الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحريرالإقتصاد فى ظل القمع السياسى .. هامش على أسباب ثورة تونس ومصر

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


تواترت الأنباء من ( الصين الشعبية ) على أن هناك أهتمامآ متزايدآ من جانب القيادة الصينية بمتابعة الأسباب الدافعة لقيام ثورتى تونس ومصر .

وأرجعت التحليلات أهتمام الحزب الشيوعى الصينى برصد هاتين الثورتين إلى تشابه النموذج السياسى والإقتصادى الصينى مع معطيات الحالة فى تونس و مصر وحيث يتوافر وجود حزب واحد قابض على السلطة مع غياب للتعددية السياسية فى ظل أقتصاد ينشط وفق آليات السوق الرأسمالى وجهازالأثمان السعرى .

وفى واقع الأمر فأن أدرك حقيقة التقاوت بين عملية التحريرالإقتصادى من جانب , وبين أستمرار واقع الجمود والقمع السياسى والحرياتى من جانب آخر – يلقى ضوءآ على أحدأهم العوامل الحركة للثورة فى تونس ومصر .

ففى العهد النوفمبري بتونس تمت خصخصة معظم مؤسسات و شركات القطاع العام ، وحيث تم تفويت كثير منها بأسعاربخسة أدنى من سعرها الحقيقي . وحيث لعب الفساد دورا كبيرا في هذا الإطارعبر بعض المتنفذين والمحيطين بهرم السلطة خاصة عائلة الطرابلسى زوجة الرئيس والمحيطين بهم .

واللافت أن منحى الخصخصة التونسية كان يحظى بتقدير مؤسسات التمويل الدولى وحيث أشار صندوق النقد الدولى في تقريره عام 2010 إلى أن " الإقتصاد التونسى يحقق نموآ مطردآ وتوازنآ صحيحآ وأن هناك مكاسب كبيرة تحققت في خفض الدين العام " – وهو الأمر الذى دحضه واقعيآ " محمد بو عزيزى " والثورة بعد شهور قليلة .

وذات الأمر ينطبق على عهد مبارك وحيث جرت خصخصة العديد من شركات القطاع العام فى كافة المجالات تنفيذآ لبرنامج التكييف الهيكلى وتوصيات أجندة خبراء صندوق النقد الدولى , وحيث تم بيع عشرات الشركات العامة لمستثمرين محليين وأجانب قدر عددها في مطلع التسعينيات بنحو 314 شركة ثم تضاعف هذا العدد لما يقارب 600 فى نهاية العام 2010 .

ومن هنا يمكننا القول بأن قائمة الأعمال الرئيسية للدولتين التونسية والمصرية كانت تدور – منذ بداية عقد التسعينيات – حول هدف التمكين لعمليات خصخصة وبيع شركات ومؤسسات القطاع العام الحكومى , وفتح الطريق أمام تحرير السوق وتطبيق قوانينه وآلياته .

وكان الخطأ الأكبر لصفوات الحكم فى كلا البلدين أنها رأت فى نموذج " الخصخصة " مجرد قرين لأفكار الإصلاح الإقتصادى , وعمدت إلى أنتزاعها من سياق ومكونات النموذج الليبرالى السياسى والإجتماعى الحاضن لها .

فالثابت أن رفض طرح " الخصخصة " ضمن حزمة سياسات متكاملة هدفها تنشيط السوق السياسى و الإجتماعى وتحرير مبادلاته أثرسلبيآ على تحالف السلطة الحاكم فى كلا البلدين , وأوقع أطرافه فى تناقضات يتعين الإنتباه اليها .

فالبنسبة لعناصر ( البيروقراطية العليا ) التى ساهمت بدور أدارى وأجرائى لا يمكن جحده فى تفعيل الخصخصة فقد فشلت عند نهاية المطاف فى ضبط أيقاع حركتها العامة مع التوجهات الإقتصادية الجديدة , فضلآ عن أن قواعدها العتيدة وصلت إلى قناعة بعدم توافق مصالحها على المدى البعيد مع الشكل الإنتقالى الإقتصادى للدولة .

ومن اللافت هنا – ملاحظة أن سياق التكيف مع هذه الأوضاع الجديدة أتاح لبعض عناصر ( التكنوقراط من مديرى القطاع العام والحكومى ) الإنفصال عن البيروقراطية القديمة للدولة , وحيث سهلت لهم الخصخصة حيازة مقادير واضحة من سلطة ( تقيم الأصول و أجراء البيع ) باتت مولدآ مؤثرآ لثروتهم وصعودهم الإجتماعى فيما بعد .

أما رأس المال الإحتكارى ( ومركبه الصناعى والعقارى والمالى من الشريحة الرأسمالية العليا ) فقد أدرك منذ البداية أن حماية موقفه الإحتكارى وتوسعه الأفقى فى السوق المحلى رهن بازاحة القطاع العام وأدوات السيطرة الدولتية من طريقه , وكبديل عن مخاطر توسعه الرأسى و أصطدامه مع رأس المال الخارجى العابر .

ولكن مع تقدم الخصخصة الإقتصادية أفضت الممارسات الإحتكارية لهذه الشريحة – لاسيما فى المجال الصناعى – إلى مزيد من الإعتماد على أستيراد مسلزمات الإنتاج ( السلع الرأسمالية والوسيطة ) وبشكل أصبحت مسئولة معه عن عجز الميزان التجارى , فضلآ عن تقاعدها عن التشابك مع القطاعات الإقتصادية المحلية , والإخفاق عن رفع معدلات التشغيل العام .

أما ( الجناح العسكرى لنظامى الحكم فى البلدين ) فقد سعى مع تدشين سياسات الخصخصة إلى توطيد شراكته مع القطاع الخاص وباعتباره القوة القادمة التى ستهيمن فى مرحلة عملية أعادة التكوين الرأسمالى .
وقد عززهذا التعاون دورالنخبة العسكرية المسئولة عن الجانب الإقتصادى للمؤسسة العسكرية , وعن المفردات المدنية و الشئون التجارية الخاصة بها , حيث تشكلت نواة لما يمكن أن نطلق عليهم ( رجال الإنفتاح العسكرى ) يتفاعلون مع قوى السوق وجهاز أثمانه السعرى , ويؤرقهم أستمرار وجود القطاع العام فى قيادة الدولة وعلى خريطة الإقتصاد الوطنى .

وفى الواقع فأن ( أبن على ومبارك ) لم يستوعبا تأثير برامج الخصخصة على عملية التطور الديموقراطى والسياسى والتناقضات والتفاوتات الرافدة لذلك , وأنعكاس هذا على التحالف المسيطر على أداراة الحكم وعمليات النظام .

فالخصخصة التى تمت بمعزل عن سياقها السياسى والإجتماعى وتحت آليات التسلط والقمع الحكومى حالت دون تهيئة المسرح لظهور أفكار التعددية السياسية وأنتاج نخب ليبرالية تؤمن بقيم الحرية السياسية والإقتصادية , وتكون قادرة على فرز مصالحها وتنظيم حركتها على مسرح السياسة والعمل العام .

كما أخفق الحكم فى كلا البلدين عن دمج ومشاركة الجماهير فى التجربة , وتوفيرالأرضية السياسية اللازمة لذلك ,الأمر الذى أفضى فى النهاية لإحتقانات وضغوظ ونفقات سياسية , وحيث عجزالتكوين الإجتماعي عن الدخول فى حقبة جديدة من مراحل تطوره الإقتصادى والسياسى على حد سواء .

ومن هنا فأن الدرس الذى يتعين أستيعابه فى ضوء تجربتى تونس ومصر أن الخصخصة تظل رهنآ بأجراء ( أصلاح دستورى وسياسى وأجتماعى شامل ) يواكب التغيرات المصاحبة لعملية إنتاج ونمو الرأسمالى يهيمن عليه القطاع الخاص فى ظل أليات السوق وجهاز الأثمان .

ففى نموذج الحالة بتونس ومصر كانت هناك حاجة ماسة لإعادة هندسة الخريطة السياسية والحزبية ومراجعة أنظمة المشاركة والتمثبل السياسى وبما يتوزافق مع المعطيات الإقتصادية المغايرة ومع صعود قوى جديدة على الساحة ولمواجهة عوامل عدم الإستقرار فى الدولة والمجتمع .

الحديث عن ( مجرد / خصخصة إقتصادية ) هو حديث مشوه ومبتسر ومقطوع ما لم ترفده ضمانات حقيقية بشأن عقد سياسى وأجتماعى للناشطين فيها .. فلا خصخصة بدون أعادة هيكلة النظام السياسى والدستورى ودون القضاء على الفساد المالى والمؤسسى ودون علاج إختلالات نظام توزيع الدخل بين الفئات الإجتماعية , والفجوات المتزايدة بين الإغنياء والفقراء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن بدء مناورات تشمل أسلحة نووية تكتيكية قرب أوكرانيا


.. إسرائيل ترد على طلب الجنائية الدولية بهجوم على الضفة الغربية




.. السعودية وإسرائيل.. وداعأ للتطبيع في عهد نتنياهو؟ | #التاسعة


.. لماذا جددت كوريا الشمالية تهديداتها للولايات المتحدة؟




.. غريفيث: دبلوماسية قطر جعلتها قوة من أجل الخير في العالم