الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة علي ظهر سلحفاة!

سعد هجرس

2011 / 4 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الثورة ـ أي ثورة ـ تعني ضمن ما تعني السرعة والحسم في اتخاذ القرار، لأن البطء والتردد إذا كانا «مستهجنين» في الظروف «العادية»، فإنهما «قاتلان» في وقت الثورة، ويمكن أن يعرضا الثورة لأخطار جسيمة، ومنها خطر الانتكاس وتهيئة المناخ الملائم لاستقواء شوكة الثورة المضادة. والأمانة تقتضي ألا نقع في فخاخ الأوهام وخداع الذات في مثل هذه المنعطفات المصيرية. وهو ما يجعلنا نقول دون لف أو دوران إننا نعاني من هذين المرضين القاتلين اللذين يهددان ثورة 25 يناير تهديدًا جديًا. وأعراض هذه الأمراض الفتاكة أكثر من أن تعد أو تحصي. فقد وصل هذا البطء وذاك التردد إلي درجة العجز عن اتخاذ أبسط القرارات، حتي ذات القيمة المعنوية البحتة فيها. من ذلك مثلاً العجز عن اتخاذ قرار بشأن مسألة بالغة التواضع مثل تغيير أسماء المكتبات والمدارس والمنشآت ومحطات المترو والقطارات التي تحمل أسماء الرئيس السابق حسني مبارك والسيدة حرمه!! فهل هناك ثورة في الدنيا من مشرقها إلي مغربها، في أي عصر من العصور، لجأت إلي المحاكم وساحات القضاء لاتخاذ قرار بهذا الشأن؟! هل رأيتم ثورة أطاحت بالحاكم وإزاحته عن السلطة ثم وقفت مكتوفة الأيدي أمام تماثيله وصوره ورموز الإشادة به وتخليد ذكراه، مترددة عن إزالتها، ومنتظرة حكم محكمة؟! هل سمعتم عن ثورة، حتي في بلاد الواق واق، تجبر الحاكم علي التنحي والتخلي عن سلطاته المطلقة، ثم تلقي أجهزة الأمن القبض علي مواطن حاول إزالة اسم هذا الطاغية المخلوع الذي يعلو إحدي المنشآت؟! لم يحدث هذا بالطبع مع أي ثورة في أي مكان في الدنيا، لكنه حدث عندنا حين حاول مواطن مصري إزالة اسم الرئيس السابق الذي مازال موجودًا ـ بكثرة ـ في إحدي محطات مترو الأنفاق بالقاهرة، فما كان من «سلطات» المحطة إلا إلقاء القبض علي المواطن البريء، وحسن النية، الذي لم يتم إطلاق سراحه إلا بعد تجمع الركاب وتجمهرهم والتلويح بأنهم سيعتصمون بالمحطة ولن يغادروها إلا بعد الإفراج عن المواطن الذي صدق أن بالبلاد ثورة نجحت بالفعل في تنحية الرئيس السابق!! > > > هذا المثال المتواضع يعطينا مؤشرًا علي البطء والتردد اللذين أصبحا الغالبين في عملية اتخاذ القرار في كل المجالات. من هذه المجالات.. منظومة الإعلام التي لعب الجناح «الحكومي» فيها دورًا تخريبيًا وتضليليًا قبل الثورة وأثناءها، وظل يلعب هذا الدور السلبي حتي يوم 11 فبراير، أي يوم تنحية الرئيس السابق. ولا حاجة بطبيعة الحال إلي البرهنة علي ضرورة التخلص «الفوري» من القيادات التي وضعت هذه السياسة الإعلامية التضليلية موضع التنفيذ، والتي دأبت علي الدفاع عن النظام السابق وتبرير كل سياساته والتستر علي جميع سلبياته وأخطائه وخطاياه، والتي عملت في الوقت نفسه علي تشويه الثوار وتلويث سمعتهم والإساءة إليهم بشتي الصور، والكذب علي الرأي العام وخداعه وتضليله. لكن العجب كل العجب هو أن هذه القيادات مازالت في مواقعها، رغم الاحتجاجات اليومية من مئات وآلاف العاملين بالإعلام علي هؤلاء الأشخاص، ليس فقط بسبب الممارسات الإعلامية الكاذبة المشار إليها آنفًا وإنما أيضًا بسبب مخالفات مالية فاسدة بالغة الفجاجة، أدت إلي إهدار ملايين ومليارات الجنيهات من المال العام. ورغم ذلك ظلت هذه القيادات الإعلامية الفاسدة قابعة في أماكنها، متحدثة بلسان الثورة مثلما كانت متحدثة بلسان النظام السابق؟! بينما المسئولون الجدد يقدمون رجلاً ويؤخرون الرجل الأخري إزاء فتح هذا الملف. وعندما يبدو أن التردد في طريقه إلي الانتهاء وأن لحظة اتخاذ القرار تقترب، نجد أن الجبل قد تمخض ثم ولد فأرًا، وأن «التغيير» الذي تم لا يزيد في أغلب الأحيان عن استبدال «أحمد» بـ«الحاج أحمد»، أي أن التغيير لا يعدو أن يكون «إعادة انتشار» لنفس أعضاء النادي المغلق القديم، الذي يقف «جنود الثورة» خارجه وخارج أسواره المحاطة بالأسلاك الشائكة، وخلفها لافتة كبيرة مكتوب عليها «ممنوع الاقتراب والتصوير»!! > > > هذا البطء وذاك التردد لا يتعلقان فقط بـ«الأشخاص» في شتي المجالات الذين كان ينبغي تغييرهم فور الإطاحة برأس النظام القديم، وإنما نجدهما حاضرين أيضًا ويتصدران المشهد فيما يتعلق بـ«السياسات» التي مازالت هي هي رغم أن البلاد في حالة ثورة! انظروا ـ مثلاً ـ إلي السياسة التي كانت سائدة في ظل النظام السابق فيما يتعلق بالأحداث الطائفية التي تهدد وحدة الوطن وتهدد السلم الأهلي، وهي سياسة إعطاء القانون إجازة والاكتفاء بجلسات الصلح العرفية وتبويس اللحي وكنس الخلافات تحت السجادة، دون التقدم إلي العلاج الجذري لهذه الأمراض الطائفية الخطرة وفق متطلبات الدولة المدنية الحديثة وفي مقدمتها المساءلة والمحاسبة وإعمال القانون بحسم ونزاهة. ورأينا كيف أن هذه السياسة المتخلفة أدت إلي استمرار الاحتقان الطائفي واستمرار الفتن الطائفية، ومع ذلك فإن المسئولين الجدد انتهجوا نفس السياسة عندما تحركت بعض القوي الأكثر تخلفًا بعد الثورة وأثاروا الفتن الطائفية من خلال ممارسات تنتمي إلي العصور الوسطي، وتثير الاشمئزاز، فضلاً عن أنها تروع المواطنين الأقباط والمواطنات المسيحيات والمسلمات علي حد سواء. ومع ذلك كان الرد الرسمي علي هذه السياسة الهمجية هو المجالس العرفية وتطييب الخواطر، بما يعني ـ علي بلاطة ـ إفلات المجرم بجريمته دون حساب أو عقاب، الأمر الذي لا يتنافي فقط مع أبسط مبادئ العدالة وإنما يعني أيضًا تشجيع المجرم علي اقتراف المزيد من الجرائم طالما أن «البساط أحمدي». > > > والأمثلة كثيرة، وفي كل المجالات، سواء فيما يتعلق بالأشخاص أو بالسياسات.. وهي كلها أمثلة تثير القلق الشديد علي مستقبل الثورة التي ضحي المئات والآلاف من أبنائنا، وبناتنا، بدمائهم من أجلها. ودماء هؤلاء الشهداء، وتضحيات ملايين الثوار، تتطلب أساليب ثورية تكون علي مستواها من أجل تحقيق أهداف الثورة. والتردد والبطء ليسا ـ بالقطع ـ من بين هذه الأساليب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرائع سعد هجرس
حسنين قيراط ( 2011 / 4 / 1 - 15:57 )
الرائع سعد هجرس
بعد السلام والتحية والشكر
نعلم جميعا أن الثورة لها أعداء وهم كثرة للأسف الشديد ، بل وأصحاب سلطة وأيضا نفوذ ، وهم معروفين للشعب ، والغريب والعجيب أنهم مازالوا في مواقعهم ، يمارسون الفساد ويحاولون بشتي الطرق إجهاض الثورة وضربها في مقتل، وعلي رأسهم كما تعلم أستاذنا الحزب الوطني الذي يجب حلة بأسرع وقت ممكن،وإلا سنسير في نفس طريق تونس مع الحزب الحاكم لا قدر الله
الرائع سعد هجرس
قلت في مقالك الهام
أمثلة تثير القلق الشديد علي مستقبل الثورة التي ضحي المئات والآلاف من أبنائنا، وبناتنا، بدمائهم من أجلها. ودماء هؤلاء الشهداء، وتضحيات ملايين الثوار، تتطلب أساليب ثورية تكون علي مستواها من أجل تحقيق أهداف الثورة. والتردد والبطء ليسا ـ بالقطع ـ من بين هذه الأساليب.
ولم تشر إلي هذه الأساليب الثورية التي يجب أتباعها نحن في الإنتظار
تقبل شكري و‘حترامي


2 - رائع
محمود يوسف بكير- مستشار إقتصادي ( 2011 / 4 / 1 - 20:10 )
شكرا با أستذ سعد على المقال الممتاذ


3 - رساله الى درعا
زينه احمد ( 2011 / 4 / 1 - 22:43 )
الحية التي لا تغير جلدها تموت،أما الحرباء تغير لونها لتحمي نفسها ،والانتهازي يغير جلده ولونه ليركب الموجه قبل ان تغرقه ،فهل اصبحت مصطلحات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ،الوان يسهل خلطها لتشكيل اللون المناسب للموجة المناسبه ،وهل من يخرج علينا كل يوم بلون تحت اسم حقوق الانسان ،أخطأ في التسميه وكان عليه ان يوضح انه من حقوق الألوان ،ويدافع عن حقه في التلون .
هل يوافق القاريء على حق الانتهازي في التلون ،ام علينا محاربتهم وكشفهم لانه جزء من الفساد ،بل اخطر انواع الفساد ،وهل من يدافع عن اللون الاحمر ،ليركب موجة الشهداء في درعا ،وهل دماء الشهداء في سورية من مواطنين ورجال شرطه لا لون لدمائهم ،ان شهداءنا في درعا وحمص واللاذقية وكل انحاء الوطن هم شهداءنا ولن نسمح للانتهازيين امثاله ان يتلونوا به لانه اطهر واغلى من ان يتاجر فيه المناع ،وكيف انه اعترف على قناة الجزيرة ان ثلاث جهات عرضت عليه السلاح ليقدمها الى شباب درعا ،فهل هذه الجهات هي من المدافعين عن حقوق الانسان ،ام ان لسانه خانه ليعترف بان يد خارجية تريد ايصال السلاح الى سورية ليغرق الوطن بالدماء ،وهل ما قاله الا دليل فوق الاف الادلة على


4 - هذه أمنية وطلب من مهندس مبتكر ذو واعز وطنى يأ
ناصر محمود شهبو ( 2011 / 6 / 8 - 15:36 )
الأستاذ الفاضل/ سعد هجرس- ارجو من الله التوفيق لك ولكل من هم لهم نويا وبرامج طيبة لبلدنا مصر- مأود ان أطرحة عليكم هو موضوع فى نظرى فى غاية الأهمية لمستقبل مصر لأنه لا أقول أنه قد أهمل فى عهد مبارك أو ماقبلة بل أقول انه اهمل على الإطلاق طوال تاريخ مصر- ولا أجد
سبب لذلك
لا أستطيع ان أوجز أو اسمى المشروع فى هذا الباب الضيق ولكنى عندى ملف متكامل عنه حيث اجد أنه يعد أمل التقدم لمصر- فأرجوا منكم مشكورين أرسال الأيميل الشخصى لكم لأرسله لكم- وذلك على أيميلى الشخصى: [email protected]
هذه أمنية وطلب من مهندس مبتكر ذو واعز وطنى يألمة كثيرا ما يحدث - الى صحفى قديره له رسالة مثلك - وأستنجد به ليوصل رسالتى الى من يقود بلدنا

اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م