الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة في الجغرافية الانتخابية

هاشم نعمة

2004 / 10 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بحكم تعاقب الأنظمة الاستبدادية في العراق والافتقار إلى تراكم رصيد معرفي يخص تجارب انتخابية نزيهة وناجحة فالمطلوب إشاعة ثقافة الانتخاب على أوسع مدى من أجل المساهمة في دمج الجماهير العراقية في العملية السياسة الجارية والتي تمثل الانتخابات القادمة منعطفها الأساسي . لذلك ارتأينا إلقاء هذه النظرة .

تعد الدراسة التي نشرها اندريه سيجفريد في عام 1913 حول الانتخابات في إقليم غربي فرنسا في عهد الجمهورية الثالثة من أفضل ما كتب في هذا الموضوع . ولذا يعد سيجفريد أبا للجغرافية الانتخابية . لأنه وضع خريطة لنتائج الانتخابات وقارنها بالخرائط الجغرافية الأخرى ليكتشف العوامل الجغرافية التي أثرت في هذه النتائج .

منذ سبعينات القرن الماضي ظهرت مئات الدراسات حول الجغرافية الانتخابية احتوتها مجلدات ضخمة تزخر بمادة علمية مرتبة حسب مواقع المناطق الانتخابية مما زاد التوجه الكمي ثراء . إلى الحد أن البعض قد قال إن هذا الكم الهائل لا يتناسب مع المتطلبات العامة للجغرافية السياسة التي تنتمي إليها الجغرافية الانتخابية بينما فريق آخر لا يقر هذه الصلة قطعا .

هناك ثلاثة أوجه للمقاربة الكمية الجديدة التي طبقت على الجغرافية الانتخابية تشمل : جغرافية التصويت والتأثيرات الجغرافية في التصويت والتحليلات الجغرافية للدوائر الانتخابية . وتشمل الثانية :
1- التصويت لمصلحة المرشح بحكم " الصداقة " أو "الجيرة " وهو ما يحدث في الانتخابات الأمريكية واليابانية والايرلندية والنيوزيلندية . ويلاحظ في الانتخابات الأمريكية أن المرشح يحرز أصواتا كثيرة في مسقط رأسه .
2- تصدر قضية معينة على القضايا الأخرى في موقع انتخابي معين حيث يؤثر ذلك في أصوات الناخبين .
3- الدعاية الانتخابية وما تحققه من توجهات بعينها لدى جمهور الناخبين ويتوقف هذا على نوع الدعاية وحجمها . وبطبيعة الحال تختلف الحملات الدعائية حسب الموارد المتاحة لكل حزب أو مرشح .
4- عامل الجوار الذي يمثل أهم المؤثرات الجغرافية في عملية الاقتراع . وقد لوحظ أن الأحزاب تحقق أفضل النتائج في الدوائر المجاورة لها .

منذ اللحظة التي تطورت فيها الانتخابات في أوروبا من مجرد تثبيت النخبة في المجتمع على كرسي السلطة انتقلت الحلبة الانتخابية إلى الأحزاب السياسية . وتمثل هذه الأحزاب مجموعة من الأفكار التي ترتبط بأديولوجيات سياسية بطريقة أو أخرى . مثل أحزاب العمال والأحزاب الليبرالية والمسيحية الديمقراطية والشيوعيين والديمقراطيين الاشتراكيين ..الخ . ويلتزم كل حزب بمبادئ لا يمكن القول أنها حكر عليه وحده . فقد أتضح أن العامل الاقتصادي يمثل أهمية توازي ثمانية أمثال العامل الديني عند تشكيل الحكومات الائتلافية في أوروبا . لكن الشعارات العامة تجد لها تفسيرات مختلفة من بلد إلى آخر . غير أنه لا توجد أحزاب منعزلة عن مجريات الأمور في العالم .


وتتطلب العملية الانتخابية التنظيم والتعبئة حيث تضطلع الأحزاب السياسية بمهمتين أساسيتين : إعداد البرامج السياسية والاجتماعية -الاقتصادية أو على الأقل التأثير في هذا الإعداد ثم السعي إلى كسب تأييد الجماهير لهذه البرامج . ويرتبط هذان النشاطان معا ارتباطا وثيقا حيث إن النجاح أو الفشل في واحد منهما يؤثر إيجابا أو سلبا في الآخر .

في الدول المتقدمة توجد سياسة جادة لإعادة توزيع الدخول بالرغم من اختلاف درجتها من دولة إلى أخرى وهذا يسمح للأحزاب بأن تحشد من روائها الدعم الكافي من الناخبين الذين يثقون - على الأقل في فترة الانتخابات - في تنفيذ سياسات تخدم مصالحهم بعد الفوز في الانتخابات . وقد أفرزت أوروبا نمطا مستقرا من الاقتراع الانتخابي الذي يقوم على تحزبات اجتماعية ويترجم هذا الوضع إلى ما يمكن أن نطلق عليه " جغرافية التصويت المستقرة " لأن الشرائح الاجتماعية تتوزع على المساحة الجغرافية للدولة . ففي بريطانيا على سبيل المثال يحرز حزب العمال نتائج انتخابية أفضل في مناطق سكنى الطبقة العاملة في حين يحصل المحافظون على دعم كبير في مناطق سكنى الطبقة الوسطى . وعلى النقيض من ذلك فأن آلية ضمان أصوات الناخبين تكون غائبة تماما في الدول النامية لأنها لا تنتهج سياسة توزيع الدخول ومن ثم فأن الأحزاب فيها عاجزة عن تلبية احتياجات الناخبين . ويؤدي هذا إلى تقلبات في الجغرافية الانتخابية في هذه الدول .

تتضح العلاقة بين العملية الانتخابية والعملية السياسية فيما يطلق عليه بـ " المنفعة المتبادلة " إذ يتعهد المرشحون لسكان المناطق التي يمثلونها بأن يلقوا رعاية أفضل وخدمات أوفر من جانب الحكومة مقابل الاقتراع لصالحهم في الانتخابات مثل ما يجري في العديد من البلدان : الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها .

هناك نمطين من الجغرافية الانتخابية : الأول جغرافية القوة الذي ينتج من مصالح جماعات معينة أو دول في تمويل أحزاب أو شخصيات معينة في الحملات الانتخابية والثاني جغرافية الدعم الشعبي . ويعود تركيز الاهتمام على الأخيرة إلى أن المادة العلمية حولها متوفرة وغزيرة فالانتخابات هي ممارسة علنية تتم من خلال القنوات السياسية والإعلامية كما أن نتائجها تعلن أول بأول مما يتيح للمراقبين مادة دسمة للبحث . وهذا هو السبب في انتعاش البحث في جغرافية الدعم الشعبي في الانتخابات في السنوات الأخيرة .

أما جغرافية القوة فمادتها محدودة للغاية حيث تركن السياسة إلى السرية والكتمان فربما لا نتمكن من معرفة شيئا مما يدور في الدهاليز أبدا . خذ مثلا سلوك وكالة المخابرات الأمريكية في تمويلها لأحزاب " أجنبية صديقة " أو في زعزعتها استقرار حكومات أجنبية " غير صديقة " لأمريكا . وبطبيعة الحال لا تتوفر صورة كاملة لفاتورة حجم هذا التمويل للأحزاب السياسية على مستوى خريطة العالم كي نعود إليها في إصدار أحكام دقيقة ولذلك لا يمكن جدولة جغرافية القوة بالطريقة نفسها التي أمكن بها رصد جغرافية الدعم الشعبي .


وأخيرا يقول ليمان الكاتب الأمريكي المعروف عن الانتخاب أنه يقوم الآن مقام الثورة في الزمن القديم . فالانتخاب في نظره عبارة عن ثورة مقنعة تستعمل بها أوراق التصويت بدلا من رصاص البنادق . وما أحوج العراق إلى ذلك كي يتوقف مسلسل الدم اليومي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاردن اربد
سريان بدارنه ( 2012 / 5 / 1 - 10:11 )
ارجو المساعدة في عمل مخخط بحث في جغرافية الانتخابات في الاردن

اخر الافلام

.. إيران :ماذا بعد مقتل الرئيس ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إيران تعيد ترتيب أوراقها بعد مصرع رئيسها | #التاسعة




.. إسرائيل تستقبل سوليفان بقصف مكثف لغزة وتصر على اجتياح رفح


.. تداعيات مقتل رئيسي على الداخل الإيراني |#غرفة_الأخبار




.. مدير مكتب الجزيرة يروي تفاصيل مراسم تشييع الرئيس الإيراني وم