الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الانقسام وليس الاستعمار وآوسلو؟

نضال حسن

2011 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


عندما تعبر ميدان المنارة ماراً بجمع "اللاانقساميين" كما اصطلح عليهم الرفيق م.خ ذات ليلة، يستطلعك سؤال براكسيسي مكتمل البنية، يعتمر ساحة الوعي لديك، ربما هو سؤال الأولويات، أو سؤال الضرورات ضمن السياق الكولينيالي في فلسطين والذي لا زال بحاجة لسياق بعث معركة تحرر وطني قومي وطبقي لكي تنفذ من مساحة معرفة الضرورة إلى مساحة ضرورة المعرفة.

إن ما يترتب تراكمياً في أولويات عملية تحرير الفلسطيني لذاته، والتي هي عملية مركبة بحد ذاتها، إنطلاقاً من واقعها القومي الطبقي المركب، يتشكل ويمكن تعريفه بتعريف النقيض، مَن أو ما هو هذا النقيض؟ ومن وجد هذا النقيض و كيف؟ كما هناك اولوية تحديد المعسكر “اصدقاء واعداء” وهذا يشتمل النقيض ايضاً. إذ أن كل منا يحمل نقيض، فكيف لا يكون نقيض مكتمل لنا معاً كعرب وكمسحوقين أيضاً.

إن الحالة التي تعبر عن المشهد الفلسطيني منذ خمسة أعوام، ما هي إلا تكثيف لاستخلاصات وإنتاجات اوسلو، وما افرزته من استقطابات فئوية وتناحرات انتهازية برجوازية يمينية، على فتات الموائد الاستعمارية، وما هو الا تكثيف لسذاجة وتكرش وتراخي قيادة الفلسطينيين السياسية عبر ما جلبته من عار في اوسلو وبعد ذلك في إنشاء سلطة الحكم الذاتي (رابين - عرفات) لذا ليس من العجيب أو من صنيعة السماء هذه الحالة الانقسامية المتوحدة على الانقسام منذ خمسة سنوات بين أعرض قوتين سياسيتين فلسطينيتين، إذ أنه نتاج حتمي لمعادلة مجرد افتراض قيام حكم ذاتي أو أي شكل من أشكال الإدارة لمجتمع يحمل سمات المجتمع الفلسطيني وإرثه التاريخي، تحت مظلة الاستعمار، إذ أن الاستعمار لم ينته لكي نقوم بخلق جسم ناظم لحياة الناس، متخلين عن التنظيم الذاتي، والحراك الذي ميز مجتمع الثورة الفلسطيني عقوداً خلت، هذا إضافة الى حتمية الواقع بما يقول بإستحالة نشوء أي شكل من أشكال السلطة الوطنية الحقيقة تحت ظل ورعاية ورضى الاحتلال الاستعماري الاستيطاني، إلا إذا كان هذا الاستعمار ساذجاً ولا يعي مصالحه، وهذا لم يحدث مرة واحدة في التاريخ، فلا استعمار يغامر بمصالحه ووجوده عبثاً.
قد عبر المجتمع الفلسطيني الذي من الصعب التعاطي معه ككتلة أو وحدة واحدة نظراً لتجربة الشتات التي تميز مسيرته، كما من المرفوض التعامل معه على انه وحدة ثابتة بمختلف مناطق تواجده بشكل خاص التجمعات المركزية، داخل الوطن التاريخي وفي شتات الأردن،سوريا و لبنان، بجملة متغيرات أفقدته مما يحمل من صفات بقدر مشابه لما أكسبته ، وهذا تبعاً لخصوصية ظروف كل تجمع، فإن عملية تاثر وتأثير جدلية طويلة الأمد، قد نحتت في هذه البنية السياسية الاجتماعية، بما تحمله من تشوهات اقتصادية وتداخلات لمعادلات اقليمية وعالمية من أبرز ما ميزها الدور الذي لعبه البترودولار في تصفية الحس الوحدوي والتضحوي القيادي لمنظمة التحرير لصالح النهج اليميني المنحرف، والمترهل، المتميز ببيروقراطيته والرافض حتى لتخيل نفسه كمحترف ثوري بعيداً عن الأنا والاستعراض الفرويدي لها وانتقلت من النسق القيادي الذي يقول لجيشه اتبعني الى المعركة، الى النسق الذي ينحشر في المنتجعات السياحية والمؤتمرات ودسائس المفاوضات العبثية.

وجملة هذه التأثيرات البترودولارية كانت الممهد الأساسي لعملية التساوق مع النهج التصفوي الاستعماري للقضية الفلسطينية، ثورةً ومناضلين، بحيث أن الدور الذي لعبه مال النفط العربي باستمالة القيادة اليمينية لجانب المعسكر المهادن والرجعي الإستسلامي، بعد إبعادها كل البعد عن الدور القومي النهضوي التحرري والوحدوي كان دوراً خطيرا وليس خفياً بل لامعاً، فاستبدلت صداقة عبد الناصر والمعسكر العربي في صف المواجهة، بخلطة ساداتية هاشمية سعودية، لا منفذ لحس وطني في جنباتها، إذ أن رائحة الدولار النفطي تفوح من أكمام عبائاتهم، وهذه الزمرة الخيانية ذاتها بالترافق مع خيانية موقف قيادة منظمة التحرير هي التي افضت أن يصافح ياسر عرفات، زميله في المفاوضات باراك، والذي كان قد قتل رفاق درب عرفات دون إخفاء لذلك بل بالإعتراف الصريح بالمشاركة، فلا عجب لتدافعهم على باب قاعة المؤتمرات في كامب ديفيد، فالنتيجة للنهج الخياني معروفة، والسقوط يتبعه سقوط اكثر ذلاً إذا لم يواجه بنقد الذات وتطهيرها والعودة عن الاخطاء.

في المحصلة النهائية نتيجة هذا النهج التصفوي، قد أجهضت انتفاضة الشعب الكانونية، وعطلت مرافق ومفاصل العمل الثوري في الداخل بفعل سياسية ممنهجة لسلطة الحكم الذاتي منذ بداية نشوئها في ملاحقة أي إشارة للمقاومة تبدو لهم، إضافة إلى أن ضعف المعسكر الذي من المفترض أنه معسكر المقاومة وعدم قدرته على الدفاع عن مشروعه، ومجابهة المشروع الامريكي الصهيوني الرجعي العربي متمثلاً بإفرازات مدريد و اوسلو، أدى الى نزع فتيل الثقة بين هذا المعسكر - من عارض مدريد واوسلو من اليسار الفلسطيني - وبين الجماهير، التي التف كثير منها نتيجة الفراغ المقاوم -إن صحت التسمية- على أولى إرهاصات المد الجماهيري الحمساوي الإسلاموي، لما شكل في تلك اللحظة من جاذب للجماهير ذات الوعي الشعبي والغير متصلبة بموقف سياسي أو إيدلوجي باستثناء الموقف ضد الاستعمار الصهيوني، فكان استخدام العنف التكتيكي من قبل حماس، جاذباً لتيار واسع من التأييد الشعبي لها، وإن ثبت لاحقاً أنه بالفعل استخدام تكتيكي، اذ ما إن وطأت قدم المشايخ عتبة قصور السلطة حتى نسيت قيم العنف الثوري التي تغنوا بها لعقدين، وقدموا نهراً من دماء المقاومين استناداً للرؤية السياسية التي كانوا يطرحونها قبل تمازجهم السلطوي واقتسامهم للمعادلة مع رأس السلطة الاخر في فتح، والمستفيد الثالث من التقاسم اي الخندق الصهيوني الامريكي بامتياز.
هذا فلاش حول خارطة العمل والتقاسم الوظيفي الدركهايمي بامتياز الذي برع فيه ثالوث المراوغة السابق ذكره اعلاه، إلا أن التسمية الأكثر جذرية وعلمية هي تقاسم وتشارك المصالح وليس فقط تقاسماً وظيفياً بين البنيات الثلاث، وهنا يظهر السؤال الاستراتيجي وليس الموسمي، بمناسبة حالة الانقسام الفلسطيني - كما يطلق عليه، إذ قني لست أكيداً بمدى فلسطينية هذا الانقسام - ماذا يريد الشعب فعلاً، وماذا سيفضي أي حراك في هذه القضية مستقبلاً على الواقع الحيوي الفلسطيني والواقع الحقوقي الأخلاقي وواقع الفعل المقاوم، إذ أن التراكم التاريخي للفعل الثوري، يجب أن يتوخى نتائجاً ثورية، لنقل على الاقل تقدمية وليست رجعية.

ماذا سيضاف لرزنامة الفلسطيني إذا اجترح تاريخ جديد يعرف باليوم الذي انتهى فيه انقسام فتح وحماس على تقاسم مهزلة اوسلو ونتاجها بينهما! ماذا سيتغير، وماذا سنحصد، أو لنقل الى اين سنصل وماذا سيكون المطلب التابع له، إذا كان الشعب يريد انهاء الانقسام؟ هذا هو الشعار المطروح في الوقفات الاعتصامية في الشارع الفلسطيني، هل هذا يعني ان الشعب متفق مع طبيعة وتشكيل البنية السياسية السابقة للانقسام، وإن الاشكال المركزي يقع في الانقسام، فإذا انتهت حالة الانقسام و انتقلت حالة التوافق الضمني الحالية بين فتح وحماس إلى حالة معلن عنها ومشرعنة واصطبغوا بصبغة جسم سياسي واحد في هرمية سلطة اوسلو، فان كل الهم الفلسطيني سيزول، هل هذا ما تحتاجه الجدة المنتظرة للعودة في عين الحلوة؟ ام هذا ما ارتحل الشهداء على مر قرن من الزمن المقاوم من أجله؟ أم أن أجيال الفلسطينيين في معسكرات الاعتقال قد أدمت اياديها بالأسلاك الشائكة والاضرابات عن الطعام، في سبيل الارتكاز في كبسولة الحكم الذاتي برعاية الامبريالية العالمية والمركز الراسمالي الظل لربيبته الصهيونية المدللة؟ يبقى السؤال المحوري هو ماذا يريدون من انهاء الانقسام؟ وهل هو الشعار ذو الاولوية الذي يمكن الارتكاز عليه لبناء برنامج وطني ديمقراطي مقاوم، استراتيجياً ومرحلياً، دون أي انتهاك إيدلوجي او أخلاقي أو هل هذا هو السبيل الناظم لعلاقة التناقض مع كل ما هو نقيض في المحيط بدئاً من الاستعمار الصهيوني، إلى الرجعيات العربية التي بدأت بالتهاوي منذ اندلاع ثورة بوعزيزي العرب الكبرى؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج