الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزمن حكم عليهم بالزوال

سمير طاهر

2011 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


عندما نجحت ثورة تونس عبر حكام عرب عن تخوفهم بالمسارعة الى ترديد جملة بعينها وكأنهم اتفقوا عليها: "نحن لسنا تونس، تونس وضعها مختلف!".
حين صارت مصر ـ من حسن حظ كل العرب ـ هي التالية، تحول التخوف لدى حكامنا الى ما يشبه الرعب. أحدهم لم يخف شماتته الشخصية بسقوط نظام حسني مبارك فهلل لما وصفه بـ "سقوط نظام كمب ديفيد"، وهو تنويع على العبارة المضمرة: "نحن لسنا مصر، مصر وضعها مختلف!".
المعنى الذي يحرص الحكام العرب على توصيله الى الاعلام هو إنكار وجود أسباب وجذور للثورة في بلدانهم. وبما ان أسباب الثورة تعلن في كل لحظة وجودها الصارخ في الواقع اليومي في معظم بلداننا فقد اضطر هؤلاء الحكام الى البحث عن براهينهم المضادة خارج هذا الواقع. فسجل "الأخ العقيد" اكتشافاً بعثوره على أسباب الثورة التونسية في الفيسبوك ووثائق ويكيليكس التي هي في نظره مؤامرة انخدع بها التونسيون لقلة فهمهم، فيما كان تسبيبه للثورة المصرية أكثر تقليدية وابتذالاً: مؤامرة إسرائيلية! أما الاكتشاف الذي سجله تيار آخر، سواء من ضمن الحراك المصري الراهن أو في فلسطين أو سورية، فهو ان هذه الملايين التي خرجت الى الشوارع في طول مصر وعرضها ما كان في بالها سوى "إسقاط نظام كمب ديفيد"، ولا أظن هناك هروباً أكثر انكشافاً من هذا القول. لكأن القهر، والاذلال، ونهب الموارد العامة من قبل حفنة حاكمة، والاستئثار بالسلطة وبالثروة وإلقاء بقية الشعب الى بيداء الجوع والحرمان، وتحويل البلاد الى مدرسة ابتدائية لتلقين أناشيد التمجيد للحاكم وفنون العبودية، وامتهان الكرامة الانسانية للفرد كقاعدة يومية عادية، والانتهاك الجسدي والنفسي في المعتقلات، ناهيك عن القتل، لكأن هذا كله ليس قاسماً مشتركاً لمعظم البلدان العربية، وكأنه ليس الواقع اليومي الذي عانى منه التونسيون والمصريون والليبيون عقوداً وصبروا عليه حتى مَلّهم الصبر فثاروا. الحكام العرب لا يريدون أن يقتربوا من هذه النقطة لأنها تصف واقع بلدانهم وتنذرهم بأن أيامهم باتت معدودة. في مؤتمر القمة العربية سنة 2003 قال الرئيس السوري في كلمة أصبحت مشهورة ان الأمريكان " يريدون شعباً قلبه ينبض وعقله لا يعمل، هذا مطلوب من كل العرب، أي كمن يعيش في حالة السبات وفقط تتحرك العقول عندما يريدون وبالشكل الذي يريدونه "، وأنا أتساءل هنا: أليس هذا هو ما يريده كل حاكم عربي من شعبه؟ وألا تمارس الأنظمة العربية مع شعوبها كل ما تمارسه أمريكا مع هذه الأنظمة؟ ألا تحكم على عقول مواطنيها بالسبات عندما تفرض عليهم، ابتداء من روضة الأطفال وحتى آخر يوم في العمر، الأيديولوجيا الواحدة والحزب الحاكم الواحد وعقيدة الخضوع المطلق؟ ألا تحرك هذه الأنظمة، عبر المنظمات والنقابات الصورية وأجهزة الاعلام والمخابرات، وعبر الرعب الجماعي، عقول المواطنين فقط عندما تريد هذه الأنظمة وبالشكل الذي تريد؟ وفيما عدا الشطحات السخيفة التي يتفوه بها العقيد القذافي تحت تأثير عُتْه أو عقار ما، ما الذي تختلف فيه بقية البلدان العربية، حكماً وأوضاعاً، عنه في ليبيا؟ وما الذي يمنع النار من الانتشار الى هذا البلد العربي أو ذاك؟ هناك عقلية للحكم مشتركة تمتد من المحيط الى الخليج مع اختلاف في التفاصيل والخصوصيات، ولهذا فان أسباب ثورة التونسيين والمصريين والليبيين موجودة في معظم البلدان العربية، واندلاع الثورة في هذه البلدان مسألة وقت.
ان حالة الطوارئ، وأيديولوجيا "كل شيء من أجل المعركة"، والمحاكم العسكرية والاستثنائية والى آخر مظاهر الحكم القمعي، لا تتطلبها في حقيقة الأمر أية حاجة اجتماعية أو سياسية أو أمنية للبلاد وإنما تلبي حاجة العصبة الحاكمة فقط. فاسرائيل في حالة حرب دائمة من عشرات السنين ومع ذلك ظل نظامها ديمقراطياً دون ان يؤدي هذا الى سقوط الدولة أو حتى يتسبب لها في هزيمة عسكرية. ان حالة الطوارئ التي تبرر عادةً بالخطر الخارجي أو المؤامرات الداخلية هي في حقيقتها وسيلة السلطة للبقاء في الحكم ولدوام سرقتها لخيرات البلاد ولحقوق المواطنين، هي وسيلة لحفط أمنها الخاص وبأضيق المعانى، وهي وسيلة مكشوفة وغدت عتيقة جداً ولهذا تحتاج الى ضخها بالتبريرات والأعذار كل يوم. ومن حسن حظ الشعوب ان مصر قدمت الدليل القاطع على ان كل حذلقة الكلام وكل أنواع التبريرلا تنفع حين يأتي يوم الحساب. قانون الطوارئ الذي حمى نظام مبارك به نفسه لزمن طويل لم يقدر أن يجنّبه حكم التاريخ وإنما فقط أن يؤجل هذا الحكم لبعض الوقت. وكل أساليب الوقاية من هذا المصير فشلت: فلا إتاحة حرية الاتصالات الالكترونية تنفع ولا منعها ينفع؛ لا السماح بحريات جزئية (كما في مصر) نفعت ولا قمعها كلياً (كما في ليبيا) نفعت، لأنه في جميع هذه الحالات ظلت الفئة الحاكمة هي التي تقرر كل شيء حتى إصلاح ذاتها، وهي التي تمنع وتمنح، وهي التي تملك المادة والسلطة، وهذا الوضع هو الذي تصر الشعوب العربية اليوم على وضع حد له.
ان الظروف التي أتاحت لأناس معتوهين ونرجسيين وسيكوباثيين أن يحكموا بلداناً بشعوبها بدلاً من أن يقيموا في مصحات عقلية، لم تعد موجودة. كما ان البيئة السياسية والثقافية، الاقليمية والعالمية، التي ساعدت زعماء محظوظين مثل الخميني أو صدام على أن يتحولوا الى طغاة، لم تعد موجودة هي الأخرى. ما يحصل اليوم في عالمنا العربي ان الطغاة أصبحوا عُزّلاً من القاعدة التي كانوا يقفون عليها والتي تنتمي الى عصر مضى. لقد أصبحوا عملة غير مغطّاة. وكل ما راكموه من الأسلحة الثقيلة والخفيفة ومن القوات الموالية لن تنفعهم في شيء اليوم، فالزمن، وهو أقوى القوى علىالاطلاق، قد سحب الكرسي من تحت أقدامهم وتركهم يتدلون بحبل المشنقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح