الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا كاك جوهر ..

منذر الفضل

2011 / 3 / 25
سيرة ذاتية


من اصعب لحظات الحياة ان تفقد عزيزا بشكل مفاجئ , والاصعب من ذلك ان تكتب كلمات الرثاء في وداعه , فأي كلمات سوف تفي بحق رجل كجوهر نامق !
فجر يوم 22 اذار 2011 شعرت بصدمة كبيرة وأنا أتلقى خبر رحيل جوهر نامق , فقد كنت قبل يوم فقط اتفقد وضعه الصحي عبر الاتصال الهاتفي مع اسرته في السويد وكوردستان , واحسست بان وضعه الصحي ليس مطمئنا خاصة وان العملية الجراحية التي كان من المنتظر اجراؤها له في المستشفى قد تأجلت لحين استعادة عافيته قليلا . وكنت قد تحدثت معه شخصيا قبل ثلاثة اسابيع تقريبا من هذا التاريخ وهو على سريره في مشفاه في العاصمة السويدية ستوكهولم ثم تحدثت ايضا مع زوجته الفاضلة ام سيروان وشقيقه كاك ياور وابلغوني بأنهم يأملون ان تتحسن صحته قريبا .
لقد حاولت كثيرا ان أحبس دموعي عندما سمعت خبر رحيله ,وانا الذي كنت أنجح في حبسها حتى في اصعب المواقف ولكني فشلت هذه المرة , فخسارتي بفقدان هذا الصديق لا تعوض .
ومع ان واجب الوفاء يحتم علي ان اكتب كلمات رثاء في رحيله ولكن أية كلمات يمكن ان تطفئ او تخفف من ألم هذا الرحيل المبكر لرجل عرفته عن قرب منذ سنوات طوال صديقا صادقا صدوقا نزيها عفيف اللسان واليد , يحمل تاريخا نضاليا مشرفا سواء في مقارعة الظلم والدكتاتورية حين كان مناضلا بين صفوف البيشمركة الابطال ام من خلال العمل السياسي حين كان قائدا سياسيا في ظل ظروف السلم قبل وبعد سقوط الدكتاتورية .
عرفت أبو سيروان ( جوهر نامق ) والتقيته لأول مرة في ستوكهولم عام 2000 , وكان يتطلع هو ايضا الى هذا اللقاء لأنه كان قد تعرف علي قبل هذا التاريخ من خلال دراساتي ومشاركاتي وبحوثي المنشورة حول الحقوق القومية للكورد والديمقراطية والفيدرالية للعراق وقضية محاكمة صدام ورموز النظام السابق وموقفي الواضح والصريح من كركوك فضلا عن نشاطي السياسي المعارض العلني للنظام الدكتاتوري السابق في خارج العراق , وكان يوعز بنشر كتاباتي في صحيفة خه بات الكوردية بعد ترجمتها من العربية الى الكوردية , باعتباره المسؤول الاول عن تلك الصحيفة آنذاك .
وحين تشكلت لجنة الخبراء العراقيين برعاية وزارة الخارجية الامريكية عام 2001 كنت حريصا على التواصل مع ابو سيروان في مناقشة المبادئ التي ستحكم مستقبل العراق وكوردستان حين كنت اعمل منسقا ومقررا للجنة الفيدرالية والتي ضمت ضمن اعضائها كل من الشهيد سامي عبد الرحمن والدكتور فؤاد معصوم وقباد طالباني وتورهان كتانه ومهند الاشيقر ودلشاد ميران واخرين , وكان جوهر نامق فرحا بهذا الدور وبالتوصيات التي توصلنا لها انذاك والتي استقرت في تقرير جرى تبنيه من مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد في لندن للفترة من 14-17 ديسمبر 2002 .
وفي ظل اعمال هذا المؤتمر المهم ( مؤتمر لندن ) , كان سروري كبيرا حين التقيت مجموعة من القيادات الكوردية المناضلة ومنهم الاخ والصديق الغالي جوهر نامق والتي توطدت علاقتي معه أكثر , واتذكر حينها ان الاخ الشهيد سامي عبد الرحمن طلب مني الذهاب الى لجنة الفيدرالية المنبثقة عن مؤتمر لندن والانضمام لها مع بقية الاعضاء , وقد كانت اللجنة تضم كل من ( جوهر نامق , منذر الفضل , فرست احمد , سعدي البرزنجي , محمد عمر مولود , على العضاض , فيصل الاستربادي وسالم الجلبي وآخرين ).
وعندما تم ترشيحي لرئاسة اللجنة المذكورة تخليت عن رئاستها الى الأخ جوهر نامق لما يتمتع به من حنكة سياسية وتجربة نضالية ودراية في فن التفاوض مع الآخر . ودارت نقاشات طويلة داخل اللجنة بين ممثلي القوى السياسية العراقية المختلفة حول حدود اقليم كوردستان في ظل شكل الدولة الفيدرالي القادم, وقضية كركوك والمناطق المتنازع عليها وقضية العرب الوافدين ضمن سياسة التعريب التي مارسها النظام السابق . وأشير هنا بأن موقفي كان واضحا في ان كركوك هي جزء من الحدود الادارية لاقليم كوردستان تاريخيا وجغرافيا , وان المناطق المتنازع عليها يجب ان تحل حلا عادلا وقانونيا بعيدا عن الظلم وفي ضرورة انصاف الكورد المرحلين من كركوك والمناطق الاخرى وتعويض العرب الوافدين.
وأذكر بأن جوهر نامق ( مع رفاقه سالفي الذكر من البارتي ومع رفاق آخرين اذكر منهم الاستاذ فاضل ميراني والاستاذ محسن دزه ئي والدكتور روز نوري شاويس والشهيد سعد عبدالله وخسرو كوران و باشراف مباشر من سيادة الرئيس مسعود بارزاني ) كان يعمل ليل نهار من اجل انجاح مؤتمر لندن للمعارضة العراقية . وكان حريصا على تطوير العلاقات مع بقية الاحزاب والقوى السياسية العراقية المشاركة في المؤتمر واضعا نصب عينيه مصلحة الشعب الكوردي وحقوقه القومية ومصلحة العراق الفيدرالي الذي يجب ان يقوم على شكل ونظام حكم جديد , وكان في كثير من الأحيان يفك الاشتباكات والنقاشات المتصارعة في لجنة الفدرالية وفي غيرها بحكمته واتزانه ورؤيته الثاقبة .
في نهاية اذار عام 2003 واثناء عملي في واشنطن كأحد الخبراء العراقيين المشاركين في اعادة اعمار العراق حرصت على الاتصال والتشاور مع كاك جوهر نامق من موقعه في كوردستان وكان يشغل منصب سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني , وكنا نتبادل الاراء حول قضايا مهمة تخص مستقبل العراق الجديد وتحديدا موضوع كتابة الدستور ومحاكمة رموز النظام السابق وترشيح اسماء القضاة لتولي هذه المهمة وبناء الديمقراطية والمؤسسات الدستورية في العراق .
جوهر نامق كما عرفته عن قرب في اوقات مختلفة واماكن متعددة كان حريصا على مكتسبات وحقوق كوردستان وتبني خيار الفيدرالية للعراق بدلا من حكم الفرد او حكم الحزب الواحد , وكان حريصا على حل قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها بشكل عادل وعلى نيل كامل الحقوق القومية للكورد . كما عرفته صلبا لم يساوم يوما من الايام على اي جزء من هذه الحقوق . و كان حريصا على تطوير العلاقات الكوردية – العربية والانفتاح على كل القوميات واتباع الديانات والمذاهب انطلاقا من رؤيته في احترام حقوق الانسان وفي احترام الرأي والرأي الاخر لأنه كان يرى بأن العرب والكورد والتركمان وجميع القوميات واتباع الديانات والمذاهب في العراق هم شركاء في الوطن ضمن الاتحاد الاختياري , ولهذا كان اول قرار يصدره برلمان كوردستان برئاسته هو خيار الفيدرالية كشكل للدولة العراقية في 4-10- 1992 رغم وجود الحكم الدكتاتوري انذاك , وهو خيار شجاع في تاكيد حق تقرير المصير لشعب كوردستان في ظل ظروف معقدة . ومن جهة اخرى حرص على ان يكون لإقليم كوردستان دستور خاص يرسخ مؤسساته ويرسم معالم الطريق لكوردستان وينظم العلاقة مع المركز في بغداد معتمدا في ذلك على ما تم توارثه من افكار واسس سبق ان تبناها البارزاني الخالد , مع وجهة نظر خاصة به في تحديد الزمن المناسب لاصداره .
بقيت العلاقة الاخوية والعائلية تتوطد بيننا سواء اثناء زياراتي الى كوردستان او زياراته المتكررة الى السويد . وكانت آخر مرة التقيته فيها شخصيا في ستوكهولم في تموز 2010 في حفل تكريم الأخ الاستاذ الدكتور كاظم حبيب حيث كانت تربطه به صداقة وطيدة , وبعدها بأيام التقيت كاك جوهر في جلسة عائلية في ستوكهولم .
كنت اشعر منذ زمن بأن الرجل يعاني كثيرا بسبب تخلي العديد من الاصدقاء ورفاق النضال عنه لمجرد اختلاف الرأي معهم بالرغم من انه لم يكن يحمل أية ضغينة او كراهية لأحد , فكان يشعر بالعزلة والتهميش وهو المناضل المحنك الذي افنى حياته من اجل كوردستان , وكان حين يمارس النقد البناء للأوضاع العامة في كوردستان والعراق فأن نقده كان بهدف الاصلاح والتقويم من منظوره الفكري , وليس بهدف الهدم والتخريب والاضرار بمصلحة الشعب الكوردي أو الانتقاص من رفاقه أو تعكير السلام في كوردستان , بل كان يؤمن بضرورة الانفتاح على المتغيرات بما يحقق مصلحة كوردستان بعيدا عن العنف , ولم يكن يخفي تصوراته وآرائه هذه خلال العديد من المقالات الصحفية والمقابلات الاعلامية المختلفة , فقد كان صريحا وواضحا في السر والعلن .
لم يدر في خلدي يوما من الايام ان ارثي صديقا عزيزا غاليا مثل ابو سيروان , فالرثاء لا يكون للشخصيات الخالدة بافعالها وسلوكها وتاريخها . جوهر نامق يبقى حيا في قلوب المحبين له وفي ضمير من عرفه في ساحات القتال من البيشمركة الابطال ابان مقارعة الدكتاتورية وفي كل مكان من كوردستان دارت عليها المعارك ضد الظلم , و سيبقى كذلك في ذاكرة اصدقائه من الكورد والعرب والقوميات الاخرى لتواضعه الجم وصدقه وفكره ودوره في بناء مؤسسات كوردستان والعراق الفيدرالي الديمقراطي .
تعازينا ومواساتنا لزوجته الفاضلة ام سيروان
تعازينا لابنائه الاعزاء سيروان , ئاران , ساهي
وداعا سليم سوراني .
وداعا كاك جوهر.
وداعا جوهرة كوردستان .


‏الجمعة‏، 25‏ آذار‏، 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا