الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2011 / 4 / 1
حقوق الانسان


بدون مقدمات وبدون أي تجميل أو إخراج أدبي، ســـأقوم بالدخول بالموضوع مباشرة. فقد طفح كيلي برؤية المتفصحين وأنصاف المتعلمين والمغرضين واللصوص والمنتفعين والخائفين المرتعدين وأرباع المثقفين يقولون ويتقولون ويدافعون عن حالة البلاهــــة والكذب والصفاقة والاستعصاء السياسي والاجتماعي الذي تدور رحاه في سوريا حاليا ً.
من هو المثقف؟ باللغة العربية قالوا إن المثقف هو الحاد الماضي... وقد أفصح العرب عن ذلك بقولهم إن الرماح مثقفة ... أي أنها حادة الرأس قاطعة ! ومن هنا قالوا عن الإنسان إنه مثقف إذا كان ذو فكر واع... حادٍ ... متبحرٍ بمشاكل عصره وعصر من سبقوه مستشرفا ً لآفاق المستقبل... كما تعطى صفة المثقف للإنسان المعتدل الذي صقل زوايا نفسه الحادة وبات متواضعا ً هادئا ً واسع الصدر عميق البصيرة والإدراك....
في اللغة الفرنسية : كلمة مثقف تعني الشخص الذي ترتكز فعالياته على صفة الذكاء أو الــنشاط الذهني. هو الذي يشارك في حياة المجمتع من خلال إبداء الرأي والتحليل ووجهة النظر حول شــؤون الناس العامـــة. هو الذي يدافع عن القيم والمبادىْ بقوة. وبهذا المعنى نجد تقاربا ًواضحا ً بين مفهوم الفيلسوف في الماضي وبين مفهوم المثقف الحالي. الدكتورة إقبال الغربي من جامعة دمشق تقول إن طبقة المثقفين هي مفهوم نخبوي يعني الجمع بين المعرفة الأكاديمية والثقافة العامــــة.
أليكس دو توكــفـيل يعتبر أن المثقف هو الإنسان الشغوف بقيم الحرية والعدالة والمصاب بفرط الحساسية لكل أشكال القمع والطغيان. بهذا المعنى نجد أن المثقف هو العارف (من المعرفة والحكمة والعــقل) الذي يدافع عن الحقيقة ضد الوهم والأسطورة. هو الذي يدافع عن العقل ضد النقل. عن حرية التفكير ضد قيود التكفير الفكري والديني... عن القيم الكونية ضد المتعارف عليه والمألوف...
فالمثقف هو حالة وعي ومعرفة وإدراك والتزام. المثقف هو غير المتعلم .... فليس حامل الشهادة بالضرورة مثقف ... بل هو حرفي متميز وعالي التأهيل وفقا لنعوم تشومســــكي ... التعليم العالي يساعد على أن يكون المرء مثقفاً لأنه يسلحه بأساليب التحليل العلمي والمنطقي وبالتالي يجعله أكثر قدرة على فك الالتباسات التي قد تغمض على غيره من الناس. لكن التعليم العالي هنا، كما يقال في الرياضيات، شرط ٌ لازم ٌ غير كافي. كما أنه ليس بالضرورة أن يكون غير المتعلم أو غير الحامل للشهادة الجامعية العليا ليس مثقفا ً ... لكن طريق غير المتعلم لأن يصبح مثقفا ً أصعب عادة لعكس الأسباب آنفة الذكر.... وهنا أيضا ً يبقى التعليم العالي شرط لازم غير كافي....
جان بول سارتر يعر ّف المثقف بأنه الذي يتدخل فيما لايخصه أي ’الحشري’ الذي يعي تماما ً مسؤوليته الفردية الأخلاقية التي تجعله – ضمن حالة معينة – يرفض أن يكون متواطئا ً بصمته وسكوته وخنوعه على الممارسات الشاذة التي يراها في بلده أو في أي بلد آخر في العالم... بالنسبة لجان بول سارتر المثــقــف ملتزم ٌ بالضرورة... وهو لايتوانَ عن استخدام نفوذه ومكانته الاجتماعية وكلمته المسموعة كي يعمل على تغيير موقف الجهة السلطوية أو الكتلة العامة من الناس. وهنا يقول تشومسكي إنه لابد من أن يتعامل المثـقف مع المجتمع ليس تحت عنوان التوجه بالخطاب إلى الناس .... بل تبادل الخطاب مع الناس (ليس إلى بل مع) وفقا ً لأبسط قواعد إيصال المعلومة.
أنتونيو غرامشي الإيطالي يقول ... كل الناس مثقفون ولكنهم لايقوموا جميعا ً بفعل المثقف الاجتماعي... وهو يميز بوضوح بين طبقة المثقفين التقليدية التي تميز نفسها عن المجتمع وتترفع عنه وبين طبقة المثقفين العضوية التي تفرزها طبقات المجتمع المختلفة لتلعب دورا ً واضح المعالم بالتغيير والتنوير.
يقول إدوارد سعيد في كتابه - تقديم المثقف - إن المثقف هو شخص ٌ يلعب، ضمن المجتمع، دورا ً خاصا ً يختلف تماما ً عن دور الحرفي المتعلم فهو يستطيع أن يكون فكرة ً أو رأيا ً واضح المعالم حول إشكالية ما ويوجه هذه الرسالة إلى المجتمع بهدف التغيير والتنوير وكشف الحقيقة ... هذا الدور – ودوما وفقا ً لإدوارد سعيد – هو دور ٌ حساس ٌ للغاية وصعب ٌ للغاية كونه يركز ويناقش علنا ً أمورا ً وأسئلة محرجة مناوئة للرأي العام السائد... وغالبا ً مالايحظ َ ذلك بإعجاب الحاكم أو الوالي كما يطيب لي أن أسميه. باختصار إن المثقف ماهر ٌ دوما ً في تحدي التابو... أو المشاكل التي غالبا ً ما نحب جميعا ً بأن نخبئها تحت السرير... أو تحت السجادة! إدوارد سعيد يرى في أنتونيو غرامشي المثقف المثالي. وغرامشي هذا باحث يساري طلياني عاش في حقبة الفاشية الموسولينية في إيطاليا وتحداها بمنتهى القوة وقضى سنوات طويلة من عمره خلق قضبان سجونها.
من خلال كل هذه التعاريف، يبدو لي واضحا ً للغاية أنه يكفي أن تكون بوقا ً لأي جهة عليا دينية أو سياسية تنتفع من ورائها ماديا ً أو معنويا ً... تمالئها وتستخدم مخزونك الفكري في سبيل دعم محدودية رؤيتها على حساب صوت العقل والضمير فيك حتى تنتفي صفة المثقف عنك وتصبح ممارسا ً للعهر الفكري الرخيص الذي ربما يكون أشد من القتل في بعض الأحيان!
أرجو من كل من يعتبر نفســـه مثقفا ً، ويسمح لنفســــه بالتنطح لتحليل الواقع الحزين الذي يعيشه أهلنا في سوريا أن ينتبه لهذه التعاريف البسيطة الواردة أعلاه وأن يصنف نفســــه بعد ذلك بالخندق الذي يراه مناسبا ً لقدراته العقلية والنفسيــــة وأن يقول حقا ً أو أن يصمت. فربما كان صمته أرحم والله أعلم !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح


.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف




.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي


.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية




.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق