الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رياح التغيير في الوطن العربي

رضا الشوك

2011 / 4 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ان هذا الكائن الفريد الذي اسمه الانسان كان دائماً ولا يزال موضع التأمل والدراسة ضمن العلوم الطبيعية والانسانيه على حد سواء، وفي نطاق هذا الاهتمام والتساؤل تطورت الدراسات عبر الزمن وتبلورت بنشأة فرع جديد من فروع المعرفة اصطلح تسميته بعلم الاجتماع، وقد اهتم هذا العلم بدراسة الخصائص الانسانية من الناحية الاجتماعيه والثقافيه والعنايه ببحث الادراك العقلي للانسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصالاته لغرض التوصل الى مفهوم الوحدة النفسية والذهنية المشتركة بين البشر، ووسط اعاصير التغييرات الهائلة التي تتابعت بسرعة وبطريقه مكثفة والتي تأثرت معها حياة الشعوب كبشر واساليب حياتهم كتراث انساني، وبالرغم من هذا الخضم الكبير من التعدد والتباين بل والتناقض والتداخل احياناً بين الاتجاهات الفكريه في مجالات علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي فانه يسعى على توثيق العلاقه بين الفكر والعصر ويوضح الترابط بين النظرية والمنهج اللذين يصعب الفصل بينهما .
وتكمن الميزة الاساسيه في العلوم الاجتماعيه الحديثه في كون الباحث لا يلجأ الى الاسانيد التاريخية للتبرير ولا في المقدمات الفلسفية للتفسير وانما يلجأ الى المواضيع المعاشة التي تخص تفاصيل الحياة اليومية في مجتمع ما، كالمساومة بين الناس في السوق، والعاب التسلية في البيت وغيرها من نشاطات الفرد أو المجموعة، محاولاً ترتيبها وتحليلها وربطها بالايديولوجيا العامة للمجتمع التي تحمل نظرة الانسان الى نفسه والى العالم المحيط به .
ان لجوء الباحث الاجتماعي الى ادراك ومعرفة الاشياء البسيطة في علاقاتها بالايديولوجيا ينطلق من مفهوم مفاده ان المسلك الاجتماعي (اللعب مثلاً) له دوافع ايديولوجية بقدر ما له من اسباب نفسية، ويرتبط البحث بالنماذج النفسية لدى الشعوب بالبحوث الاجتماعيه والاجتماعيه النفسية، بحوث يذهب البعض الى القول ان هناك ذهنية باطنية تجمع بين الامور اليومية كالمخاطبة واستعمال الالقاب وفنون اللعب من جهة والشؤون العليا كالمعتقدات والثقافه بكل مجالاتها والنشاطات السياسية والاقتصاديه والفنية وغيرها من جهة أخرى باعتبارها ان الحضارة – اي حضارة – هي كل ُمتكامل ترتبط اجزاءه بعضها ببعض ولا فرق في ذلك بين مسلك عادي نمارسه كل يوم وشؤون مصيريه أو نشاطات ثقافية أو فنية رفيعة، وبهذا نرى الانسان من خلفيات معينه، الخلفيات التي تعكس قيمه ومعتقداته واساليب تعامله ومجالات تفاعله مع الغير وفي هذين التفاعل والتعامل يندمج الاحساس اللاوعي بالفكر كما يندمج العقل بالعاطفة، والرمز بالمصلحة، فالانسان في عمله وتحركه تثيره الرموز بقدر ما تثيره المصلحة وكثيراً ما تندمج الرموز بالمصلحة لتكوّن مذاهب ومسالك تتكرر ممارستها بشكل تلقائي عفوي، ولئن كانت هذه المسالك تلقائيه فهي في الاصل مكتسبة وليست موروثه يتعلمها الانسان وهو في المهد من ابويه واخوته كما يتعلمها من الآخرين ممن هم حوله في المجتمع وهذه القواعد هي بنى ذهنية ولكونها بنى ذهنية فهي تبرز أو تتجلى في نواح عدة ومتنوعة، من نواحي الحياة، ابتداء باللعب مع اقرانه واختيار رفيقة حياته والفرع الذي يرغب دراسته في الجامعة وفي كثير من مجالات الحياة في المجتمع الانساني وفي هذا التصور للمجتمع والعلاقات بين الناس تدور السلطة في فلك الاقطاب الاقوياء (السلطات للقوي) والقوة تكمن في النخبة أهل الحل والربط وعلى الرغم من تعدد النواحي والطرق المسلكية وتنوعها فهي ترد الى قاعدة واحدة موحدة كما هو الوضع في العالم العربي دون تمييز لان قوامها الجمع بين المحور وهو القطب المهيمن والافراد التابعين له الذين يدورون في فلكه تماماً، وهذا أمر منتظر في غياب التنظيم الهرمي للمجتمع حيث تصبح الهيمنه محور العلاقات السياسية والاجتماعيه "من يهيمن على من؟ السلطان ام مستشاره؟ الرئيس أم نائب الرئيس؟ كما حصل في العراق حينما استولى نائب الرئيس على رئيسه – الملك أو ولي العهد" ... الخ هذه تساؤلات يطرحها الناس وبهذا المعنى يغدو المواطن يعاني من العزلة وينشد المجموعة لشعوره بهذه العزلة .
لا نسمح لاحد ان يقترب من ذواتنا، نخاف على ذواتنا حتى من الاقارب والاصدقاء وغيرهم من الذين يسيرون في فلكهم، فهذه الذهنية كانت وما تزال هي السائدة بين حكام العالم العربي على اختلاف الانظمة، ملكية كانت أم جمهوريه، وجراء انتشار الذهنية المتنورة في المرحلة الآنية بين شعوب العالم العربي في معالجة كل تفاصيل الحياة فان الفترة الراهنه من تاريخ هذه الشعوب تشهد اعادة النظر في العديد من القضايا حتى أصبحت هاجساً فكرياً وثقافياً لدى عقل ووجدان الانسان العربي وان مسألة الانتقال الى الديمقراطيه كصيغة للحكم هي من المسائل الهامة في مجتمعات حكمتها عبر قرون العلاقات القبلية والعائلية مما يتطلب إعادة النظر في تلك العلاقات بصورة جذريه واذا توجه العرب نحو الاعتراف بواقعهم الملموس الذي طرأت عليه تغييرات جذريه خلال الفترة الزمنيه التي أعقبت استقلال هذه الدول من السيطرة المباشرة للمستعمر الغاشم فان ذلك يشكّل نقلة نوعية لم يشهدها التاريخ من قبل، وان المنطقة ذات الموقع الجغرافي الحيوي وما تملك من ثروات طبيعية هائلة ستسلك طريقاً باتجاه مصافي العالم المتحضر الذي ينشد ذهنية متفتحه وحضارة انسانيه متقدمة تكون في صالح الانسان العربي .
ان معظم حكام العرب ساهموا بشكل مباشر وغير مباشر في عمليات التخريب الثقافي والاجتماعي لشعوبهم مما أدى الى خواء فكري ميّز الانسان العربي عقوداً مديدة، وعدم السماح له من ممارسة دوره التاريخي كما هو الحال في المجتمع الديمقراطي وقد خلق هذا الوضع مفاهيم وممارسات الدكتاتوريه والانظمة الشموليه فاصبحت أكثر شراسة من اجل ان تحافظ على مصالحها ووجودها واستخدمت العنف بابشع اشكاله كلغة وحيدة ضد شعوبها، فتعاملت معها وكانها شعوب محتلة كما حصل في العراق قبل عقد من الزمن، وفي ليبيا وكذلك في اليمن ودول الخليج.
من الغباء حقاً ان نرى الذهنية المتخلفة التي يتميز بها رجال الحكم في الدول العربية لا زالت هي هي لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر رغم التحولات الهائلة التي شهدها العالم ومن المضحك والمحزن في نفس الوقت ان هؤلاء الحكام لا يؤمنون بظاهرة التغيير التي تعتبر المحفز للتقدم في كافة مجالات الحياة، وهذه الظاهرة (التغيير) هي خارجة عن ارادة الانسان شاء أو أبى، وان أيام الغضب التي شملت الوطن العربي على اتساع رقعته تبيّن بجلاء ان رياح التغيير أخذت تهب على هذه المنطقة من العالم مؤكدة ان ساعة التبديل قد حلت وعلى قادة الدول العربية الغير مرغوب فيهم ان يرحلوا وان يتركوا شعوبهم يتولون ترتيب حياتهم التي يريدونها وفق قواعد ونظم جديدة تتماشى والمرحلة الراهنه من تاريخ البشرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب