الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة السعودية في مصر .. الاضرحة مقابل ايران

سليم مهدي قاسم

2011 / 4 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية



يجب الاعتراف ان اجمل الثورات التي تشكلت في المنطقة على مدار تاريخها ، هي الثورة المصرية ، فهي الوحيدة التي حافظت على زخمها وقوتها ورسوخ مبادئها وتشكلها من خلال فكرة الجماهير التي تتحرك بواسطة شبكة الاتصال الحديثة ، وهي بذلك تنتمي الى عصر جديد وفكر جديد وحياة جديدة ، كما ان عدم تقاعسها في التمسك بشروط الحياة المدنية التي تشكل البنية الاساسية في المجتمع المصري ، هي التي جعلت الثورة تلاقي الاحترام من قبل الجميع سواء على مستوى الداخل او الخارج .
بنية المجتمع المصري مدنية بامتياز وهي الاقدم والاعرق في المنطقة والعالم بعد الحضارة السومرية البابلية ،وعلى مدار القرون منذ الحضارة الفرعونية وحتى الان ، تشابكت هذه البنية مع بنية اخرى ريفية ولكنها في النهاية كانت دائماً تنتصر لنفسها وتخرج كما لو انها تحتفظ بطينها الاول ، طين الحضارة والمدنية ، هذه المدنية المصرية ، كان البحر دائماً فاصلاً بينها وبين البدو حيث السعودية ( وانا هنا لا اريد ان اقلل من اخلاق البداوة ، وانما فقط انبه الى اختلافها بنية وتركيباً عن الحضارة المدنية والريفية ) ، كان هذا البحر هو الفاصل بين حضارتين ففي اوقات معينة كانت هاتان الحضارتان تبحثان عن عناصر مشتركة تجمعهما ، وفي احيان اخرى تفترقان وتتهدم الجسور بينهما ، وقد لعب الاقتصاد عنصراً فاعلاً في طبيعة هذه العلاقة ، والذي كثيراً ما انعكس فعلياً على تركيبة المجتمع وهيكليته ، ولعل الشد والجذب الذي حصل ولازال بينهما ، هو تزعم مرجعية المذهب الاسلامي السني بين الازهر في مصر والمذهب الوهابي الذي لا يملك هيكلية تنظيمية كما هو في الازهر والذي شكل حجر الزاوية في الالتقاء والافتراق بين هاتين المرجعيتين ، ثم أنّ تاريخ مصر الفرعوني وفيما بعده الفاطمي انعكس على طبيعة المذهب السني الذي كان ميالاً الى التصوف على العكس من المهذب الوهابي الميال الى السيف بسبب طبيعته البدوية ، كلّ هذا جعل التحول في بعض الاحيان الى طبيعة دراماتيكية تنعكس سلباً على مصائر الناس .
ثمة ثلاثة احداث ، حدثت في الايام الاخيرة ينبغي علينا الربط فيما بينها .
أول هذه الاحداث هو التصريح الذي قاله وزير الخارجية المصري الجديد نبيل العربي ، والذي اشار فيه بان مصر بعد الثورة ليس لديها مواقف مسبقة مع ايران وهي على استعداد لفتح صفحة جديدة مع هذا النظام ، ومثل هكذا تصريح يثبت بان الثورة المصرية ليس ثورة داخلية فقط وانما هي ثورة خارجية ، بمعنى ان سياستها الخارجية ايضا في طريقها الى ثورة عظيمة شبيهة بالثورة الداخلية ( وانا هنا لا اقول بأن النظام الايراني ، نظاماً مسالماً بما يخص الجيران العرب ، بل على العكس كان النظام في ايران هو الآخر مثله مثل السعودية ، كثيراً ما كان جزءاً من العنف الذي اصاب المنطقة ) ولكن ما اردت ان اقوله هو أنّ الثورة في مصر تريد ان تبني علاقات سلمية مع الجميع ، خاصة وان مصر لا تصل اليها الايدي الايرانية ، وبالتالي فإنها كانت في زمن مبارك ، تتحرك وفق اجندة المنطقة لا اجندتها الداخلية ، وهذا ربما اشدّ ما كان يربك السياسة المصرية الخارجية ، بعد ان جعلت نفسها مربوطة بحبل الى عمود السياسة السعودية المزروع في وسط الصحراء ، التي ترى في ايران الشيعية مصدراً مهما لزعزعة مكانتها التاريخية والمذهبية والسياسية في المنطقة ، وكثيراً ما استعانت بالعنصر المصري باعتبار مصر دولة تملك من الثقل ما لا تملكه السعودية نفسها ، ولعل احداث البحرين بكل تفاصيلها ( الثورة .. حسن نصر الله .. ايران .. درع الجزيرة .. ) وغياب الدور المصري في كل هذه الاحداث شكل عنصر مفاجأة للسعودية التي رأت نفسها وحيدة في هذه الاشكالية ، وهذا دليل كبير على تغير السياسة المصرية الخارجية .
الحدث الثاني المهم هو قيام الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وخلال خطابه بعد المظاهرات التي خرجت في السعودية من الطائفة الشيعية هناك ، ثم تحريمها من قبل هيئة كبار العلماء ،وعدم تدخل الازهر في هذه القضية هو الاخر شكل عنصر مفاجأة للجانب السعودي ، جعلت الملك وخلال خطابه بأن تكون هيكلية تنظيمه لما يعرف بهيئة كبار العلماء وموضوعة الافتاء ايضا، وكأنه بهذا الاعلان يحاول ان ينظم هيكلية تشبه في مرجعتيها الى حد بعيد هيكلية الازهر ، وهذا يؤكد بأن مصر بشكلها الجديد وحتى بهيكليتها الدينية لم تعد جزءاً من المذهب الوهابي في السعودية .
الاحدث الثالث وهو الابرز : قيام مجموعات سلفية في مصر بالاعتداء على حرمة التراث الشعبي المصري من خلال هدم الاضرحة الدينية او ما تعرف بالمزارات ، حيث قامت هذه المجموعات بهدم اكثر من 200 ضريح في اسبوعين ، بل وصل الامر بالتهديد بهدم مزارات تاريخية في مصر مثل مسجد السيدة زينب وغيرها من المزارات ، ولا يخفى على الجميع بأن هكذا افكار ( هدم الاضرحة ) هي افكار ايدلوجية تعود للمذهب الوهابي في السعودية ، حيث ان هذه الايدلوجية والتي بنيت على اساسها الوهابية بتكفير ( عبدة الاضرحة!!!! ) هي افكار مستوردة على الثقافة المصرية وليست جزءاً لا من الثقافة ولا المذهب السني في مصر ، وقد اعلنها صراحة شيخ الازهر بحرمة ( دينياً ) هدم الاضرحة والمزارات ، ومثل هكذا تصريح مهم جداً ، حيث ان دلالات هذا التصريح ،تقول علانية بأنّ الجسور التي بُنيت بين المذهب الوهابي والسنة في مصر قد تم قطعها تماما ً ، وهذه النقطة يجب ربطها بخطاب الملك الذي تحدثنا عنه في الفقرة الثانية .
بعد كل هذا يجب الاعتراف بأن السعودية منزعجة من الوجه الجديد الذي ولدت فيه مصر بعد الثورة ، وربما مساندتها لنظام مبارك ايام الثورة المصرية على حساب الشعب المصري لأنها كانت تعرف مسبقا من خلال مجساتها التي زرعتها في مصر ، بأن هذا الوجه سيلتفت الى ما يحقق له مصالحه من دون عدوانية مع الاخر اي كان نوعه ، جعلها تنحاز الى ما هو وراء الثورة ، اي الخطوط الخلفية التي ادخرتها لمثل هذه الايام ، وبذلك فان السعودية الان وحيدة تنظر الى الافق فلا تشاهد سوى السراب الذي تعرف مسبقاً انه لن ينقذها من عطشها .
هنا يأتي الدور السعودي الحقيقي في تعكير صفو الاجواء التي تعيشها مصر ، ذلك لتقول لمصر بعد مبارك ، بأنها لديها القدرة على الضغط في تغيير المعادلة ، وانها ليست ببعيدة عن مصر تماما ، وبذلك جعلت خيوطها ( التيار السلفي ) في مصر للتحرك في محاولة لأثبات اليد السعودية في الشأن المصري ، وانا ارى بأن هذا ( التيار السلفي ) في مصر والذي يحاول ان يزرع الفتنة هنا وهناك داخل المتجمع المصري مرّة من خلال المشروع الطائفي مع الاقباط ومرة مع التيارات الدينية الاخرى ، هو تيار سعودي يحاول ان يضغط على القادة في مصر من اجل ان لا تكون قريبة من ايران او اي مشروع اخر ، ترى السعودية انه يجب ان يظل بعيدا عن متناول المصريين .
كنت قد كتبت مقالة قبل ايام ونشرتها في الحوار المتمدن بعنوان (غياب طارق الحميد ... غياب للموقف السعودي ) ، وكنت قد لقت في هذه المقالة ان السعودية لا تملك القدرة على البوح بمواقفها ولكنها تترك طارق الحميد ليتكلم بالنيابة عنها .
هذا اليوم كتب السيد طارق الحميد مقالة في الشرق الاوسط ،اعلن فيها انزعاجه من مصر لما بعد مبارك وخاصة سياستها اتجاه ايران وحزب الله وانزعاج الحميد له ما يبرره ، فبالفعل مصر ما بعد مبارك لا تشبه مصر ما قبل مبارك في سياستها الخارجية ، وهذه المقالة يجب ان لا تقرء على انها موقف طارق الحميد بل هي موقف المملكة العربية السعودية .. ما يحدث في السعودية ما اكثر من الارتباك او العشواء في السياسة ، ومحاولة قتل مصر من خلال زراعة تيار سلفي على هامش مشروع الثورة ، ثورة ضد الثورة المصرية ، ضد كل الشعوب المدنية والحرة في العالم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال متكامل
جمال الهنداوي ( 2011 / 4 / 3 - 19:00 )
سيدي الفاضل..يسعدني ان احييك على هذا النص الذي لن اجامل ان قلت بانه من اكثر المقالات تكاملا مما اتيح لي الاطلاع عليه مؤخرا..ارجو ان تقبلني قارئا دائما ولك مني كل تقدير واحترام


2 - شكرا لك
سليم مهدي قاسم ( 2011 / 4 / 3 - 19:40 )
سيدي العزيز جمال الهنداوي .. شكرا لك


3 - ضغوط السعوديه
على سالم ( 2011 / 4 / 4 - 04:29 )
عزيزى الاخ سليم اتفق معك فى نقاط كثيره فيما يخص العلاقه بين مصر والسعوديه ولكننا لانعرف صراحه مالذى يدور فى كواليس السياسه ,السعوديه تضغط كثيرا على مصر من اجل ان لاتحاكم المجرم مبارك وذلك بسبب صفقات قذره قام بها الخائن مبارك الذى سرق شعبه وباع بلده الى السعوديه وسمح لهم بخسه بالغه ان يستعبدوا المصريين العاملين فى مملكه الفساد والسماح لهم بنشر الوهابيه العفنه داخل مصر ,تلوح الان السعوديه بطرد ملايين المصريين والذين يعملوا فى السعوديه وارجاعهم الى مصر اذا صممت مصر على محاكمه الطاغيه مبارك ,لاادرى اذا كان سيتم هذا السيناريو ام لا ,.نقطه اخرى تبدو لى غامضه وتخص الشعب السعودى المقهور من قبل الاسره المالكه الفاسده ,الا ترى سيناريو الثوره فى السعوديه فى وجه عصابه ال سعود والاطاحه بهم ام ان السعوديه سوف تكون حاله مستعصيه ,. لك شكرى


4 - تحليل رائع
احمد الربيعي ( 2011 / 4 / 4 - 14:59 )
شكرا للكاتب لقد وضعت النقاط على الحروف
ننصح كل مصري غير سلفي ان يقرا هذا المقال..وان ينتبه لبلده فلو تمكن السلفيون المصريون من الاوضاع في مصر ولو بمقدار ضئيل فسوف يندمون على عدم وضع حد لهؤلاء التكفيريون...اهم نقطه يجب الانتباه لها..ان السلفي المصري سابقا وحاليا وفي المستقبل ولاءه للسعوديه اكثر من بلده مصر لانه ياخذ الامور على اساس ديني عقائدي وليس على اساس وطني خصوصا ان ملامح السياسه المصريه فيها من التيارات العلمانيه بمختلف اشكالها الكثير والكثير..ولاء هؤلاء للسعوديه اكبر وسيخربون المجتمع المصري لاجل عيون ال سعود فيما لو لم توافق مصر على كل طلبات ال سعود

اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا