الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات العربية ومستقبل الديمقراطية ..

فواز فرحان

2011 / 3 / 28
العولمة وتطورات العالم المعاصر


عندما إندلعت الإنتفاضة العراقية في مثل هذا الشهر من عام 1991 إهتزت معظم العروش العربية في حينها وهبّت لمساعدة طاغية العراق من أجل أن لا تنتقل عدوى التغيير الى بلدانهم ، أكثر من ثلاثة عشر محافظة عراقية سقطت وخرجت من سلطة البعث الفاشية القذرة في حينها لكن حتى ألّد أعداء صدام وقفوا ضمنياً معهُ ضد إرادة الشعب العراقي التواقة للحرية والتغيير ..
ولا أرى أي وجه للمقارنة بين إنتفاضة آذار العراقية الياسلة مع نظيراتها التي حدثت في عالمنا العربي بعد عقدين من الزمن ، لأن العوامل الدولية في حينها والكثير من الوقائع السياسية الدولية وقفت ضد إرادة هذا الشعب في التغيير وأدت الى نهاية كارثية أودت بحياة أكثر من ثلاثمة الف من سكان العراق دون أن يرف جفن لدعاة الحرية وحقوق الإنسان في حينها ، ما الذي حدث حتى تغيّر العالم بهذا الشكل ؟
كلنا نعلم أن نظامي البعث في سوريا والعراق هما نتاج الحقبة السوفيتية وتأثيراتها على المنطقة في ذلك الحين وفرضت الحالة الجيوسياسية وجودهما في رأس السلطة في البلدين كما كان يدعي عواجيز السياسة السوفيتية ، ولهذا كان هناك توافقاً أميركياً سوفيتياً على وجودهما وكانت حقوق الشعبين في الحرية والحياة الكريمة مؤجلة وموضوعة على رف الى حين !! العرب صمتوا وغضوا النظر عن ضحايا المجازر البشرية التي إرتكبها صدام ضد شعبهِ لأن الضحايا كانوا من الشيعة والأكراد ، وتمكنوا من التأثير في حلفائهم كي لا يتحركوا للإطاحة بصدام في ذلك الحين ومكث أكثر من عقداً من الزمن ينتظر نهايتهِ وتمكن من تحويل البعث الى حزب إسلامي متطرّف من خلال نشرهِ للحملة الايمانية السيئة الصيت ومن خلال تحويل جهاز مخابراتهِ الى عناصر إسلامية متطرفة تعبث في العراق بعد رحيلهِ وتتمكن من قهر المجتمع بالارهاب والقتل والإختطاف ..
إنقلب هذا السحر على القادة العرب وراحوا يتساقطوا كقطع الدومينو بدءاً من تونس التي يستحق شعبها الإجلال والإحترام ، فهذا الشعب أنهى ثورته بطريقة حضارية وصلت الى نهايتها مع رحيل رأس النظام وحزبهِ فيما بعد ، وإذا كان هناك من سبب وقف خلف هذا النجاح فالفضل يعود لوعي الشعب بمطالبهِ وكذلك للنظام التعليمي الذي وضعهُ بورقيبه والذي قاد المجتمع التونسي الى ما هو عليه من حضارة وعلم سبق كل البلدان العربية في هذا المجال ، أما في مصر فالحالة مختلفة تماماً فليس النظام التعليمي هو من وقف خلف إصرار الشعب على إنهاء نظام متعفن ، بل إصرار النظام على البقاء والإعتماد على البلطجية واللصوص في قمع الثورة وكذلك عبّر النظام عن نفسهِ بشكل واضح من خلال طريقة تعاملهِ مع شعبهِ ليثبت مبارك لكل متتبع في العالم أنه لم يكن أكثر من رئيس عصابة تحكمت بأكبر بلد عربي طوال ثلاثة عقود ، مع ذلك لم تفلح الثورة المصرية في إجتثاث كل عناصر مبارك ففي المؤسسة العسكرية لا يزال هناك من يتحكم بمستقبل مصر وديمقراطيتها ، وهي على كل حال غير واضحة المعالم حتى هذهِ اللحظة !!
وفي اليمن لا يزال نظام علي عبدالله صالح يقاوم السقوط بدعم واضح من واشنطن بعد ان كان هذا النظام الى أمد قريب محسوب على روسيا التي ورثت السياسية السوفيتية وملفاتها في المنطقة ، وحتى لو تشظى اليمن الى أكثر من دولة فمصير هذا الطاغية هو السقوط مهما فعل ، وفي ليبيا لم يكن أحد يتوقع غير ما تصرّف عليه المعتوه معمر القذافي فمصيره حالك السواد وسيدفع ثمن غباءهِ السياسي عاجلاً أم آجلاً ، هذا النوع من البشر لا يهمه مصير شعبه بقدر ما يهمه كرسي الحكم وفي أفضل الأحوال لا يستحق إلاّ مصير شقيقهِ في الإجرام والجهل صدام حسين ..!
هناك أصوات عديدة في العلمين العربي والغربي تقول أن هذهِ الشعوب غير مهيّئة للديمقراطية !!
هذا الرأي يعبّر عن قصر نظر للموضوع المهم أن تتجه هذهِ الشعوب لإرتقاء سلّم الديمقراطية بدءاً من أول درجة وحينها ستتعلم من خلال أخطاءها حرية التعبير والإعتراف بالآخر وبالتدريج وستتعلم إختيار قادتها من خلال مهنيتهم ومن خلال أهليتهم لإرتقاء منصب معين ، يكون فيها خاضعاً للمراقبة والمحاسبة لا كما هو عليه الحال الآن محسوب على النظام ومحسوب على الله وممنوع الإقتراب منه أو محاسبتهِ !!!
وفي سوريا هناك شعب أصبح مثقفاً أكثر بكثير من السلطة ورجالاتها وأصبح الشعب يكره إسم البعث كما يكره القاعدة واسامة بن لادن وكما يكره الإزدواجية الغربية في التعامل مع قضايا المنطقة ، هذا الشعب أصبح لا يطيق العيش مع نظام عفا عليه الزمن ولا يزال يمارس سلطة مخابراتية عليه ، وأصبحت المطالب الشعبية بدولة مدنية ديمقراطية حديثة هو المطلب الجامع للشعب السوري سواء بقي بشار الاسد في الحكم أم لا ! المهم أن الشعب لم يعد يطيق إعتماد البعث على الولاء قبل الكفاءة وجر الفئات المتخلفة الى المناصب الحساسة في الدولة …
رؤوس الفساد متشعبة في سوريا بدءاً من أسرة بشار الأسد التي تتصور في سوريا ملكية إقطاعية تابعة لها ومروراً بقادة البعث الكبار الذين إستولوا على ثروات ليست من حقهم وأصبحوا سدّاً منيعاً أمام أي تغيير نحو الديمقراطية والدولة المدنية في سوريا بسبب خوفهم من المصير الذي ينتظرهم وينتظر ثرواتهم وعوائلهم وهم من سيكونوا السبب الأقرب للإطاحة بحكم الأسد إن لم يسارع الى حل هذا الحزب الذي هو عبارة عن عصابة ولا يمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد لأي قيمة سياسية أو أدبية أو أخلاقية ، في الدولتين كان البعث خير مثال للفكر الطائفي العنصري البغيض وكان أبعد ما يكون عن كل قيمة كان يدعي الدفاع عنها …!
شئ آخر ربما أفرزتهُ الثورات في عالمنا العربي اليوم هو فئة فلول الأنظمة ، هذهِ الفئة هي من المطبلين للأنظمة من المنتفعين والذين يعيشون على بيع ضمائرهم للحاكم على حساب حرية وكرامة شعبهم ولقيت هذهِ الفئة نفوراً عبر الفضائيات لأنها أصبحت مكشوفة تعتاش على فتات الموائد لأنظمة الحكم الإستبدادية وهم رافعوا شعارات ( بالروح بالدم .. نفديك يامبارك ) و( الله .. ومعمر .. وليبيا وبس ) و( الله وبشار .. وسوريا ) وهي منتشرة في كل بلد عربي وخاصة في العراق حيث لم تفعل سوى البكاء على ولي نعمتها صدام لحظة إعدامه ..!!
ومن غرائب الأقدار أن يسبق العراق جميع هذهِ الدول في الديمقراطية بعد سقوط الدكتاتورية وربما سيكون له الدور الأكبر مستقبلاً في صياغة القرار العربي عبر جامعته العربية ، المهم أن هذهِ البلدان اليوم بحاجة الى أنظمة أكثر تعبيراً عن مشاكلها الإجتماعية وتعمل على تذليلها وإزالتها وتوفير قدر من العيش الحر الكريم لهذهِ الشعوب ..
ولن تتوقف عجلة التغيير في تقديري على هذهِ الأنظمة بل ستطال الخليج ومشايخهِ قريباً ، فسعر النفط سيتحكم في استقرار هذه الانظمة من عدمه ، وسيحدث هذا التضارب في المستقبل القريب بين روسيا والولايات المتحدة وسينعكس ذلك على الخليج فروسيا لا تريد ان يقل سعر البرميل تحت أي ظرف عن ال 80 دولاراً للبرميل لكن ذلك لا يوافق تطلعات الغرب والولايات المتحدة وستتمكن روسيا من تحريك الشيعة في السعودية وجرها الى الفوضى قبل إعادتها على ما كانت عليه من مملكتين لنجد والحجاز وكذلك بنفس السرعة التي تشكلت بها الإمارات ستنتهي الى ثلاث او اربع ممالك او امارات ، ونفس الشئ سينطبق على سلطنة قابوس ، ومشيخة قطر التي تحاول ان تأخذ دور الاتحاد السوفيتي على الساحة الدولية ..!!!
وقبل أن تكتمل مسيرة هذهِ الثورات سيكون من الصعب القول أنها ظفرت جميعها بمطالبها ، لأن عملية البناء لمؤسسات الدولة الديمقراطية يمر عبر مراحل طويلة لا بد للبلدان العربية من تجاوزها في مقدمتها بناء الإنسان المؤهل لممارسة هذا النوع من الحقوق ، بناء ممارسة طويلة لإحترام حق الإنسان في الحياة ومراعات جوانب مهمة في بناء المجتمع من خلالهِ ، في اوربا قبل عقود طويلة علموا موظفوهم ورجال الأمن والشرطة على طريقة طريفة في ممارسة الديمقراطية مع الشعب واحترام المواطن من خلال تعليمهم على أن يتعاملوا مع المواطن على أساسين مهميّن وهما عامل المواطن على أنهُ مريض أو جاهل !!
طريقة جميلة فليس من الأخلاق الإعتداء على رجل او سيدة مريض أو مريضة من قِبل رجال الشرطة والأمن ، وليس من الأخلاق معاندة الجاهل او الإعتداء عليه بل تنويرهِ بحقوقهِ وواجباتهِ ، ومفردة الجاهل هنا لا تعني المعنى السلبي المجازي للكلمة بل تعني الجهل بالقوانين المفروضة سواء أكانت قديمة أو حديثة التطبيق ، وكذلك الحال مع مفردة المريض فكل مواطن في المجتمع هو مريض فعلاً بهموم تثقل كاهله ، ففرصة العمل والتأمين الصحي وفواتير الضريبة والماء والكهرباء والتعليم كلها هموم تثقل كاهل اي مواطن بأمراض كثيرة في عقلهِ وعواطفه ، ومن هذه النقطة انطلق الغرب في بناء ديمقراطيته الرصينة ولا يزال أغلب الموظفين ـ ات يعملون او يعملن من هذا المنطلق في التعامل مع المراجع لدوائر ومؤسسات الدولة ولا يحق بأي شكل من الأشكل للموظف التجاوز وربما هو نفسهُ تشبع بهذه الاخلاق حتى اصبح لا يقبل على نفسه التجاوز على المواطن تحت اية ذريعة ..
فلتتعامل الحكومات الجديدة في الدول العربية الحديثة العهد بالديمقراطية مع مواطنيها على هذين الأساسين( جاهل أو مريض ) وحينها سيتعلم الموظف العربي تدريجياً التحلي بضمير حي لممارسة مهنتهِ وسلطتهِ على الشعب ..
فالمواطن العربي جاهل فعلاً بالقوانين التي ستفرزها الحقبة الجديدة ، وهو مريض فعلاً بالفقر والجهل والعوز والكثير من الآفات التي تركتها الأنظمة القمعية في نفسهِ وفي مشاعرهِ ، فممارسة الديمقراطية حضارة لا يتشبع بها الإنسان في غفلة عين بل تحتاج الى جهود تبذل وموارد تصرف ومؤسسات مجتمع مدني متحضرة تنشر هذا النوع من الممارسات وتعمل على تعميق وعي الشعوب بها من خلال الجهود المكثفة لكوادرها ليل نهار ..
في الظروف الطبيعية جداً تكون ثمرة التخطيط سليمة وتقود الى نتائج باهرة أما في حالة بقاء المجتمع في دائرة مغلقة ترفض التأقلم مع الواقع وترفض الآخر فستكون النتائج وخيمة وستعود بالمجتمع الى نقطة الصفر في عملية التغيير …
الديمقراطية في العالم العربي أمام إمتحان من نوع كبير سيعبّر عن وعي شعوبها ودرجة نضجهِ فطالما إنطلقت عجلة التغيير الى الأمام فأعتقد أنها لن تتوقف ولن تسمح لا للعسكر ولا للخارج بالتدخل لتغيير دفة التغيير وربما سيكون امامنا الانتظار حتى تتوضح درجة الوعي التي نتحدث عنها …








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو