الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيارالانتخابات المبكرة الاسرائيلية

احمد مجدلاني

2004 / 10 / 21
القضية الفلسطينية


الأزمة السياسية العاصفة التي تمر بها إسرائيل ، ومن ثم حكومة شارون باعتباراها عنوانا لهذه الأزمة ، هي تعبير حقيقي وجوهري عما وصل إليه الحال داخل المجتمع الإسرائيلي من حراك اجتماعي وسياسي حول الموقف من عملية السلام والتسوية السياسية مع الفلسطينيين ، وهذا التحول ليس وليد سياسة التعبئة والتحريض العنصرية التي لجأ إليها أقطاب اليمين الديني والقومي المتطرف ، خلال السنوات القليلة الماضية لمعارضة عملية السلام التي انطلقت في مدريد آنذاك، وإنما جاءت أيضا نتيجة لتغير في البنية الاجتماعية التي تولدت بالهجرات التي تدفقت على إسرائيل مطلع تسعينات القرن الماضي والتي حملت معها أغلبية ذات توجهات دينية متطرفة، أحدثت تحولا في التركيبية الاجتماعية للمجتمع الإسرائيلي وأصبغته بصبغة مختلفة نوعا ما عما بدا فيها عند تأسيس الدولة اليهودية التي غلب عليها ولو على الأقل من ناحية الشكل وطابع النظام السياسي العلمانية .
وعليه فإن كلا من الحراك الاجتماعي الحاصل والتعبئة والتحريض العنصري في المجتمع الإسرائيلي كان أول من دفع ثمنها رئيس الوزراء الإسرائيلي ما قبل الأسبق رابين ، والمواطنين العرب الأصليين حيث بات سن وتشريع القوانين العنصرية التي تمس حياتهم اليومية ومستوى معيشتهم والخدمات الصحية والتعليمية والتأمينات الاجتماعية وغيرها ليست مهددة بالتقليص فقط وإنما بالشطب الكامل مما يهدد مستقبلهم ومستقبل أولادهم .
وإذا ما كانت ما ستفرزه عملية السلام من معطيات وأولها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ، واتي يراها المتطرفون تهديدا لدولة إسرائيل فإن الأوهام التوراتية الغيبية الأخرى التي تسيطر على قطاع مهم من هؤلاء المتطرفين إلى جانب نشوء مصالح مباشرة لدى أوساط مهمة في المجتمع الإسرائيلي ويأتي المستوطنين كراس حربة لهذه الأوساط ، فإن هذه الأوساط ترى مصلحتها في مواصلة سياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية ومنع قيام الدولة الفلسطينية ، مما يضعها في تناقض مباشر مع عملية السلام والتسوية السياسية أيا كان شكلها، مع تبني خيارات أخرى للحل من وجهة نظرها وفي مقدمتها الترانسفير والطرد الجماعي للفلسطينيين بما فيهم سكان دولة إسرائيل.
إن شارون وهو يواجه أزمة حكوميا جديدة وجدية تنطلق من حزبه أولا ومن تحالفه السياسي ثانيا ، فإنما يواجه سياسية كان هو احد صانعيها وإذا ذهبت بنا البراءة إلى ابعد من ذلك فإننا نقول انه وقع في شر أعماله .
وهو عندما يحاول تدوير الزوايا من خلال استغلاله وتوظيفه للحظة التاريخية التي تمر بها إسرائيل من تحالف استراتيجي غير مسبوق مع إدارة الرئيس بوش الابن ، ومن اختلال في موازيين القوى الدولية ، ومن انهيار للنظام الرسمي العربي وفي مقدمته الأمن القومي العربي الذي تهتك وانقسم وأصبح بعضا منه بعد احتلال العراق جزء من مشروع الأمن الاستراتيجي الأمريكي ، فإن شارون وفي ظل قراءته لهذه المعطيات يسعى لانتزاع حل تاريخي يضمن تفوق وبقاء إسرائيل ، ويفرض حلا مجحفا على الفلسطينيين والعرب ، تبلور لديه في صورة الحل القائم على الفصل الأحادي الجانب .
لقد واجه شارون مرارة الهزيمة داخل حزبه خلال الأشهر القلية الماضية أكثر من مرة، الأولى عندما طرح خطته حتى بعد إجراء تعديلات عليها داخل الائتلاف الحكومي وسقطت والثانية عندما عرضها على الاستفتاء على منتسبي الليكود ، والثالثة عندما حاول الهروب للأمام وتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العمل وسقط اقتراحه داخل مركز الليكود والرابعة في التصويت على بيانه السياسي قبل أسبوعين ، وفي كل تجربة من هذه التجارب كان يتعزز دور وقوة ما يسميهم بالمتمردين داخل الحزب والائتلاف الحاكم ، وتضعف وتتآكل قوته لصالحهم .
ومع اقتراب الاستحقاق المطلوب ورغم ما فعله في غزة من تدمير ممنهج لبنيتها النحتية الاقتصادية والبشرية ، لإقناع معارضيه بان خطة الانسحاب من غزة لا تعني سوى إعادة انتشار للجيش وليس الانسحاب النهائي من القطاع ، فإن ممارسة الضغوط عليها توالت من داخل الليكود أولا بطلب الاستفتاء على الخطة من الشعب مباشرة بدلا من الذهاب للكنيست للتصويت عليها ، والتي بدى إن الخطة ستحظى بأغلبية بفعل أصوات المعارضة وليس بفعل أصوات الائتلاف الحكومي مما يضع علامة استفهام على ضرورة بقاء الائتلاف إذا كان سياسيا منقسما على نفسه .
إن خشية شارون من الذهاب لاستفتاء شعبي لا تبدو أنها ناشئة من الخشية من سقوط الاقتراح وإنما تعني شيئا آخر ومهما يتصل بشرعية حكومته التي يستمدها من الكنيست، وهذه الشرعية قد أصبحت موضع شك كبير ، وبالتالي وحتى لو كانت نتيجة الاستفتاء مضمونة إلى جانبه فإن ذلك سيشكل سابقة خطيرة وسيفتح الأبواب على مجالات أخرى للاستفتاء على قضايا أخرى لاحقا مثل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين الفلسطينيين ، أو أن الاستفتاء سيجد من سيطعن بنتائجه لأنه لا يملك أغلبية قومية
( يهودية ) باعتبار أن الصوت العربي لا قيمة له ولا يدخل في الحساب القومي .
إن خيارات شارون أصبحت تضيق مع محاولته لفعل أي شيء لتمرير مشروعه للفصل الأحادي الجانب لامتصاص ردة الفعل الدولية الذي فضح أهدافه ومراميه احد صناعه فايسغلاس وبالتالي كل محاولة لتعطيله ووضع عقبات أمامه تزيد من مأزق الحكومة داخليا ومن عزلة إسرائيل خارجيا .
ورغم إن خيار الذهاب للتصويت في الكنيست مازال قائما في الرابع والعشرين من الشهر الجاري ، وهو ما يسعى إليه شارون وبيرس ، فإنه ورغم ذلك فإن الذهاب لانتخابات مبكرة في ضوء نتائج الانتخابات الأمريكية في الثاني من الشهر القادم يبقى خيارا مطروحا للخروج من المأزق خاصة إذا ما نجح مرشح الحزب الديمقراطي الذي سيضطر للتعاطي بطريقة أخرى مع عملية السلام في المنطقة . وقد يكون إصرار شارون على اخذ موافقة الكنيست على مشروعه الآن وقبل نتائج الانتخابات الأمريكية كمحاولة لفرض الآمر الواقع لمواجهة أي تغيرات محتملة .
خيار الذهاب لانتخابات مبكرة هو المفضل لدى المعارضة رغم ضعفها الذي تقدمه استطلاعات الرأي العام ، وهو الملاذ الأخير لشارون للهروب من مأزقه الداخلي ، ومحاولة للتخلص من بعض الرموز المزعجة في الليكود ، إن هذا الخيار سيتأكد ما بعد نتائج التصويت في الكنيست أولا ، ونتائج التصويت في الانتخابات الأمريكية ثانيا .
وإذا ما كانت هذه خيارات شارون فهل لدى الفلسطينيين سوى خيار المضي بالأعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية من مخرج من مأزقهم الداخلي والخارجي الذي يتعمق مع مرور الوقت وتزداد كلفته يوما بعد يوم .
رام الله
19.10.2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجبهة اللبنانية تشتعل.. إسرائيل تقصف جنوب لبنان وحزب الله ي


.. بعد عداء وتنافس.. تعاون مقلق بين الحوثيين والقاعدة في اليمن




.. عائلات المحتجزين: على نتنياهو إنهاء الحرب إذا كان هذا هو الط


.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي




.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال