقة.
أما ذعر البشر من غضب الطبيعة وهياجها فهو الذعر البدائي نفسه،الذي دفع أجدادنا القدماء للاحتماء بأقرب جحر أو كهف.ورغم عظمة المنجز الحضاري والتقني الذي فصلنا عن تلك اللحظة التاريخية البعيدة تبدو الحياة البشرية اليوم أسيرة المخاوف ذاتها.
بأي مقياس إنساني إذن يمكن تقييم حضارة اليوم ؟
بالطبع ليست المشكلة ضعفا في تدابير الحكومة اليابانية لمواجهة أهوال من هذا النوع، خاصة وانها تبذل كل بوسعها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بشر وممتلكات،ناهيك عن مناشدتها الأصدقاء في العالم الغربي لتقديم يد المساعدة اللوجستية والسيطرة على تلوث مناخها بالسموم النووية. إلا ان أمرا ما غير حميد ربما يكون اكبر من قدرة اليابانيين وأصدقائهم على تجنب حلول الكارثة.
انها بالفعل محنة كبيرة لا يستحقها شعب متحضر ومثابر،خبر معنى الآلام وأثقلت ذاكرته بالمآسي،لكنه لم يتوقف يوما عن تسخير كل جهوده لجعل حياة البشر أكثر يسرا ورفاهية عبر دفق منتجاته الصناعية العديدة التي لا تعلو عليها منتجات..
هل يخلو بيت في العالم من اثر لليابان،سلعة صغيرة أو كبيرة،نكيل المديح لمتانتها وتناغمها مع رغباتنا وهوانا؟
من بوسعه إنكار إسهام اليابانيين في تغيير أسلوب الحياة الإنسانية،شكلها وآفاقها بفعل ابتكاراتهم ورؤيتهم الحداثية لطريقة العيش؟
البعض أعاد حساباته حول شروط الأمان المطلوبة لاستمرار الحياة،والآخر يفكر جديا بترك المفاعلات النووية والعودة للطرق التقليدية في إنتاج الطاقة.
فيما يختبر الإنسان مجددا حاجته إلى معرفة قدراته العقلية في قبول الأقدار المجهولة التي تنتظره خلف كل باب موصد.
***
تساءلت مرارا ان كان الحلم الأخير في رائعة المخرج الياباني اكيرا كيراساوا (أحلام) إنتاج عام 1990 والمعنون (اللهب الأحمر لبركان جبل فوجى) يمثل رؤية استباقية لما يحدث اليوم في اليابان؟
في حلم كيراساوا المفزع يفر الناس مذعورين من منظر انفجار هائل في جبل فوجي،يتضح فيما بعد انه انفجار لست مفاعلات نووية.ولا مجال لقول أي شئ آخر.
اللهب الأحمر يتصاعد بقوة وتغرق المدينة بالحمم النارية التي تلتهم كل شئ،فيما يهرب الناس كالضفادع الجريحة أملا في النجاة من مصير محتوم.
نتمنى ان تلك الصورة من وحي أحلام اكيراساوا ليس إلا.لأننا ببساطة لا نستطيع تخيل العالم من دون اليابان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟