الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعتزلة بين المثقف والسياسي ( العراق نموذجا ) الجزء الثاني

قاسم طلاع

2004 / 10 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


( 2 )
وأدركت الكثير من الأحزاب لإشكالية هذه العلاقة وقدمت الكثير من الاطروحات النظرية في محاولة منها لحل هذه الاشكالية. وكان الحزب الشيوعي العراقي قد بادر وبشكل جدي بخلق قاعدة حوار واسعة، وخصوصا بعد فشل الجبهة الوطنية، حين كشف البعثيون عن نواياهم الدنيئة وسقوط الاتحاد السوفيتي ( التجارب الاشتراكية ) وحرب الخليجالأولى ( الحرب ضد الجارة إيران ) وحرب الخليج الثانية ( العراق/ الكويت ) التى ترتبط، وبصورة لا تقبل الشك مع تلك التطورات التى حدثت على الساحة العراقية منذ أكثر من ثلاثة عقود، والتى أفرزت أزمة فكرية ابتدأت أو تجلت بوضوح بعد نكسة الخامس من حزيران عام 1967 ( الحرب العربية الاسرائيلية )، التى كشفت عن مدى عجز الانظمة السياسية المتسلطة في حماية حدود الدولة التى تتحكم فيها، ومدى عجز الاحزاب في طرح برنامجا أو على الأقل إعادة النظر في برامجها والتوجه نحو المطالبة بالاعتراف بالآخر لخلق تعددية حزبية تساهم في خلق نظم ديمقراطية لا زالت البلدان العربية تفتقر إليها( فشل العمل ضمن قاعدة ديمقراطية والتخلي عن العناد الأديولوجي ). وبدلا عن هذا بقت ثقافة العنف في خطابه " العنتري " هي السلعة المحببة في أسواق مثقفينا واتجاهاتهم الفكرية إضافة الى المؤسسات الحزبية.
لقد واكبت نكسة الخامس من حزيران عام 1967 عوامل كثيرة شاركت، وبشكل مباشر، في إعادة مفهوم المثقف وعلاقته بالحزب/بالسلطة:
أولا: حرب التحرير الفيتنامية ضد الوجود العسكري الأمريكي.
ثانيا: تمرد الطلبة في أوربا والتى وصلت قمة هذا التمر عام ذ968 .
ثالثا: الكفاح المسلح الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وغزة.
رابعا: ظهور التيارات الماركسية على الساحة السياسيةوالفكرية ( التروتسكية، الماويو ،سبة الى ماوتستونغ ) كرد فعل على ما أطلق عليه " بالستالينية " التي كانت تتمثل بالنظام السوفيتي آنذاك، والموقف النقدي الذي أتخذ حيالها ( وقد انحصر في بادئ داخل الدول الاوربية ).
خامسا: تجربة الكفاح المسلح، التى خاضعها الحزب الشيوعي العراقي/ القيادة المركزية، إذ وجدت هذه القيادة مؤيديها عند المثقفين العراقيين، وانتمى الكثيرون منهم ‘ليها ( أذكر منهم الشهيد ابراهيم زاير والشهيد خالد أحمد زكي ) .
سادسا : التدخل العسكري السوفيتي في جيكوسلفاكيا وكتم الأفواه التي كانت تطالب بحرية الرأي وديمقراطية المجتمع. وبهذا يكون الاتحاد السوفيتي بعمله هذا قد ضرب بعرض الحائط قضية تقرير المصير، التى كان قد أقرها هذا النظام في وثائقه.
مجل هذه العوامل أدت الى خلق موقف جديد للمثقف العراقي في طرحه للقضايا الاجتماعية التى ترتبط ومصير الإنسان. واندفع إلى بلورة إتجاه ينطلق من موقف فردي ومن منظور عالمي معتمدا على مصادر كثيرة في تفسير " الظاهرة " أو " الحدث " ، بعيدا عن أي إلتزام حزبي أو إديولوجي، ولم تعد الماركسية ، وحدهاالأساس المعتمد، وإنما شاركتها نظريات وأفكار جديدة على الساحة الثقافية العراقية. وكان مصطلح " اليسار الجديد " قد ظهر لأول مرة في القواميس السياسية والثقافية ( الوجودية ، السريالية ، الماركسية النقدية ...الخ ) . وإذا كان اليسار الجديد في أوربا ، وخصوصا فرنسا ألمانيا، قد أعلن موقفه الصريح من النظم الاشتراكية التى كانت قائمة في ذلك الوقت، وخصوصا الاتحاد السوفيتي، وإدانته للستالينية، إضافة الى التخلي عن مفهوم سيادة الطبقة العاملة " البروليتاريا " ( الحزب الشيوعي الفرنسي ، بعدها ظهور ما يسمى بالسشيوعية الاوربية )، واعتبار المثقف الثوري ، بالمفهوم السارتري ، هو الأداة الأكثر فاعلية في مجرى تغير الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ( المبادرة المنظمة في القدرة على قيادة الثورة )، فإن المثقف العراقي لم يتنكر لمفهوم " دكتاتورية البروليتارية " ، وإنما توجه بالنقد الشديد الى قيادة الحزب الشيوعي العراقي واتهامها بالانحراف عن الخط الماركسي وعن المهام التى كان من الواجب الدفاع عنها نذكر منها على سبيل المثال:
أولا: وجهات النظر التى كانت تطالب بحل الحزب الشيوعي في الستينيات ( أيام الحكم العارفي ).
ثانيا: حوارات الجبهة مع سلطة البعث عام 1968، والتى تمخضت عنها قيام ما يسمى بالجبهة الوطنية .
لقد ساهمت قيادة الحزب الشيوعي العراقي في ستينيات القرن الماضي ، وبشكل مباشر، شل أي مبادرة من قبل القاعدة ( قاعدة الحزب ) وخصوصا من المثقف، في محاولة زجها، أي هذه القيادة، في محاورات فكرية ( نظرية ) للتعامل مع الواقع ، فيما يخص العامل الموضوعي، الذي أفرزه إنقلاب 17 تموز عام 1968 ( قام به حزب البعث الفاشي في العراق ) وتناسى الموقف السلبي ، الذي اتخذته الأحزاب القومية ، وخصوصا حزب البعث، من ثورة الرابع عشر من تموز والانجازات التى قامت بها، رغم مشاركة هذه القوى في جبهة الاتحاد الوطني ( 1957 ) والتى كان لأحزاب هذه الجبهة علاقات وارتباطات مع حركة الضباط الأحرار، التى قادة هذه الثورة، وما ترتب عنها من إنقلاب دموي في 8 شباط عام 1963 ( بتعاون أمريكي بعثي قومي ناصري ) راح ضحيته آلاف من الشعب العراقي ( وحسب ما ذكرته المخابرات المركزية الامريكية ، بأنه خلال اسبوع فقد ما يقارب سبعة آلاف شخص حياتهم ) . وابتعدت كثيرا ، بل تناست التاريخ، عندما وجه حزب البعث والتيار القومي الناصري ( وكان القطار أمريكي ، مثل ما اعترفت قياداة هذه الاحزاب ، يرجى مراجعة كتاب أوكار الهزيمة لهاني الفكيكي، الذي كان واحد من قيادي حزب البعث في حينها)، ضربة كادت تكون قاصمة للحزب الشيوعي العراقي والتى تم فيها التصفية الجسدية لرموز قادة الحزب الشيوي جميعا ( الشهيد سلام عادل، والشهيد جمال الحيدري ...الخ ) . أقول أن الحوار الذي بدأ بين حكومة البعث الفاشية عام 1968 وبين قيادة الحزب الشيوعي، أدى إلى قطيعة شبه تامة بين ثقافة الحزب وثقافة المثقف ( وليس التخلي عن المفاهيم الماركسية ) ، الذي تمكن في حينها أن يرفض أي شكل من أشكال التعاون والعمل تحت مفهوم السلطة الفاشية، وبهذا كان قد أصبح عرضة للمطارة والسجن والتهديد بالقتل. ولأول مرة في تاريخ العراق المعاصر ،بدأ المثقف يشكل خطرا كبيرا على جهاز الدولة ، على العكس مما تعودت عليه الانظمة السابقة من خطر الأحزاب على سلامة سلطتها.ولم تقف السلطة عند هذا الحد، وإنما قامت باغتيال كوادر حزبية ( شيوعية ) أثناء ما كانت هذه السلطة تتحاور مع الحزب الشيوعي العراقي حول مسألة الجبهة والتعاون المشترك ( إغتيال الشهيد محمد الخضري وكذلك الشهيد ستار خضير ). لقد كان الجمود العقائدي وعدم الفهم الصحيح للماركسية، والتبعية الكاملة لتلك التنظيرات، التى كانت تعكس وجهات نظر النظام السوفيتي في حينها، وتجد في أسواقنا من يشتريه ( مثال ذلك مسألة التطور اللارأسمالي أو الطريق الثالث للاشتراكية أو الاشتراكية العربية ...الخ )، قد خلقت أزمة كبيرة ، ليس على المستوى السياسيومسألة التقيم، وإنما خلقت فجوة كبيرة ، أيضا ، بين المثقف والسياسي، وبالتالي مهدت الذي حدث عام 1967 ( كما ذكرته أعلاه )، والذي أحدث صدعة كبيرة في الحركة الوطنية العراقية.
لقد كان لانعقاد المؤتمر الخامس والنتائج التى تمخضت عنه، بداية للتخلص من التركة الستالينية وترسيخ للقاعدة الديمقراطية ، التى بدأ مسيرتها هذا الحزب منذ عام ( 1993 ) وإعادة النظر بالمقولات الماركسية ومنحها روحا حية جديدة على ضؤ متطلبات الواقع الجديد، ,وبالتالي قد فتح صفحة جديدة من العلاقات وعودة المثقف بالمشاركة ببناء هذه العلاقة من أجل عراق ديمقراطي فدرالي موحد يرفض أي إدارة أو إحتلال أجني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأحزاب الانفصالية في كتالونيا تخسر الأغلبية في الانتخابات ا


.. بلينكن: الاجتياح الواسع لرفح سيزرع الفوضى ولن يؤدي إلى القضا




.. ترقب في إسرائيل لأمر جديد من محكمة العدل الدولية في قضية الإ


.. طائرتان مسيرتان عبرتا من لبنان إلى إسرائيل وانفجرتا في منطقة




.. الإعلام العبري يرصد التوتر المتصاعد بين إسرائيل والولايات ال