الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسة العسكرية المصرية ومسئولية حماية الثورة

هانى جرجس عياد

2011 / 4 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أضفى الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة مزيدا من الغموض على الكيفية التى تحكم مسار (المرحلة الانتقالية) الراهنة، ثم جاء (الحوار الوطنى) ليطرح من التساؤلات، الممزوجة بالدهشة وربما الارتياب، أكثر مما يقدمه من إجابات.
وظنى أن الثقة التى أولاها الشعب للجيش، وللمؤسسة العسكرية، لا تغلق أبواب الخلاف والاختلاف، ولا تحيل التساؤلات إلى اتهامات، بل تستدعى قدرا من المصارحة والوضوح.
استقبل ثوار يناير ومعهم الشعب المصرى قرار نزول الجيش إلى الشارع (بعد ظهر الجمعة 29 يناير) بقدر كبير من الارتياح والترحيب، وانضم شعار (الجيش والشعب أيد واحدة) إلى مجموعة شعارات الثورة، واعتقد الجميع أن الجيش نزل إلى الشارع لحماية الثورة التى فشلت أجهزة داخلية النظام السابق فى إجهاضها، وسرعان ما استلمت وانسحبت بعد أقل من أربع ساعات (من بعد صلاة الجمعة وحتى الخامسة والنصف بعد ظهر الجمعة 28 يناير)، وهو اعتقاد سرعان ما عززته البيانات الصادرة عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة التى أكدت فى مجملها الاعتراف بشرعية مطالب الشباب، والتعهد بعدم التعرض لهم.
مرت الأيام الخمسة الأولى والجيش فى الشارع، والثوار يواصلون اعتصامهم فى ميدان التحرير والمظاهرات لا تتوقف، ومن بينها مظاهرات مليونية، إلى جاء يوم 2 فبراير، حيث كانت (موقعة الجمل) كما اصطلح على تسميتها، بمثابة أول اختبار لجدية المؤسسة العسكرية فى حماية الثورة، لكن ما حدث أن الثورة حمت نفسها بنفسها، واكتفت المؤسسة العسكرية بالحياد، بين جناة ومجنى عليهم، (التمييز بين الجيش والمؤسسة العسكرية مقصود، ولهذا حديث أخر قد نعود إليه لاحقا). وبقيت المؤسسة العسكرية على حيادها حتى إزاء محاصرة بلطجية النظام لبعض مداخل ميدان التحرير، ومصادرة الأدوية والأطعمة التى حاول الكثيرون إدخالها إلى الميدان، وهو (حياد) يتنافى حتى مع القيم الإنسانية، بعيدا عن أى فهم أو مدلول سياسى.
ومنذ انتهاء موقعة الجمل وحتى انصياع الرئيس المخلوع لإرادة الشعب، وإعلان تخليه عن منصبه، تولت الثورة حماية نفسها بنفسها، من خلال لجان التفتيش التى أقامها الثوار على كل مداخل ميدان التحرير، تماما مثلما تولى الشعب حماية ممتلكاته من بلطجية وزارة حبيب العادلى، من خلال اللجان الشعبية.
وأخيرا لم يجد مبارك أمامه من بد سوى الانصياع لإرادة الشعب، فأعلن تخليه عن السلطة وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، لتبدأ مرحلة جديدة فى الثورة، تبدأ بكنس بقايا النظام وفلوله وتطهير البلاد من فساد غير مسبوق، تمهيدا لإعادة بناء مصر على أسس أعلنتها الثورة بالتزامن مع شعارها التاريخى (الشعب يريد إسقاط النظام)، بما فى هاتين المهمتين من تداخل.
لقد كان قبول المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعنى –صراحة- الانتقال من دور المراقب المحايد إلى موقع الفاعل المؤثر، مثلما يعنى –ضمنا- الموافقة على تحمل مسئولية إنجاز المهمتين المتشابكتين، تطهير البلاد وإعادة بناء الوطن.
لكن ما حدث لم يكن على مستوى جسامة وصعوبة المسئولية، ولا حتى التوقعات.
حكومة شفيق التى أقسمت الولاء أمام الرئيس المخلوع، بقيت كما هى، وعندما أدخلت عليها بعض التعديلات كان أن جاءت لنا بأحد معاونى حسين سالم وزيرا للبترول!!، وفى نفس الوقت فضت الشرطة العسكرية، بقوة العصى المكهربة، اعتصاما أمام مجلس الوزراء (أعتذر بعده المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، ثم تدخلت بالقوة –أيضا- لفض اعتصام التحرير، ثم اقتحمت جامعة القاهرة -فى واقعة غير مسبوقة فى التاريخ- للدفاع عن عميد كلية الإعلام، وإهانة عدد من رموز العلم والتعليم، ولم يتكرر اعتذار المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وبقيت الإدارات المحلية على ما هى عليه، من المحافظ وحتى رئيس أصغر حى (رغم أن زكريا عزمى أدرك مبكرا أن الفساد فى المحليات وصل للركب، ورغم أن الفساد والمفسدين هم الركيزة الأساسية والعمود الفقرى لنظام الرئيس المخلوع). الإعلام (القومى) شهد مفارقة ملفتة، حيث أصبح صورة مصغرة لما يجرى فى مصر، حيث سقط مبارك وبقى رجاله، تماما مثلما سقط أنس الفقى وبقى رجاله، وقد تحولوا جميعا من بوق للنظام إلى (بوق) للثورة، وهو تحول كفيل بإثارة الكثير من الارتياب لم يتوقف المجلس العسكرى أمامه كثيرا، وأصبح عبود الزمر وأشباهه نجوم الشاشة ورجال المرحلة. (إذا كان أسامة سرايا احتاج إلى سبعة أسابيع لتغييره، فكم من الوقت نحتاج لبناء الوطن؟). رؤساء الجامعات وعمداء الكليات الذين أهانوا الجامعات وقتلوا البحث العلمى، مازالوا فى مواقعهم. البعثات الدبلوماسية التى مثلت الدولة البوليسية ودافعت عنها ومارست نفس الفساد الذى استشرى داخل الوطن، بقيت كما هى.
وعندما اندلعت أحداث توتر دينى، لم نجد للقانون مكانا ولا للدولة هيبة، ضاع القانون فى أحداث قرية صول ولم يعرف أحد من الجانى ومن المجنى عليه، تماما مثلما غاب بعد ذلك فى أحداث السيدة عائشة والمقطم، وما جرى فى قنا، والمنيا...الخ، غاب القانون ليطل علينا رجال الدين وعلمائه، وليتهم استعانوا بالأزهر، بل لجأوا إلى شيوخ السلفية والجهاد، فى إعادة إنتاج رديئة لأسلوب مبارك-العادلى، وتوارت هيبة الدولة أمام من أقاموا دولتهم الخاصة، تشرع وتحاكم وتنفذ.
حتى البورصة يفتتحها شيخ الأزهر والأنبا موسى، دون أن يقول لنا أحد ما هى علاقة الدين بالمضاربات، وما إذا كنا دخلنا –فى عصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة- مرحلة تديين البورصة والصلاة من أجل تعويض خسائر مصر؟؟
ثم كان أن تحقيقات الفساد طالت الذين ألقى بهم مبارك من سفينته وهو يحاول إنقاذ نفسه والالتفاف على الثورة، لكنها لم تصل إلى أعمدة نظامه الأساسية، وخاصة الثلاثى صفوت الشريف وفتحى سرور وزكريا عزمى، كما أنها لم تطل مبارك وأسرته، رغم التأكيدات المستمرة بأنه لا يوجد كبير على المحاسبة، وأن استدعاء مبارك للتحقيق ليس مستبعدا، لكن الوقائع تقول إن هناك من هو أكبر من المحاسبة.
أما التعامل مع الدستور، فقد كان أحد أكثر المفارقات إثارة للدهشة.
لقد كان قبول المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلانا رسميا بسقوط دستور 1971، الذى سقط فعليا بشرعية الثورة، وكان المنتظر من (المجلس) أن يصدر شهادة وفاة الدستور، بإعلان إلغائه، فى نفس توقيت حل مجلسى الشعب والشورى (13 فبراير)، ويصدر إعلانا دستوريا للفترة الانتقالية (قدم المستشار هشام البسطويسى مقترحا بإعلان دستورى نشرته صحف 13 فبراير). لكن ما حدث أن المجلس الأعلى اكتفى بتعطيل الدستور (لا يوجد شيء اسمه تعطيل دستور فى كل المراجع الفقهية)، ثم أعاد الحياة إلى قرار مبارك بتعديل بعض مواد الدستور (تعديل دستور معطل؟)، مثلما أعاد تشكيل لجنة التعديل. ثم طرح التعديلات لاستفتاء الشعب، لنجد أنفسنا فى مأزق بالغ الغرابة، فالتعديلات، حتى لو رفضها الشعب، تعنى إحياء دستور 1971، وهو ما يعنى بدوره عدم شرعية قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبلاد، حيث لا يوجد فى الدستور المذكور شيء اسمه (المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، وهو ما يعيدنا إلى المربع رقم واحد، التشكيك فى كل قرارات المجلس وإجراءاته، بما فيها حل مجلسى الشعب والشورى وتعديل الدستور والاستفتاء عليه، ثم تسليم السلطة إلى فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب وقت تخلى الرئيس عن منصبه. الخروج من هذا المأزق أفضى بنا إلى مأزق أخر تمثل فى إعلان دستورى صدر يوم 29 مارس تضمن موادا وافق عليها الشعب وموادا أخرى فرضها المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون أن يتيح حتى فرصة حوار مجتمعى بشأنها!! (هل كان يجب إضاعة 45 يوما لنعود من جديد لإعلان دستورى أصبح مأزقا دستوريا؟؟).
وبعد صدور الإعلان الدستورى، وقبله قانون الأحزاب، بدأ (حوار القوى الوطنية) دون أن يعرف أحد معايير اختيار (ممثلى القوى الوطنية) سواء التى شاركت فى الحوار أو التى لم تدع إليه، ولا يعرف أحد أجندة الحوار أو الهدف منه؟؟؟!!!
أشك كثيرا فى أن ما يجرى فى مصر منذ 11 فبراير وحتى الآن، هو الأسلوب الأمثل لحماية الثورة، فضلا عن إعادة بناء مصر، إلا إذا كان المطلوب إعادة بنائها وفق سيناريو معد مسبقا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال ممتاذ
محمود يوسف بكير- مستشار إقتصادي ( 2011 / 4 / 1 - 20:09 )
ِشكرا با أستاذ هاني على المقال الممتاذ


2 - فيخاطر سميرة
محمد ( 2012 / 5 / 18 - 15:08 )
المؤسسة العسكرية المصرية ومسئولية حماية الثورة




هانى عياد
الحوار المتمدن - العدد: 3323 - 2011 / 4 / 1 - 16:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

Share on facebook Share on favorites Share on google Share on twitter More Sharing Services


أضفى الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة مزيدا من الغموض على الكيفية التى تحكم مسار (المرحلة الانتقالية) الراهنة، ثم جاء (الحوار الوطنى) ليطرح من التساؤلات، الممزوجة بالدهشة وربما الارتياب، أكثر مما يقدمه من إجابات.
وظنى أن الثقة التى أولاها الشعب للجيش، وللمؤسسة العسكرية، لا تغلق أبواب الخلاف والاختلاف، ولا تحيل التساؤلات إلى اتهامات، بل تستدعى قدرا من المصارحة والوضوح.
استقبل ثوار يناير ومعهم الشعب المصرى قرار نزول الجيش إلى الشارع (بعد ظهر الجمعة 29 يناير) بقدر كبير من الارتياح والترحيب، وانضم شعار (الجيش والشعب أيد واحدة) إلى مجموعة شعارات الثورة، واعتقد الجميع أن الجيش نزل إلى الشارع لحماية الثورة التى فشلت أجهزة داخلية النظام السابق فى إجهاضها، وسرعان ما

اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا