الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجوم السلفى على الفكرة العلمانية فى مصروتونس

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 3 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الموجة السلفية الجديدة والمعادية للتمكين للأفكارالعلمانية و المدنية فى كل من مصروتونس تستوجب النظر والتأمل .

فعقب النجاح فى أنجاز الثورة تقدمت القوى الدينية فى هذيين البلدين لتحتلا صادرة المشهد السياسى والإجتماعى , وحيث سارعت لأدانة التيار العلمانى الداعى لفكرة الدولة المدنية والحقوقية الحديثة عبرتصريحات عديدة لرموزها, وفى ممارسات تجلت فى منشورات وخطب ومحاضرات وعمليات حشد وتعبئة لتشويه العلمانية والإيحاء بخطورتها وتنمية مخاوف الجمهور العام منها .

الهدف من وراء هذا الهجوم - فى هذه المرحلة الفارقة من تطور حياة السياسية والمجتمع بمصر وتونس - هو أثبات الحضور وبناء سلطة رمزية بين الجمهور الغائب عن المحمولات السياسية و الإجتماعية والأخلاقية للفكرة العلمانية . وبما يشكل ضغطآ معنويآ على قوى التغييرالثورى التى تتطلع لبناء دولة القانون والحق الوضعى .

ويروج التيارالسلفى فى هذا الإطار لفكرة ساذجة مفادها أن العلمانية مجرد مرادف للإلحاد ومعارضة للإيمان الدينى , وأن المجتمعات الإسلامية لا علاقة لها بالفكرة لأنها كانت ترجمة لصراع أوروبى خالص بين سلطان الكنيسة وبين السلطة الزمنية الإقطاعية ,

هذا الإتجاه يعتمد على وعى سائد بين قطاعات أجتماعية واسعة يذهب إلى أن نهضة المسلمين مرهونة بشروط الإلتزام بأحكام الدين ومنظومة التشريعة التى تمتلك حلولآ كلية وشاملة لمشكلات الإنسان والحياة , وأن جهود البشر الوضعية تبقى " قاصرة وعاجزة " عن بلوغ هدف الرقى المادى والتقدم الحضارى .

تفنيد هذا التصور يمرعبر الإعتراف بواقعة أن غياب " الهيئة الإسلامية " الموازية للمؤسسة الكنسية البابوية لا يدحض القرائن التاريخية الدالة على توافر ( سلطة دينية ) كانت تمتلك الكلمة العليا فى تفاصيل شئون الحكم والدنيا داخل انظمة الحكم التى كانت منسوبة للإسلام ولتطبيق الشريعة .

فجوهر الشكل السياسى ( للخلافة , والسلطنة , والأمارة ) كان يجمع بين المؤسستين الدينية والزمنية ويدعم علاقات التداخل والإرتباط بينهما وبصورة لا تبتعد كثيرآ عن مضمون الكهنوت الكاثوليكى الحاكم والمسيطر فى العصر الوسيط .

انسحاب الدولة عن أدارة السلطة الوقتية فى الغرب حدث كتطور تاريخى وعلى خلفية انهيار النظام الإقطاعي والذى لعبت الكنيسة دورآ محوريآ فى صياغة هيمنته على حياة السياسة والمجتمع .

ومع بزوغ التشكيلة الإجتماعية والإقتصادية الرأسمالية , وجديد قوى السوق وعلاقات الإنتاج لم تعد هناك حاجة للنفوذ الكنسى ولشرعية لاهوتية تبرر الطابع القسرى لعملية العمل وظروف الإستغلال وأستخلاص فائض الفائض .

ولكن فى الواقع العربى الإسلامى كان الوضع مختلفآ أذ لم فأن تتوافر تاريخيآ الشروط الموضوعية اللازمة لتنحية السلطان الدينى عن تنظيم العلاقات الدهرية وتمايز معايير الفضاء المدنى الحقوقى عن الفضاء الدينى والتشريعى .

ففى وقت تبنت فيه الأنساق القانونية الأوروبية قيم ( العقل والضمير و القانون الوضعى ) كمستويات نهائية لقبول أو رفض الممارسة القانونية ومرت بتجديدات وتحولات جذرية خلقت نظامآ جديدآ للدولة والبشر والأشياء .

فأن الفكر الدينى والقانونى الإسلامى جنح نحو أفكار ( النقل عن السلف ومبدأ الإجتماع ومصادرة الإجتهاد ) , وحيث جمد الوعى حول القوى الإستدلالية والمعرفية للإنسان وباعتبارها ( محدودة وظنية وقاصرة ) , وأن العقل لا يمكن على أن يصبح مرشدآ للإنسان فى الأمور القانونية والدينية والأخلاقية .

ومما لا شك فيه أن عملية أخضاع الهيكل القانونى للإستدلال الدينى / الشرعى أعاق الإجراءات والحلول التقدمية للقانون الوضعى داخل نظام المجتمع والإقتصاد العربى , والذى ظل أسيرآ لطور وعلاقات الإنتاج الشرقى العتيد ورحم روابطه الأولية ومرحلة ما قبل بناء الأمة والدولة الحديثة .

فضلآ عن أن الضعف البنيوى للبرجوازيات العربية , وعدم أكتمال قواعدها ساهم فى ضمور القدرة على فرض أفكار ومبادىء العقلانية و النقدية فى سياق الحياة الساسية والإجتماعية العربية .

لقد كان أمتياز العلمانية الأكبر هو تأكيد مبدأ حياد الدولة تجاه المنظومات العقائدية للبشر , وترك المجالات العامة كى يحكمها الإبداع القانونى والسياسى الإنسانى الذى يحترم توازنات الواقع وصيرورته القابلة للتغيير عبر الجدل الحر و والتنافس و الصراع الإجتماعى .

يكفى للرد على هؤلاء الذين يكفرون العلمانية أن بعض أهم قادة وكوادر الحركة السلفية يعيشون فى كنف دول علمانية أوروبية ويتمتعون ببيئتها القانونية التى تمنحهم حقوق الإقامة واللجوء السياسى وحرية الرأى والتعبير وعدم التسلسم لدولهم لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدهم .

هذا المثال الغربى هو نتاج لأحترام الوجود السياسى والحقوقى " للفرد " أيا كانت معتقداته الدينية والأخلاقية والتى صاغ الموقف العلمانى أزاء الدين خطوطها وأقانيمها الكبرى فى : العقل والحرية ومركزية الإنسان فى هذا الكون .

أما الأنظمة التى تتدثر بعباءة الإسلام و كلمة الدين فكانت ومازالت فتمارس انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان وحرياته وأوجه من القمع المادى والمعنوى فى مواجهته , وتقدم صورة قاتمة للجماعة البشرية حين يسيطرالعقل الدينى الأصولى على توجيه مناحى السياسة والمجتمع .

ثمة حاجة لمواجهة الإنتاج الدينى المتصاعد ضد الفكرة العلمانية فى مرحلة ما بعد الثورة فى مصر وتونس وعبر ربط المطالب الإجتماعية والإقتصادية الملحة للجمهور العام بمبادىء الدولة الحقوقية العلمانية وكسند رئيسى لهندسة دستورية وقانونية وسياسية ومؤسسية تقدر أفكار المواطنة والديموقراطية و حقوق الإنسان .

مع واجب الإعتراف بأن خطاب التبشير بالعلمانية يعانى صعوبة اللحظة التاريخية الراهنة وصراع الواقع والمجال العام الذى يتأسلم اجتماعيآ ورمزيآ وطقوسيآ – فى كل مصروتونس منذ عدة عقود .

ثمة تاريخ طويل من الكفاح والتضحيات ينتظر التمكين للفكرة العلمانية وتمريرها فى سياق الواقع العربى . وعلى قوى التنوير أن تصيغ للجمهور( البديل / السياسى والحزبى والحقوقى العلمانى ) المناسب له, وكملاذ أخير لكفالة حقوقه والحفاظ على حرياته فى مرحلة بناء المجتمع الجديد فى كلا البلدين .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلمانية في تركيا
فؤاد محمد ( 2011 / 3 / 29 - 17:32 )
السيدعماد تحيةوسلام
وهذه تركيا وهي افضل مثال على ضرورة العلمانية في الحكم وابعاد الدين عن السلطه والسياسة وضمان حقوق الجميع وابعاد الدين على ان يستغل لصالح الحكام
مودتي واحترامي


2 - تحية لقلمك
مكارم ابراهيم ( 2011 / 3 / 29 - 21:53 )
الصديق العزيز والزميل عماد شكرا على المقالة هذه في الواقع ان الاحزاب التي تدعو للعلمانية لم تستطيع ان تاخذ مكانتها وتتوسع في العالم العربي الذي هو اسلامي بشكل عام بسبب الاضطهاد الذي مورس بحق اعضائه وتهميش الحزب وتشويه افكاره على مدى عقود طويلة كربط العلمانية دوما بفكرة الالحاد المنافي للاسلام ودون ربطه باحترام حرية الافراد في العقيدة والتسامح بين المختلفين الذي هو نقطة اساسيةايجابية في الاسلام اي تم التركيز على الجانب السلبي منه مايضاد للاسلام ولم يتم التركيز على الجانب الايجابي منه مايرفع من معايير الاسلام الايجابية كالتسامح مع الاخرين ولو حدث هذا لاخذت العلمانية شعبية كبيرة بين المسلمين ولكن تم تشويه صورته دوما من قبل الكثيرين ومن جهات عديدة من اجل التحكم بالشعب واقمعه باسم الدين المهم الطريق طويلة لاعطاء العلمانية الصورة التي تمثل جانب اساسي من جوهر الاسلام
خالص الاحترام والتقدير
مكارم

اخر الافلام

.. حادث مفاجئ جعله رئيساً مؤقتاً لإيران.. من هو محمد مخبر؟ | ال


.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني في تبريز| الأخبار




.. نتانياهو -يرفض باشمئزاز- طلب مدعي الجنائية الدولية إصدار مذك


.. مقتل الرئيس الإيراني: هل تتغيّر علاقات طهران بدول الخليج وال




.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس -إبادة جماعية- نحن نرفض ذلك