الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيار الديمقراطي بين هَم الأمل وثقل العمل (1)

غالب محسن

2011 / 4 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 14


في 26 آذار 2011 أنبثقت لجنة تحضيرية مؤقتة في مبادرة أجتماع تداعى له ممثلي بعض القوى والمنظمات والجمعيات والروابط ومن بعض الشخصيات السياسية والفنية والأجتماعية (من بينهم كاتب هذه السطور) ممن يوحدهم الهم الديمقراطي في العراق.

الهدف الرئيسي لهذه اللجنة المؤقتة هو التحشيد والتحضير لعقد مؤتمر تأسيسي للتيار الديمقراطي العراقي في مدينة يتبوري / السويد ، يتسع لكل القوى السياسية والمنظمات والجمعيات والنوادي والروابط المهنية والجماهيرية ، النسوية والشبابية ، ومن الأدباء والفنانين والشخصيات الأجتماعية ، وكل عراقي ، بغض النظر عن أنتمائاته الأثنية والدينية والسياسية ، يؤمن بقيم الديمقراطية وحقوق الأنسان ، لبناءِ عراقٍ من غيرِ قتلٍ ونهبٍ وطغيان ، يتمتع فيه الجميع ومن مختلف القوى والأديان ، بالحرية والكرامة والأمان ، في عراقٍ ديمقراطيٍ متعددِ الأطيافِ والألوان...

هذه تأملات أولى ، ستتبعها أُخرى ، في ضوء ما دار من حوار في الأجتماع الأول ، أفكار للتأمل ، ليست مزاعم ولا خطابات سياسية ، فأنا خصم للأخيرة ، يعني ناقداً لها . أنها دعوة للجدال ، لا للمحال ، تيار ديمقراطي عنوان المقال .

خير الكلام قليله

لا يخفى على أحد أن صاحب هذ المبادرة والقوى الدافعة والمحركة لها هو الحزب الشيوعي العراقي وأصدقاءه ومحبيه ، وليس في هذا غرابة . فالحزب كان ومازال مبادراً لتجميع الجهود والقوى المخلصة خصوصاً عندما تشتد الأخطار و تتأزم الأوضاع كما هي عليه الآن ، واضعاً المصلحة الوطنية في صدارة أهدافه . وهذا سعي يحسب له لا عليه حتى وأن كانت هناك حسابات أخرى ، فهذا أمر شائع في السياسة . فليس من الحكمة أن يقوم الحزب بتجميع نفسه ومنظماته وجمهوره وحلفاءه في منظمة جديدة دون أن تكون له خطة سياسية تكتيكية أو أستراتيجية . أن تشكيل مثل هذا التيار والعمل المثابر من أجل توسيع قاعدته وجمهوره توفر فرص أفضل بالتأكيد في الضغط السياسي وربما واقعية أكبر في الوصول الى البرلمان أيضاً .

فمن جهة أنما يعبر هذا الجهد عن وعي الحزب بضرورة الأستعداد لما هو قادم وهو أعظم بكثير ، كما أظن وهو ليس أثماً هنا ، ومن جهة أخرى فأن هذه المساعي أكثر عملية ، ومقبولة في الثقافة الحزبية السائدة ، مقارنة ببدائل أخرى ، مثلاً تبني أسماً آخراً للحزب ، الأمر الذي ناديت به منذ أكثر من عشرين عاماً .

تلك هي خلفية المبادرة .

أعرف نفسك ، أول المهمات

وفي حيثيات المبادرة أيضاً ، فأن تأسيس مثل هذا التيار بات ضرورة مُلِحّة لتجميع كل القوى الديمقراطية في جبهة واسعة من أجل مواجهة التحديات الصعبة التي يمر بهما العراق . وللذي يرغب في التعمق " النظري " ما عليه ألا البحث اليسير وسيلقى الوفير ، حيث أنبرى الكثير في التحليل والتفسير، وأختار أبلغ الصياغات في التعبير ، والميدان يتسع للمزيد من التنظير ، لتأكيد ضرورة التفكير ، بحتمية التيار في الأول والأخير .

بعد ذلك ، يبدو السؤال حول لماذا هذا التجمع لا معنى له وأن تبادرت للذهن وساوس أخرى من كل هذا الحماس والأقلام والأعلام والعُلام ... لكن هذا ليس قصد هذه التأملات .

" أعرف نفسك " قالها سقراط منذ أكثر من ألفين عام وهو السؤال الذي عبَّر عن جوهر الحكمة الأغريقية للوصول للمعرفة . هنا في هذا السياق يصبح السؤال مشروعاً : ماذا نُريد ؟ بعبارة أخرى ماهية المهمات . هذا السؤال مفصلي ، فيه قد نفترق وقد نلتقي . من نحن وماذا نريد يُقرر الى حد كبير شكل ومحتوى وآليات عمل هذا التجمع أذا شئنا أن نؤسس تجمعاً ديمقراطياً حقيقياً غير نخبوي .

أن يكون هذا التيار رافداً في الحركة الديمقراطية العراقية والعالمية ، أمراً ليس بحاجة لتأكيد ، كما نحن أخوة في الأنسانية ، لكن ذلك لا يعني أننا نواجه ذات المهام ، في التفاصيل على الأقل ، وهذا أمر هو الآخر ليس بحاجة لكلام كثير ، لكل عاقل بصير ، لا أود الأطالة في هذا المدخل أحتراماً لعقل القارئ .

مهمات تضامنية لا ميدانية

قد يتبادر الى الذهن لأول وهلة ، ليست بنا حاجة الى ، أو لماذا تيار ديمقراطي عراقي في السويد ، البلد الأكثر ديمقراطية ومساواة ونزاهة في العالم . قد يبدو الجواب مفهوماً لا السؤال ، فالمهمات ستكون صوب الوطن الأم العراق وليس السويد . يا لبساطة الجواب وسذاجة السؤال . نعم قد يكون هذا تأكيداً زائداً عن الحاجة ، لا معنى له ، لكن الوقائع تقول غير ذلك . فالكثير منّا يدفعه الحماس وينسى حقيقة واقعنا الذي نعيشه ويريد أن يجعل من مهامنا ، هنا في السويد ، في ذات المستوى والمحتوى مع مهمات القوى العاملة في الداخل مع تعديلات طفيفية. هذه عاطفية حتى وأن تغلفت بالثورية ، فالواقعية هي أن ترى ماهي الأمكانيات ، مجمل الظروف والوقائع .

مهماتنا ، من هذا المنطلق ، على الأرجح أخلاقية ومعنوية قبل أن تكون ميدانية ، وأن وجدت هذه الأخيرة فهي محدودة ، فصليل السيوف وكواتم الصوت ، والعبوات ، والدموع والدماء ، والعويل والبكاء ، كلها هناك ، رغم أننا نتقاسم الهم والغم والأحزان . فلنكن أذن عوناً وصوتاُ ، لا حلماً ، فعلاً معقولاً ومقدوراً عليه وأن كان بسيطاً ، لا تسطير شعارات هي بلا شك من أحلى الكلام . أن محتوى مهماتنا لا بد أن تكون تضامنية أساساً وهو ما ينبغي أن يُلخص مُجمل مهماتنا كتجمع ديمقراطي في الخارج .

أليكم بعض التأملات قد تساعد في تنشيط الذاكرة وأستفزاز العقل من أسره :

عناوين في السياسة ، للتأمل

1 . أذا كان ، كما أتصور ، من بين أبرز مهمات التيار الديمقراطي هي مراقبة السياسة ونقدها ، بمعنى أنه هنا أقرب الى منظمات المجتمع المدني ، أي يتفوق على السياسة لأنه متحرر منها ، فكيف أذن نريده أن يكون جزءاً منها ؟ ألا يفقده هذا تميزه وتفوقه (أنظر الفقرة 6 ) ؟ أنه تسائل أكثر من زعم ليس عندي له أجابة جاهزة ، لكن تأملات بلا قيود .

2 . أذا كان هدف هذا التجمع الجديد ، سياسياً في الأساس ، كما عبّر العديد من المساهمين في اللجنة التحضيرية المؤقتة ، فأن هذا يعني من بين ما يعنيه تشكيل أئتلاف سياسي جديد مهما تفننا في محاولة الأحتماء وراء التسمية . لسنا هنا بحاجة للتنظير ، فلكل أئتلاف سياسي أهدافاً سياسيةً محددةً بما فيها الوصول الى البرلمان وربما السلطة أو المشاركة فيها . أذا كان الأمر كذلك فما هي حجتنا في أقناع المنظمات والجمعيات والروابط والنقابات والشخصيات للأنضمام للتيار وهي كلها ليست لها أجندات سياسية مباشرة و " طموحات " كما عند الأحزاب.

3 . حتى في المنظمات التي تتبنى تقليدياً ذات المبادئ والأفكار للقوى الرئيسية في هذا التيار ، وأقصد الحزب الشيوعي تحديداً ، تدور نقاشات جادة للتخفيف من عبئ وثقل السياسة في برامجها وهي على حق أذا شاءت أن لا تنعزل عن الجمهور وتبقى مجرد نخبة فوقانية ، ألتفاتة واقعية لا يقلل من أهميتها أنها جاءت متأخرة بل هي لا تخلو من الشجاعة .

4 . النضال من أجل الديمقراطية ليس حكراً أو مُلكاً للسياسة ، وليست قطعاً لليسار منها ، فهذا النمط من التفكير من مخلفات الماضي . فالديمقراطية ، تأريخياً ، ليست نتاجاً للشيوعية أو الأشتراكية أو حتى اليسار عامة بل تمتد بواكيرها الى المجتمع الأغريقي القديم وهي من خير منتجات الثورة البرجوازية والتطور الرأسمالي عموماً . وبعد أنهيار التجربة الأشتراكية لم يعد الخلاف في مفهوم ومكونات القوى الديمقراطية مبرراً ويكاد يكون مقبولاً عند الجميع أن القوى الديمقراطية ليست قاصرة على قوى اليسار فحسب . هذا الأقرار يتطلب تحرر فكري قبل الأعتراف اللفظي وألا تبقى مصداقية التيار موضع شك وريبة .

5 . من الجدير التذكير هنا بأن من أجبر سيرك البرلمان العراقي على الأنعقاد بعد الأنتخابات الماضية هي منظمات المجتمع المدني وجمهورها ، لا غيرها ، بعد أن عجزت السياسة عن ذلك . ألم يحن الأوان لأن نثق ونمنح المنظمات الغير سياسية حقها ودورها في المجتمع ، وفضاءاً أوسعاً لتنفس هواء التغيير الذي يعم عالمنا خاصة ، أقصد عدم أغراقها بالسياسة .

6 . السياسة في بلداننا ، عموماً ، باتت مقيتة ، وأنحدرت ثقة الناس فيها الى الحضيض ، وأن كان هناك ممن يسميهم الناس " أصحاب الأيادي البيضاء " فأنه لا يغير من هذه الحقيقة ، الفاجعة .

أن دروس الحاضر في التجربة التونسية و خاصة التجربة المصرية أثبتت حقيقة فشل السياسة بالمفهوم التقليدي ونفور الجمهور منها بل وأنكفأت أحزاب لها باع طويل في ساحات السياسة . أن ثورات الفيس بوك ستفرض بالقوة ، تغيير أنماط تفكيرنا قبل أساليب عملنا وأن بعد حين وأنا على ثقة في هذا كما كان أينشتين متأكد من لامحدودية الجهل.

7 . لست متيقناً ما أذا كانت النوايا الحسنة تفيد في السماء أم لا ، لكنها لا تكفي قطعاً على الأرض ، الأعمال والنتائج هي المحك . فنحن ما زلنا نعاني ، في الممارسة لا القول ، من ثقافة غير ديمقراطية لا تقبل الجديد بل كثيراً ما يجري الأستخفاف بذلك الجديد بذرائع تبسيطية وتسلطية ذات هيمنة فكرية تُذَكِّر بثقافة الأيام الخوالي .

يتبع (2)

د. غالب محسن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة