الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو ثقافة عربية ديمقراطية

عبد الغفار شكر

2004 / 10 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الثقافة مركب معقد تختلف مستوياته فى العمق والأداء ودرجة التشابك والتفاعل ومن ثم فهى على قدر كبير من التنوع والتعددية تضم جوانب مسايرة للتطور وأخرى معوقة له. ينطبق ذلك على الثقافة العربية كما ينطبق على أى ثقافة أخرى، وليس صحيحاً ما يذهب اليه البعض من أن الثقافة العربية والموروث الثقافى العربى يحول دون تعمق الديمقراطية فى بنية المجتمعات العربية، فهناك فى تراثنا الثقافى قيما ورؤى ومعارف تخصن على المساواة والإيجابية والمشاركة والحرية كما توجد إلى جانبها قيم ورؤى ومعارف معاكسة مما يدعو إلى البحث عن مداخل قوية وأصيلة للتعامل مع هذه القيم والمعارف المعوقة بحيث يتم تطوير ثقافة عربية إنسانية ديمقراطية يتشكل وعى الإنسان العربى بموجبها تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان فلا تكون فى نظره نتاج ثقافة أجنبية بل نابعة من قيمنا وخبراتنا التاريخية. وفى هذا الإطار يمكن النظر إلى الثقافة السياسية العربية باعتبارها "منظومة من المعارف والقيم والرؤى والأفكار والاتجاهات الأساسية التى تتصل بالنظام السياسى، وتؤثر فعليا فى توجيه سلوك أفراد المجتمع حكاما ومحكومين". حيث نلاحظ أن الثقافة السياسية العربية السائدة حاليا تعلى من شأن قيم معاكسة للتطور الديمقراطى مثل قيم الطاعة والانضباط والولاء والتوحد مما يؤدى إلى غياب الإنسان الديمقراطى الذى هو طرف أساسى فى معادلة الديمقراطية فى أى مجتمع، والذى يتطلب تكوينه قيما أخرى مثل المشاركة، المساواة، التسامح المتبادل، روح المبادرة، استقلالية الرأى والموقف، لا شخصانية السلطة... الخ. وفى هذا الصدد تبرز أهمية القيم التى تقوم عليها ثقافة حقوق الإنسان وضرورة العمل على اشتقاقها من الثقافة العربية السائدة، خاصة وأنها، بالفعل ثمرة تفاعل الثقافات والحضارات الكبرى عبر التاريخ بما فى ذلك الثقافة العربية الإسلامية، وبالتالى فليس هناك تعارض بين عالمية حقوق الإنسان باعتبارها قيم ومثل عليا راقية مقبولة من جميع الضمائر الحية، وبين خصوصيتها متمثلة فى اشتقاقها من الثقافة العربية والابداع فى مداخل ووسائل تطبيقها وأولوياته فى مجتمعاتنا العربية.
ثقافة حقوق الإنسان التى تتأسس على المواثيق الدولية التى وقعت عليها معظم الحكومات العربية وأصبحت ملزمة لها تتضمن عشر حريات أساسية هى:
الحق فى الحياة، الحق فى الحرية، الحق فى الكرامة والحرية الشخصية، حرية الرأى والدين والتعبير، الحق فى التجمع السلمى، الحق فى التقاضى أمام محاكم مؤهلة ومستقلة ونزيهة، الحق فى المساواة وحظر كل صور التمييز، الحق فى الملكية والعمل، الحق فى التعليم والثقافة، حق كل شخص فى المشاركة فى إدارة شئون بلاده. وحول هذه الحقوق والحريات يدور نضال الأحزاب السياسية العربية ويأتى من خلاله دورها فى نشر ثقافة حقوق الإنسان، وسوف نلاحظ هنا أن القضية المركزية فى نشاط الأحزاب العربية حول ثقافة حقوق الإنسان هى قضية الحق فى المشاركة الذى نصت عليه المادة (21) من الاعلان العالى لحقوق الإنسان والتى تنص على أن ممارسة هذا الحق تتم من خلال:
1-الحق فى الاشتراك فى إدارة الشئون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً.
2-لكل شخص نفس الحق الذى لغيره فى تقلد الوظائف العامة فى البلاد.
3-إن إرادة الشعب هى مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجرى على أساس الاقتراع السرى وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أى إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.
ومن البديهى أن تمتع المواطنين بحق المشاركة فى إدارة الشئون العامة للبلاد بهذا المفهوم لا يمكن أن يتوفر ما لم تتوافر باقى الحريات العشر المشار إليها. وسوف نلاحظ هنا أنه بقدر تفهم المواطنين لهذه الحقوق والحريات، وبقدر اقتناعهم بأهميتها لتحقيق مصالحهم وتوفير ظروف أفضل لحياتهم، فإنهم سينخرطون فى النضال من اجل تحقيقها وضمان احترام جميع الأطراف حكاما ومحكومين لها. وتؤكد هذه الحقيقة أن توافر حقوق الإنسان واستقرار التطور الديمقراطى ليس رهنا فقط بإرادة الحكام بل هى مسئولية المجتمع كله وبدون اجتذاب المواطن العادى للمشاركة فى النضال من أجلها وبدون تمثله قيمها فى وعيه وسلوكه اليومى فإنها لن تتحقق بالقدر الكافى لإنهاء هذه المرحلة من تطور مجتمعاتنا العربية التى طالت أكثر مما ينبغى، مرحلة الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية. وبالتالى فإن كل ما تبذله القوى الديمقراطية العربية من جهد فى التعريف بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وثقافة حقوق الإنسان له أهميته فى الانتقال بمجتمعاتنا إلى ديمقراطية حقيقة. خاصة وأن مستقبل هذه القوى الديمقراطية نفسها متوقف على مدى قدرتها على تعبئة أوسع قوى جماهيرية ممكنة فى مواجهة القيود المفروضة على حقوقها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والانتهاكات التى تمارس ضد حرياتها الاساسية. فما هى قدرة القوى الديمقراطية فعلا على نشر ثقافة حقوق الإنسان لتحقق هذه الأهداف؟ وما مدى انتشارها فى مختلف الأقطار العربية وما تحوزه من قدرة لتحقيق ذلك؟
أساليب نشر الثقافة الديمقراطية
هناك أساليب ووسائل متعددة لنشر ثقافة حقوق الإنسان من أهمها:
1-تدريس حقوق الإنسان فى المدارس والجماعات كجزء من المناهج الدراسية، وتنظيم أنشطة عملية الطلاب المدارس والجامعات تعمق فهمهم لهذه الحقوق وتعدل سلوكياتهم بما يتمشى معها وخاصة ما يتصل منها بالتسامح والاعتراف بالآخر والمشاركة.
2-عقد دورات تثقيفية فى مواقع التجمع الجماهيرى حول حقوق الإنسان والاهتمام بصفة خاصة بأعضاء الأندية ومراكز الشباب وقصور الثقافة والجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية.
3-الاهتمام بحقوق الإنسان فى برامج التنشئة والتربية داخل هذه المؤسسات والمنظمات.
4-التعريف بحقوق الإنسان من خلال النشر فى الصحف والمجلات والكتب وفى برامج الإذاعة والتليفزيون، سواء بتناول قضايا حقوق الإنسان مباشرة أو بمناقشة مشكلات نابعة من انتهاكها أو التعريف بأهميتها للمجتمع.
5-كما يتم نشر ثقافة حقوق الإنسان أيضاً من خلال النضال العمالى ضد الانتهاكات أو مظاهر عدم احترامها، وتشهد المعارك النضالية حول حقوق الإنسان حوارات ومساجلات تطرح فيها الآراء وتعرض الحقائق وتقدم الأدلة والبراهين حول ضرورتها وحول مرجعيتها وحول أهم بنودها، ومن خلال ذلك يتفهم المواطنون هذه القضايا ويتعمق وعيهم بحقوق الإنسان ويزداد اقتناعهم بضرورتها للمجتمع ككل ولكل مواطن فيه.
تتحمل مسئولية نشر الثقافية الديمقراطية دائرة واسعة من المنظمات والمؤسسات الديمقراطية فى مقدمتها الأحزاب السياسية والروابط الثقافية والمنظمات النقابية العمالية والمهنية والمنظمات الجماهيرية الشبابية والنسائية وكذلك الجمعيات الأهلية وأجهزة الاعلام. وبإمكان هذه القوى الديمقراطية أن تساهم بالفعل فى نشر ثقافة حقوق الإنسان بالوسائل التى أشرنا إليها من قبل. ويتطلب ذلك تهيئة المناخ السياسى والقانونى الذى يساعد على تحقيق هذا الهدف بالتركيز على تعديل القوانين المنظمة للانتخابات العامة ومباشرة الحقوق السياسية، وقوانين المطبوعات والصحافة والنشر والقوانين المنظمة لإنشاء الأحزاب السياسية وممارستها لنشاطها، والاستفادة من الحملات الانتخابية لتوعية المواطنين بالثقافة الديمقراطية وقيمها الأساسية، والتوسع فى تأسيس مراكز حقوق الإنسان، والالتزام فى السلوك العملى بالقيم الأساسية الثقافية الديمقراطية فى نشاط المؤسسات الجماهيرية والقوى الديمقراطية وفى الحياة الداخلية للمنظمات الجماهيرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا