الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليبيا بين الثورة والتدخل الاجنبي

خالد الحلو

2011 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


يساور الكثير من المواطنين العرب القلق البالغ من تطورات الأحداث في ليبيا بعد أن فقدت الثورة الليبية بعدها السلمي تحت وطأة القمع العنيف والضاري الذي أبداه النظام الليبي ضد شعبه، وفقدت الى حد ما استقلالها بعد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف شمال الاطلسي في عملية عسكرية ضد النظام الليبي أطلقوا عليها اسم "فجر الأوديسا"، صحيح أن هذا التدخل جاء تحت مظلة دولية وبطلب ومشاركة عربية على رأسها قطر والامارات العربية والثوار الليبيون أنفسهم، الا أن فقدان المواطن العربي للثقة تجاه المنظمة الدولية والولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عموماً جعلت هذا المواطن يتشكك في مشروعية هذا التدخل، ويتحسس من مخاطر وقوعه في ازدواجية المعايير أثناء حكمه على تلك الاحداث والتطورات، فالغرب كان ولعقود طويلة يناصب الأمة وشعوبها العداء الذي كان ابرز مظاهره دعم بقاء واستمرار هذه الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، فهل نحن اليوم أمام تبدل الصورة والأدوار لموقف الغرب تجاهنا بانتقاله من دعم الدكتاتوريات الى دعم الثورات العربية.
رغم ما تحمله التسمية "فجر الأوديسا" من دلالات تبدو حالمة وشعرية الا أنها في حقيقتها حرب مدمرة ظاهرها رقيق وناعم وهو دعم ثورة الشعب الليبي ضد مستبديه، وباطنها حرب مصالح ورغبات عميقة في السيطرة والالحاق لهذا البلد العربي الغني بالبترول والقليل السكان أملاً في تماثل حاله مع دول الخليج العربي التي أصبحت سياساتها وثرواتها أمريكية الهوى ولم يبقى منها عربياً الا القليل، لذلك جاءت التسمسة "فجر الأوديسا" لاعلان رغبة الغرب في السيطرة الناعمة على ليبيا تماثلاً مع حال "عوليس" بطل اسطورة الاوديسة الذي كان مقاتلاً ناعماً ذكياً واسع الخيال والحيلة خلافاً لأخيليوس بطل طروادة المقاتل الخشن المتبجح الوقح، ذلك أن الغرب تعلم كثيراً في عدوانه على العراق عن مصير المقاتل الامريكي الخشن المتبجح الوقح، وها هو اليوم يلجأ لدور "عوليس" المقاتل اللطيف الذي مكنته الآله من قدرة ارسال الصواعق التي ترمي بها الطائرات وصواريخ التحالف على اراضي ليبيا دون الحاجة لرؤية الجنود المحتلين الخشنين والمتبجحين والوقحين.
وامام هذا المشهد الفريد الذي زاوج بين الرغبة العميقة في انتصار ثورة الشعب الليبي ضد جلاديه وبين كره ان يكون ذلك الانتصار يحدث عبر رعاية ومساعدة امريكية اطلسية يقف المواطن العربي مشدوها ومتشككا من مآلات الاحداث في ليبيا , صحيح ان سياسات العقيد القذافي الطائشة والمزاجية والمتقلبة قد وفرت اجماعاً غير مسبوق ضده من قبل شعبه والجامعة العربية ومجلس الامن والولايات المتجدة ودول حلف شمال الاطلسي وقطاع كبير من الرأي العام العربي والدولي, الاّ ان هذا الاجماع على التخلص من النظام الليبي لا يلغي اختلاف مصالح اطرافه, وهذا بالضبط ما يجب ان يعلمه الثوار الليبيون الذين يقاتلون اليوم في معركة الحرية لا من نظام القذافي فحسب بل من اي مساومة على حريتهم واسقلالهم في المستقبل القريب والبعيد حتى لو كان ممن قدموا أنفسهم حلفاء اليوم, فالغرب لم يمد يد العون للشعب الليبي من اجل تحريره من ظلم وقمع نظام القذافي بل من أجل ضمان العوائد الاقتصادية للعمليات العسكرية التي تقوم بها قواته ضد كتائب القذافي ومنشآته العسكرية وبنية ليبيا التحتية ومن ثم ضمان عقود النفط والتسليح للجيش الليبي القادم واعادة البناء بعد ان تقوم بعمليات التدمير العسكرية دون مراقبة حتى من مجلس الامن الذي خولها لكنه لا يملك آلية مراقبتها، وهذا ما اطلقنا عليه السيطرة الناعمة التي يطمح الاطليسي والولايات المتحدة من تحقيقها , وهذا ما يدعونا الى التنبيه لضرورة ان نتعامل مع أحداث ليبيا في إطار المصالح لا إطار المبادئ, أي يجب ان لا يعمم النموذج الليبي المحتاج للمساعدة العسكرية الخارجية في ثورات الشعوب العربية المشتعلة والى ضرورة التمترس حول سلمية الحركات الشعبية مهما كانت استفزازات الأنظمة لشعوبها ومهما طال نضالهم، وان ندرك ان تبادل وتقاطع المصالح أحيانا كما هو حاصل اليوم في ليبيا لا يلغي تعارض المبادىء وأن يبقى هذا التعاون تكتيكياً مؤقتاً وهذا ما يجب ان تكون علاقة الثوار الليبيين بالولايات المتحدة والاطلسي.
اما من يتحمل مسؤولية هذه التطورات الخطيرة لسير الثورة في ليبيا نقول انه دون أدنى شك العقيد معمر القذافي ونظامه العائلي المستبد والمستند الى القبيلة, فهذا النظام الذي ادعى أنه مفجر عصر الجماهير هو نفسه الذي دافع بوقاحة عن المخلوعين زين العابدين ومبارك عندما هبت جماهير تونس ومصر لاسقاطهما, وهو نفسه الذي لم يتوانا عن وصف جماهير شعبه الذين هبّو لاسقاطه بعد عنفه في قمع المتظاهرين المنددين بمجزرة سجن بوسليم والمطالبين بتحقيق علني وشفاف حول تلك المجزرة والمسؤولين عنها فوصفهم بالجرذان والجراثيم والمهلوسين واعمل فيهم القتل والتقتيل فاستشهد منهم المئات بل الالاف جتى نجح في استدراجهم للددفاع عن أنفسهم بما توفر من أسلحة خفيفة بين أيديهم وليقابلهم بالدبابات والمدافع والطائرات كي يكسر إرادتهم وثورتهم مما أوقع المحظور المتمثل في بحث الثورة عن حماية عسكرية لشعبها الأعزل بعد ان اصبحوا هدفا لجحافل قوات القذافي الدموية, ومما لا شك فيه فان هذه الأحداث قد حققت نبؤة سيف الاسلام القذافي الذي رغم عدم توليه لا ي منصب رسمي في ليبيا كما يدعي كان منذ الأيام الأولى للثورة قد وعد الليبيين الثائرين ضد نظام والده بالحرب الأهلية وبتقسيم ليبيا وبإعادة الاستعمار وبنسيان النفط الذي وعد بتدميره، ولا بوالده الذي وعد بالقتال حتى آخر ليبي وليبية فاما القذافي وعائلته وإما الموت لليبيا.
يجب أن لا يغيب عنا ان رتم الثورات العربية لن يكون في كل الأحيان متماثلا حتى وان تماثل فيه إجماع الجماهير العربية على ضرورة رحيل الأنظمة واجماع الأنظمة على التمسك بعروشها وسلطاتها, وعلينا ان نعلم أن تكلفة الثورة السلمية مهما بلغت أقل بكثر من تكلفة الثورة المسلحة، وعلينا أن ندرك ضرورة عدم تدنيس ثوراتنا المقدسة بعوليس بطل الاوديسا ما استطعنا الى ذلك سبيلا, وفي النهاية علينا أن نتعلم درساً في حل مشاكلنا بايدينا وإلاّ فتقاطع المصالح اليوم مع فجر الاوديسا يجب أن لا يلغي تعارض المبادئ بيننا وبين الغرب الطامع بنا وبثرواتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تبدو كالقطن ولكن تقفز عند لمسها.. ما هذه الكائنات التي أدهشت


.. أصوات من غزة| سكان مخيم جباليا يعانون بسبب تكرار النزوح إلى




.. يحيى سريع: نجحنا حتى الآن في إسقاط 5 مسيرات أمريكية من نوع ط


.. بدء مراسم تشييع الرئيس الإيراني في مدينة تبريز عاصمة محافظة




.. تحذير من حقن التخسيس لأصحاب هذا المرض