الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا بديل للانتخابات

أدهم ميران

2004 / 10 / 21
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كان سقراط فيلسوف اليونان العظيم لا يتفق مع الديمقراطية بإطارها العام، ويقف موقف الضد منها، ذلك انه يرى ان رأي الأغلبية لفئات الشعب لا يمثل بالضرورة القرار الأصوب لهذا الشعب، لان عامة الشعب ليسوا بالضرورة من الطبقة المثقفة او التي تملك ناصية المعارف والعلوم، بل العكس صحيح، لذا كان سقراط يقف على النقيض من الداعين الى الديمقراطية في عصره، وربما كان يدعو برأيه هذا العصور التي تلته كذلك، وينادي بتسليم زمام الأمور للطبقة المثقفة من الفلاسفة والحكماء والعاملين في مجال الفكر والعلوم والسياسة والفن. ذلك ان العامة لا تفقه في امور السياسة والحكم، وان تصويتها سيصب في غير مصلحة الأمة.
حين تتأمل وجهة النظر هذه، وتجري مقارنة بينها وبين واقع الحال على الساحة العراقية، ستجد انها تصيب كبد الحقيقة في احدى جوانبها، لو تساءلنا كيف؟
لكان جوابنا بحاجة الى جرأة أدبية خجولة بعض الشيء للوقوف امام وجهات النظر الأخرى التي تدعو لتطبيق الديمقراطية في كل زمان ومكان، وتحت أي ظرف كان. نستهل كلامنا بالقول، أنه قبل ثلاثة عقود تقريبا من الآن عاش الشعب العراقي، تحت وطأة عامل خطير ابتكره النظام الدكتاتوري ألا وهو الخوف، لكن هذا الخوف من نوع آخر، يمضى معنا الى كل مكان، ويدخل معنا أي مكان ندخله، انه يقاسمنا المنام في الفراش. والفرد منا كان يعيش تحت سقف لائحة من القوانين والشعارات التي لا تعد ولا تحصى، القليل منها متعارف عليه في اللوائح الدولية، والكثير منها مستحدث من قبل القيادة الحكيمة لحماية الوطن والأمة العربية من تربص الامبريالية والأعداء على طول الوقت. فكان تطبيق هذه القوانين الجائرة المبتكرة والشعارات المزيفة، هي مقياس المواطن العراقي الشريف لدى هذه القيادة، اضف الى جملة الخوف والقوانين المستحدثة، التعتيم الاعلامي والماكنة الصحفية العملاقة المسخرة للفكر التوتاليتاري الشوفيني وللقائد الضرورة والدفاع عن حياض الوطن، كلها كانت مفردات تعبوية يومية تنشر في الصحف والمجلات والاذاعة والتلفزيون، بشكل مختصر كان هذا الوقت سجنا للأدمغة العراقية، ويكفينا بهذا توضيحا ان نقول: أن طيلة ثلاثة عقود من الآن تربت عدة اجيال على هذا المنهج، والأقسى من هذا وبدافع الخوف ايضا كما أشرنا، ان الوالدين كانا ينكصان أبناءهم على أعقابهم، إن شذّوا عن هذا الطريق القويم الذي رسمته لهم القوالب الوطنية المزيفة، فما كان من هذا الجيل إلا ان خرج بمحصلة إيديولوجية تطابق او تكاد، لمنهج إيديولوجية النظام البائد، فكان كل عدو للنظام هو عدوه، وكل حقيقة يطليها النظام بصبغة تنطلي عليه هو، فصاروا يظنون خطأ ان كل ما يفعله الأمريكان او اسرائيل ليس الا تخطيطا مدبرا سيحيق المكر السيئ بالعراق والأمة العربية والاسلامية.
ولو ألقينا نظرة عامة على الساحة السياسية للمرحلة الراهنة، سنجد ان هناك طبقة تعد كبيرة نسبيا ضمن هذا الجيل، تنظر الى الأحداث من بؤرة الترسبات الإيديولوجية الضيقة التي ورثها من النظام السابق (مثل الفلوجة، على سبيل المثال لا الحصر)، والتي تتوافق مع ما ينادي به اغلب التيارات الاسلامية المتشددة، التي تضع الأمريكان والقوة متعددة الجنسيات واسرائيل وكل من يتعاون معهم ان كان في مصلحة العراق او أي هدف آخر، تضعهم في خانة (الأعداء)، بل الأخطر من هذا إدراج كل شركة اعمار واستثمار عربية اسلامية او اجنبية ضمن خانة الأعداء هذه.
لذا ترى ان جيل ما قبل التحرير، قد وجد نقطة مشتركة، لأفكار وطروحات ما مضى ضمن هذه التيارات، بل متنفسا لأجزاء من ثقافتهم المظلمة مدرج في اجندتها الفكرية، وبالتالي صار اعطاؤهم اصواتهم في الانتخابات القادمة وبإصرار امرا غير مستغرب، اذا ما علمنا ان هذا الجيل حرم في غالبيته من ممارسة طقوسه الدينية إبان النظام البائد، فهو يرى في اعطاء صوته لهذه التيارات، خطوة للأمام لتحقيق هذه الممارسة، وهي ضالته الأولى، أما الضالة الثانية، فهي تحقيق استمرار ثقافته المظلمة والفجة التي انقطعت بعد التحرير، وهي التنديد بالقالب العدواني المعروف (الامبريالية، الامريكان، الصهيونية) وارجاع سبب تخلف الأمة وهلاكها اليهم.
والقلق كل القلق الآن من التيارات الآنفة الذكر التي تسعى في هذه المرحلة الى الاندماج فيما بينها والمشاركة تحت لائحة واحدة للحصول على مقاعد اكبر ضمن عملية الانتخابات المزمع اجراؤها منتصف كانون الآول القادم. وبنظرة دقيقة ومتفحصة لاستطلاع الجو المخيم على الأطراف السياسية المشاركة الأخرى سنرى ان شيئا من القلق يلوح في احاديث قيادات الأطراف المؤمنة بالديمقراطية والعراق الفدرالي التعددي، وانها تخشى من ان تنتهي الانتخابات لصالح التيارات الاسلامية المتشددة، وتفضي الى دولة دينية، وتدخل العراق في مرحلة جديدة ليست بأقل من الخطيرة.
وقد أشار الى هذه الخطورة السيد جلال طالباني في حوار له مع صحيفة المستقبل والذي نشرته صحيفة الاتحاد(الصحيفة المركزية للاتحاد الوطني الكردستاني) في العدد (847) قائلا: ".. اذا فازت القوى الديمقراطية المؤمنة بالعراق الفدرالي الموحد والديمقراطي، فإن الأمور ستسير في مجراها الطبيعي، أما اذا فاز الاسلاميون المتطرفون او اولئك الذين يدعون الى دولة شيعية، فإن العراق سيدخل مرحلة جديدة وخطيرة".
اذن، ممارسة الديمقراطية بهذا الشكل ستكون مدعاة لقليل من التفاؤل، وستكون دعما لوجهة نظر سقراط ازاء موقفه من الديمقراطية.
لكن ياترى هل هذا هو نهاية المطاف؟! لا اعتقد فقد اقترح السيد جلال طالباني حلا ذكيا لهذه المسألة، وذلك في نفس الحوار الذي اجرته صحيفة المستقبل معه، حيث "اكد على ضرورة ان تدخل كل الأطراف المذهبية والعرقية الديمقراطية الانتخابات بلوائح مشتركة، مشيرا الى ان البعض من الزعامات الدينية الشيعية بدأت تتحدث عن ضرورة مشاركة الشيعة معا وبلائحة واحدة في الانتخابات".
وفي كل الأحوال إنها التجربة الديمقراطية الأولى للعراق، ويجب علينا خوضها، فمسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، وقد خطونا الكثير منها، والانتخابات لابديل لها، لأنها من ضمن الخطوات الأساسية، وكلما عرفنا مكامن الزلل أسرع, سيكون مضينا الى النجاح أسرع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*صحفي من كردستان العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة