الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صرخة جوع /قصة قصيرة

نعمة ياسين عكظ

2011 / 3 / 29
الادب والفن


صرخة جوع
الى الشهيد التونسي محمد بوعزيزي

اوقف عربته المحملة بانواع الخضار في المكان الذي اعتاد الوقوف به كل يوم منذ عدة سنوات حيث يكون باستطاعته الهرب من رجال الشرطة والعودة الى نفس المكان بعد مغادرتهم . اليوم جاء مبكرا بعض الوقت على امل ان يزيد من مبيعاته هذا اليوم ليستطيع شراء القميص الذي طلبته ابنته بعد ان بلي الذي ترتديه للمدرسة , وما زال الباعة الذين يمارسون العمل نفسه يتوافدون الواحد تلو الاخر . لم يتبين مقدار ارتفاع عمود الشمس التي حجبتها غيوم كثيفة تنذر بمطر قوي لتزرع الخوف في نفسه من ان لايستطع بيع البضاعة وبالتالي فكيف له ان يبر بوعده ويشتري قميص ابنته ... كان يراقب الشارع الممتد على يمينه وشماله وهو جالس على علبة من الصفيح الفارغة جنب عربته.... حركة المتسوقين ليست قليلة ولكنها اقل من الايام المعتادة مما بعث في نفسه نوعا من الطمأنينة وازال الخوف من قلبه كونه لا يستطيع شراء القميص بسبب رداءة الجو ....تذكر ايام شبابه واحلامه وآماله التي لم يتحقق منها الا امنيتين فقط اولهما حصوله على الشهادة الجامعية التي لم يحصل منها غير الاسم فقط ومازالت معلقة في غرفة منامه منذ سنين أي انه حلم ولد ميتا. والثاني هو زواجه من فتاة احلامه التي تعلق بها منذ دراسته الثانوية ليقترن بها بعد تخرجه مباشرة دون ان يعلم ان هذا الزواج سيجره الى متاعب تتزايد بمرور الايام . بعد ان رزق بولده البكر رزق ببنت بعد ذلك بسنتين وقد قررا ان يكتفيا بهؤلاء الاثنين رغم رغبته وحبه للاطفال لانه بالكاد يستطيع تامين معيشتهما .... قطع تفكيره تحيات زملاءه ومجاوريه في العمل فرفع بصره نحوهم لرد التحية فتراءت له من بعيد في الشوارع المجاورة العمارات العالية والفنادق الفخمة وكانه يراها لاول مرة . انه يعرف اغلب مالكي هذه العمارات ويستطيع معرفة حصولهم على هذه الاموال تذكر القول المأثور (ما من نعمة موفورة الا وبجانبها حق مضيع). قال لنفسه لو لم يسلب حقي من قبل هؤلاء لاستطعت ان انقذ ابني من الموت. عندها انحدرت على خديه دمعة حارة احرقت خديه وهو يتذكر كلام اخرطبيب بانه يستوجب اجراء عملية جراحية وخيره بين ان يجريها في مشفى حكومي او اهلي بعد مراجعات لاطباء كثر اخرين باع عندها كل ما يمتلك حتى خاتم زواجه.كان الخيار صعب فالمشفى الحكومي عليه ان ينتظر اشهر عديدة حتى ياتيه الدور وفي الاهلي عليه ان يدفع مبلغا كبيرا لايمكنه الحصول عليه . ولذلك اجبر على الخيار الاول وكانت النتيجة انه مات قبل شهر من الموعد. الالم الشديد الذي احس به والحزن على وجه زوجته وكانه هو المذنب بكل هذه العملية جعلة يقضي الوقت بعد انتهاء عمله في الجامع القريب حيث يستمع الى الحديث اليومي لامام الجامع الذي اكد في احد الايام على ان الاغنياء لهم الدنيا والاخرة عاقبة الفقراء وما عليهم الا الصبر وكان يعرف ان المتحدث ما هو الا احد هؤلاء. سأل نفسه لماذا يعطيني الاخرة ويقبل هو في الدنيا ايعقل هذا؟. عندها ترك الجامع ولم يدخلة مرة اخرى. كل هذه الصور ارتسمت امامه وكانها تحدث توا .افاق على صوت تحيات من مجموعة من رفاقه قال لهم بعد ان رد التحية اسمعتم بقول الامام علي (ما من نعمة ......) ؟اتدرون ماهو الحق المضيع؟ وجاب هو . انه جهد الفقراء. الاغنياء يتنعمون بالدنيا ويخدرونا بالاخرة . ان حقوقنا عند اولاءك واشار بيده نحو العمارات. انهم لصوص يسرقون حقوقنا بمختلف الطرق والاساليب. أتدرون من يحميهم ويسندهم؟. انها السلطة الحكومية فهم لصوص كذلك وانهم يتقاسمون السرقات .... انفض من حوله الجميع بعد ان اشار له احدهم ان يسكت فللجدران اذان .
كان انغماسه بالذكريات والحديث مع الباعة قد ضيع عليه فرصة مشاهدة الشرطة الذين وصولوا الى عربته قبل ان يستطيع الهرب بها وبدأوا بتحميل صناديق الخضر في الشاحنة التي ترافقهم. اصابه الذهول وهو يراقبهم يفعلون ذلك دون ان يبد أي حراك... تجمع الناس لرؤية ما يحدث . مَثُل امامه ابنه الذي فقده بسبب الفقر ودموع امه وابنته التي تنتظر القميص وهو يخذلها ويدخل البيت فارغ اليدين وهو الان يتخيل احد هؤلاء اللصوص يهديها ملابس فاخرة ويسحبها ليمارس معها الفاحشة .... أحس بارض الشارع تهتز تحت اقدامه والارض تدور به فأرتسمت غشاوة على عينية فلا يكاد يرى أي من الواقفين حوله العمارات تنقلب الاصوات تدخل اذنه كانها طنين نحل .... مد يده المرتجفة وأخرج علبة كبريت ومرر عودا منها على ظهرها ورماها على ملابسه المشبعة بالزيوت والاوساخ وقد احرقتها الشمس أشتعلت سريعا على كل جسده وهو يصيح لصوص ...لصوص... لصو ...وأختلطت كلماته مع صرخات الوجع والالم. أنتشر الهلع على الجموع وحاولوا اطفاء النيران دون جدوى فيما إزداد الخوف عند الشرطة وإصفرت وجوههم وتأهبوا للهرب لكن الجماهير الغاضبة التي تجمعت على رائحة اللحم المحترق نزعت الخوف المزروع فيهم طيلة عقود من الزمن وصاحوا بصوت واحد لصوص, ضلمة , مجرمون. هتف احدهم ثوروا فسوف لا تفقدون شيئا الى فقركم. ولاحقوا الشرطة وإزدادت الجموع وهي تسير نحو مركز الحاكم وسط المدينة فيما ضاعت اصوات الرصاص الذي يطلق عليهم من حراس المبنى وسط صيحاتهم وهتافاتهم وعيونهم اعماها الغضب عن رؤية الاجساد التي تسقط وبموجة واحدة دخلوا المبنى فتفاجئوا بان الحراس ما هم الى فزاعات طينية تكسرت عند اول لمسة لها وليجدوا داخل البناية خال من الاشخاص حيث هرب الحاكم وجماعته الى مكان مجهول.


نعمة ياسين عكظ
شباط 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل