الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من فرط ما حاصرنا الشك نسينا لذة اليقين

محمد سعيد الصگار

2011 / 3 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تأخذ الحقيقة مدارها رغم العثرات والكوابح التي‮ ‬تعرقل مسيرتها،‮ ‬وهي‮ ‬كثيرة ومتنوعة؛ ولكن أكثرها شراسة هو محاولة نعطيل العقل في‮ ‬تفسير الظواهر،‮ ‬والوقوف في‮ ‬دائرة الحق،‮ ‬حيث تترنح الحقيقة بين الشك واليقين؛ و‮ ‬غالبا ما‮ ‬يكون الشك أرجح‮.‬

أنا،‮ ‬كعراقي،‮ ‬ساقط بين طرفي‮ ‬المعادلة؛ الشك واليقين،‮ ‬بسبب شراسة الضغط على عقلي‮ ‬لكي‮ ‬يقبل بما‮ ‬يراد له أن‮ ‬يقبل‮.‬

يراد لعقلي،‮ ‬ولعقول أمثالي‮ ‬أن‮ ‬يصدقوا أن الحكومة الحكيمة قد تعبت من البحث‮ ‬عمن‮ ‬يليق بتسنم الوزارات الأمنية،‮ ‬بعد بحث حثيث،‮ ‬وتدقيق دقيق،‮ ‬ودوخة رأس في‮ ‬ملفات عشرين مليون شخص في‮ ‬العراق الجديد،‮ ‬وصولا إلى ثلاثة أشخاص فقط جديرين بهذه المناصب‮.‬
ومع علمنا البسيط بدواخل الأمور وملابسات الحياة السياسية،‮ ‬والتواطآت والمداهنات والمجاملات وتفضيل الخد على العين،‮ ‬نتساءل‮:‬

أليس في‮ ‬هذا إهانة لهذه الملايين الصابرة والمصدقة بوعود المنتفعين الممسكين بزمام الأمور؟
أليس فيه‮ ‬تعطيلا للعقول،‮ ‬واستخفافا بها؟
أليس فيه عدوانا على الحقيقة؟
ألا‮ ‬يستحق المساءلة والحساب؟
هذا اللعب بأعصاب الناس ومصائرهم الذي‮ ‬جاء به المنتفعون بمركب المحاصصة التي‮ ‬ابتدعوها‮ ‬يعطل العقل،‮ ‬ويموه الحقيقة،‮ ‬ويربك سياق الحياة السوية لعشرين مليون إنسان،‮ ‬ويريدوننا أن نصدقه ونقبل به،‮ ‬بل وندعو إليه‮.‬
كيف نصدقه؟ وكيف نقبل به؟ ولنا عقول تقول‮:‬
خل عقلي‮ ‬يا مسـفهه إن عقلي‮ ‬لسـت اتهــمه
للفتى عقل‮ ‬يعيش به حيث تهدي‮ ‬ساقه قدمه
وأقدامنا التي‮ ‬تدربت على طرق الحقيقة الوعرة،‮ ‬وكشفت محاسنها ومساوئها،‮ ‬وحملت ما حملت من العناء والأوجاع،‮ ‬وهي‮ ‬لم تتعب بعد،‮ ‬تسألنا الآن‮:‬
‮ ‬أما آن لهؤلاء الباحثين في‮ ‬ظلمات الملايين من العراقيين عن ثلاثة أشخاص فقط،‮ ‬تتعطل الحياة من أجلهم،‮ ‬وتتوالى الشهور في‮ ‬انتظارهم،‮ ‬بلا أمل،‮ ‬أن‮ ‬يسأموا أو‮ ‬يتحرجوا من التلاعب بعقول الناس؟‮!‬

أتمر علينا كل هذه الشهور ونحن نبحث بالإبرة،‮ ‬وبلا كهرباء‮ ‬عن هذا الكنز المخبوء في‮ ‬أكداس الهشيم من وعود زعمائنا؟
هل‮ ‬يكون لمن‮ ‬يستخف بعقول عشرين مليون إنسان،‮ ‬من أجل ثلاثة أشخاص،‮ ‬أن‮ ‬يدير هموم أمة،‮ ‬وأن‮ ‬يكون قيما على حياة أبنائها ومصائرهم؟

تعالوا لنقرأ معا هذا الخبر المنشور في‮ (‬المدى‮) ‬يوم‮ ‬2011‭/‬3‭/‬23‮:‬
‮« ‬قالت مصادر سياسية مطلعة إن التنبؤات والأسماء التي‮ ‬تطرح في‮ ‬الإعلام عن الاتفاق حول شخصيات لشغل الوزارات الأمنية بعيدة عن الواقع السياسي،‮ ‬موضحة أن التفاوض في‮ ‬هذا الملف لا زال قائما ومحل نقاش بين الكتل السياسية ».‬

عظيم‮ !‬
‮ ‬فقد كان عدد من قرأ هذا الخبر‮ ‬61‮ ‬قارئا فقط‮ !‬

هنا دلالة‮ ‬غير ملفتة لنظر السياسيين وكتلهم،كون عدد قراء الموضوع الذي‮ ‬اقتطعنا شيئا منه آعلاه،‮ ‬كان حتى‮ ‬يوم‮ (‬2011‭/‬3‭/‬23‮) ‬61‮ ‬قراءة فقط؛ وهو عدد فقير جدا‮ ‬يوحي‮ ‬بعدم اهتمام الناس بالموضوع أصلا؛‮ ‬61‮ ‬قارئا من بين عشرين مليون قارئ عراقي‮ ‬وعراقية‮ !‬
طبعا،‮ ‬ليس رأي‮ ‬الناس واهتمامهم ذا قيمة عند أرباب الشأن المتنازعين على المناصب،‮ ‬وإلا لكانوا انتبهوا إلى هذه المفارقة ذات الدلالة على جزع الناس وانعدام ثقتهم بما‮ ‬يدور من مداولات الكتل السياسية المسؤولة و‮ (‬غير المسؤولة)؛ مما‮ ‬يمكن إن‮ ‬يكون مقياسا لقناعة الناس بحكامهم لدى الدول المحترمة،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬يتساوى لدينا مجيء سعد وذهاب سعدان،‮ ‬لأننا لم نلمس منهما أي‮ ‬خير‮. ‬وهو موقف في‮ ‬غاية الخطورة حين لا‮ ‬يعبأ الشعب بحكامه وقراراتهم رغم وجود دستور وقوانين،‮ ‬فذلك علامة الخذلان وانعدام الثقة و‮ ‬غياب التصديق بالوعود الفارغة مما‮ ‬يحمّل المسؤولين والكتل السياسية مسؤولية انكسار أمل الشعب،‮ ‬وعدم اطمئنانه لمستقبله،‮ ‬وتوجسه من استمرار لعبة المناورة والمماطلة والتأجيل دون سقف زمني‮ ‬منظور‮.‬

يجري‮ ‬ذلك في‮ ‬عملية تكاد تكون محسوبة لتعطيل العقل،‮ ‬وتخدير المشاعر،‮ ‬والتسلل من خلال ذلك إلى مآرب أخرى‮.‬

أما آن لهذه العقول المحاصرة أن تنهض وتقول‮: ‬لا؟‮ ‬
بلى‮ ! ‬إنها لتنهض،‮ ‬نهضة شابة مباركة،‮ ‬تعيد للعقل آلياته وموازينه،‮ ‬وتنتشله من بركة المحاصصة والمساومات،‮ ‬وضباب الرؤية والتمويه والمداهنة والمناورة والمماطلة‮.‬
‮ ‬وفي‮ ‬شبابنا؛ شباب الأمل والتجديد دائما،‮ ‬كما هو العهد‮.‬

باريس‮ ‬2011‭/‬3‭/‬23
‮❊‬ العنوان من تأملات عبد الحق البغدادي‮ - ‬للكاتب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت