الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيروسترويكا السورية

الياس المدني

2004 / 10 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لم يكن التعديل الحكومي في سوريا مفاجئاً خصوصا انه جاء في وقت تزداد فيه ازمة النظام الداخلية والخارجية، وحسب صحيفة القدس العربي فان التعديل كان مقررا منذ اربعة اشهر ولكنه تأجل بسبب تأجيل عقد المؤتمر القطري لحزب البعث.
وتوقع احد القادة البعثيين الكبار السابقين ان ثلاث قضايا اساسية ستكون مدرجة علي جدول اعمال المؤتمر القطري القادم، هي الغاء القيادتين القطرية والقومية للحزب، وانتخاب مكتب سياسي بدلهما. واعادة النظر في كل الصيغ الايديولوجية السابقة. واضاف ان بشار الاسد يريد تفكيك حزب البعث واستبداله بحزب عصري حديث يؤمن بالاصلاح الذي تحدث عنه في بداية توليه السلطة.
فهل هناك فرصة حقيقية للتغير ام ان هذا التصريح وما شابهه عبارة عن لعبة جديدة تطلقها السلطات في سوريا للتخلص من بعض الضغوط الخارجية والداخلية؟

عندما ورث بشار الاسد السلطة عن ابيه (لا تسألوني باي حق) ورث معها ايضا كل الالتزامات تجاه الفئة الحاكمة في حزب البعث، بدءاً بالحرس الحديدي مرورا بالوجوه الشابة التي تحاول فرض وجودها وصولا الى مصالح الحزب في احتلال لبنان وتعاونه مع الاحتلال الامريكي للعراق.
ولا اعتقد ان ما تحدث عنه من اصلاح لمؤسسات الدولة في خطاب القسم وما تلاه كان يخرج عن اطار الحاجة الى اصلاح مؤسسات حزب البعث من اجل احكام السيطرة على مؤسسات الدولة وتطوير آدائها لتكون متناسبة مع تصوره الجديد للادارة.
مما لا شك فيه ان اية مؤسسة بحاجة دائما للتطور الاداري والا وقعت في فخ التقوقع او على الاقل التجمد وبالتالي التخلف عن اداء دورها، مما يؤدي في النهاية الى فقدان اهميتها. ولكن هذا جزء فقط من الحقيقة اذا كنا نتكلم عن طرق الادارة في سوريا. ولكن في حالة حزب كهذا لا بد من مراجعة نقدية حقيقية لكل افكاره ومعتقداته فهل اصبح حزب البعث بعد موت الاسد وسقوط صدام قادر فعلا على اجراء هذه المراجعة لايديولوجيته؟ هل هناك استعداد لدى حزب البعث للتخلي عن مبدأ القومية كما يفهمه؟ هل احلام ومصالح البعث السوري بفرض ارادته على دول الجوار (سوريا الكبرى) ستنتهي بقرار من المؤتمر القطري؟
نعلم كلنا حقيقة ان الاحزاب العربية عموما بما فيها حزب البعث تعطي اهمية كبيرة لدور شخصية القائد فيها. وهنا لا شك بان بشار الاسد الذي يسيطر على اطراف اللعبة في سوريا سيحاول اقصاء عدد من شخصيات الحرس القديم التي لم تعد قادرة على التعاطي مع المرحلة الحالية وبقيت متقوقعة في مناصبها منذ سنوات الستينات. وبدأ يستبدلها بوجوه شابة تحاول ان تكون اكثر برغماتية بالتعامل مع المشاكل التي يجب مواجهتها، وهذا كله يأتي في اطار محدود جدا. اذ ان هذه التغييرات المنتظرة تمس الشكل الخارجي ولا تغوص الى عمق المشاكل ومنها استئثار هذا الحزب بسياسته العقيمة بالسلطة في سوريا ورفضه تقاسمها حتى مع الاحزاب الحليفة في ما يدعى الجبهة الوطنية التقدمية وهو ما سيكون موضوع بحث قادم.
يقول المثل الشعبي ان العطل في الرأس. وهنا يقع العطل في عصب افكار البعث العربي الاشتراكي. وفي مفهومه لتعابير عديدة مثل الوطن والمواطن والوطنية، ومفهومه للتحالفات وعمل الاحزاب الاخرى وحرية الرأي والتعبير وايضا مفهومه المنصوص عنه بالدستور لدوره القائد في المجتمع.
من هنا ارى ان الاصلاح ضروري جدا. ولكن الاصلاح لا ينتهي بتغيير الاشخاص فقط ولا بتحويل القيادة القطرية لمكتب سياسي، انما يبدأ من المفاهيم وضرورة تحديد العقيدة.
لا يمكن لحزب يؤمن بدوره القيادي ان يكون حزبا قائدا بقوة الجيش والمخابرات. لا يمكن لحزب ان يكون قائدا اذا كان دستور الدولة عنده مجرد كتاب غطى حروفه الغبار ويستطيع التلاعب به حيثما يشاء ويفصل القانون لكي يأتي متناسبا مع بدلة الفريق الاسد الثاني.
ان فكرة الحزب القائد فكرة طوباوية ومن يعتقد ان حزب البعث العربي الاشتراكي سيتحول لحزب ديمقراطي سيكون طوباويا، الا اذا قام البعث بالتخلي عن مبادئه الاساسية بالتعامل مع الدولة والشعب، واعتبر ان سوريا ليست مزرعة حيوانات جورج اوريل، بل هي دولة الشعب وما الحزب الا واحد من مجموعة الاحزاب التي لها الحق بالعمل والنشاط في كل القطاعات التي يعطي لنفسه الحق بالعمل فيها. وان الحكم مصدره الشعب الذي ينتخب ممثليه بطريقة ديمقراطية و ان يؤمن البعث بتداول الحكم بالطرق الديمقراطية. وان الاقتصاد الوطني ملك لوطن وليس لمجموعة افراد وان القانون فوق الجميع وان الدستور كالكتاب المقدس لا يجوز المساس به الا بالارادة جماهير الشعب. فهل هذه هي توجهات حكام سوريا نحو المستقبل؟
ان المساس باي من هذه المسائل هو مساس بعقيدة البعث أي مساس بحقه بالوجود. من هنا يصعب على ان اتصور حزبهم بلا ضجيج الشعارات القومجية وبلا غوغاء الشعارات الفارغة عن الحرية والاشتراكية. يمكن لهذا الحزب ان يتحول فعلا الى حزب ديمقراطي اذا تخلى عن ايديولوجيته وطريقة نظره الى الاخرين واعتبر انه لا يحتكر الحقيقة وحده وان للاحزاب الاخرى دور وحق وواجب في بناء الوطن. وتحول مثله مثل كل الاحزاب الحاكمة في الدول الاشتراكية السابقة الى واحد من مجموعة احزاب له ما لها وعليه ما عليها، ولكن للقيام بذلك يجب ان تتوفر مجموعة من العوامل الاساسية داخل الحزب نفسه وفي المحيط ولا ارى للاسف أي من هذه العوامل لا داخل حزب البعث ولا في الاحزاب المعارضة ولا في داخل الشعب ذاته. لا ارى للاسف رغبة حقيقية في التغيير ليكون بشار الاسد غورباتشوف سوريا ولا بالبشارية بيروسترويكا. ان ما اراه عبارة عن عملية تجميل لوجه عجوز ومهما غيرت في وجهها فرحمها سيبقى عاقر ولن تنجب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة