الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتنة .. والشعب السوري

خلود الزغير

2011 / 4 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بالإختلاف مع التموضعات المعتادة التي تتوزع ضمنها فئات الشعب في الدول عامة، سواء وفقاً للإنتماءات والعقائد السياسيّة في الدول الحديثة، أو وفقاً للإنتماءات الدينية أو العشائرية القبليّة في نماذج دون الدولة بالمعنى الحديث. نجد أنّ الشعب السوري اليوم كغيره من الشعوب الخاضعة للأنظمة الشمولية يُبدي تموضعاً آخراً قائماً على أساس الولاء للنظام ذاته، بكونه، أوّلاً، الحامل الأقوى والأوحد لشرعنة الوجود وسلامته وأمانه للفرد وللمؤسسة داخل الدولة. ثانياً، كون الشعب السوري لم يعد شعباً سياسيّاً بالمعنى الفعلي للكلمة منذ ما يقارب خمسين عاماً بسبب انعدام وجود الأحزاب الفاعلة أو النشاط السياسي على أرض الواقع أو أي نوع من الحراك السياسي، بل هو لديه رُهاب ليس فقط من ممارسة السياسة إنّما من الكلام فيها. وكذلك فهو شعب ليس بالطائفي بالمعنى اللبناني مثلاً فلديه تاريخ طويل بالتعايش وحاضر يشهد له تندر فيه الحروب الأهلية أو التناحر أو الأحقاد. وبالتالي فإن هناك مركزية داخل بنية المجتمع السوري قائمة الآن، أو هي اختصرت منذ عقود، على نظام وحزب أو أيديولوجية معيّنة بشكل أصبح الشعب هامش يدور حول المركز ويتوزع الشعب بحلقات تقترب من المركز وفق شدّة ولائها.
وإذا كان هناك كلام عن فتنة داخل سورية اليوم – بعيداً عن مطامح البعض في تعكير الجو في سوريا أو الوصول للسلطة من الداخل أو الخارج وهم لازالوا بعيدين حتى الآن، ودون قاعدة شعبية كما أنهم من أول المتهمين بالفساد وارتكاب المجازر- فيمكن رؤيتها من خلال هذا الضياع أو المأزق الذي يعيشه الشعب السوري المنقسم لثلاث فئات لكلٍّ منها وجعها ومِحنتها.
الفئة الأولى هي ما يُطلق عليها اسم "المندسين/ المتآمرين/ الخونة/ العملاء" وهم السوريون الحالمون بالتغيير، أولئك المحاصرون اليوم بالتهم والأفكار المُسبّقة وغالبيتهم يدفعون الدم في الشارع أو أياماً في السجن، فكيف يمكن أن يتآمر المرء على دمه وحريته؟ كيف يمكن أن تصبح المطالبة بالعيش الكريم والإصلاح والمشاركة السياسية وحرية التعبير مؤامرة واندساس إلاّ إذا فهمناها اندساس في مصالح الشعب وحقوق المواطنة الحرّة؟
الفئة الثانية أولئك المترددين الذين يرون أن هناك نيّة للإصلاح والتغيير لكن البعض في حاشية النظام يعيق عملية التغيير، ويحاولون البحث عن تجاوز للأزمة دون عنف ودون إراقة للدماء حرصاً على أبناءهم وإخوتهم، وكون معظمهم مشحون بذاكرة موتورة عن تاريخ من العنف سبق وعرفوه في قمع التمرد والإحتجاج. يريدون التغيير ويترددون في النزول للشارع ويعلقون الأمل على ثورة بيضاء وأعتقد أن الغالبية تشاركههم الرأي والأمل.
الفئة الثالثة هم من يدافع عن رؤية النظام ووعوده وإن لم تحمل أيّ تاريخ محدد، وإن لم تغيّر في رموز الفساد بشكلٍ جذري، أولئك أيضاً أصبحوا مُحرجين في مقاتلة طواحين الهواء ودفاعهم عن المجهول. فمنذ سنين يُعيدون نفس الكلام دون أدلّة على أرض الواقع يرمونها في وجه الشعب المنتظر غير مشاعرهم وأحاسيسهم ونواياهم.
ربما هذه الفتنة بدأت بالتلاشي بين الفئة الأولى والثانية بعد 30 آذار عندما طلَّ على الشعب السوري ما كان يفترض أن يمثلّه بكل فئاته "مجلس الشعب". هذه الطلّة التي ذكرتنا بروّاد الطلائع قسم الفصاحة والخطابة عندما كانوا يلقنونا كيف نلقي الشعر مع حركات للأيدي تدل على انفعالاتنا وحِسّنا بالكلمات الشعرية، كنا صغاراً وقمنا بتمثيل هذه الحركات. لكن أن يقوم بها وجهاء وزعماء وممثلي سورية وأين؟ تحت قبة البرلمان فهذا قمّة الهَزل.
الأسوء أن أعضاء المجلس المذكور لم يشعروا بالحرج بعدما شاهدوا أنفسهم بالتلفاز وقرأوا المواقف المحلية والدولية تجاههم بل خرج بعضهم ليؤكد "مَسْرَحة" هذا المجلس وانعدام فاعليته.
يقول عضو مجلس الشعب خالد عبود على القناة العربية بانفعال شديد في جوابه على سؤال لماذا لم يتم رفع إعلان حالة الطوارئ في خطاب السيد الرئيس؟ فيقول السيد عبود: "هناك مغالطة، يريد البعض أن يحدث خطأً هاماً على المستوى الدستوري وعلى مستوى إنجاز القوانين. هناك من يحاول أن يكذب على الناس ويشوّه الصورة. ليس بإستطاعة السيد بشار الأسد أن يقف تحت قبة مجلس الشعب ويقول هذا قانون الطوارئ يجب أن توقعوا عليه. أنا أوّل شخص سيصرخ بوجهه ويقول أنت ديكتاتور. هذه ليست مسؤوليات السيد بشار الأسد المهام الدستورية للسيد بشار الأسد واضحة في الدستور، النظام الداخلي لمجلس الشعب واضح. لا نقبل أن نكذب على الناس هذا كذب على الناس".
بالرغم من أن كلام السيد عبود فيه مغالطة ولكننا سنذهب معه بأن مجلس الشعب هو مؤسسة مدنية تخلص للقانون والدستور ومُستقلة عن أي إملاء خارجي. وسنسأله لماذا سيوافق مجلس الشعب "بالإجماع" على رفع إعلان حالة الطوارئ حين سينعقد ليدرس إقتراح القيادة القطرية بعد عدّة أيام؟ هذا جيد وطبيعي إذا ما عدنا بالذاكرة إلى يوم 27 شباط 2011 حين قام أحد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين بالخطأ ربما (عبد الكريم السيد) بطلب تشكيل لجنة برلمانية للنظر بإقتراحه رفع قانون الطوارئ "جزئيّاً" في سورية، إلاّ أنه فوجىء بتصويت جميع" الأعضاء "المرعوبين" في المجلس على رفض طلبه!
لذلك نقول للسيد عبود كفى لوسمحت، هذا المجلس هو مثال عن المؤامرة التي تحاك ضد الشعب السوري حين لا يخرج منه شخص واحد يطرح ولو تساؤل يقارب توجهات ورؤى وأحزان ومتطلبات فئات الشعب السوري المختلفة والمتنوعة كأي شعب في العالم. وحين يتآمر أحد أعضاءه على دماء وأرواح الشهداء ويؤول أهداف موتها. وهو ليس أكثر من خيبة أخرى للشعب السوري الذي يلملم الآن جراحه ويحاول الإلتفاف حول أبنائه من كل فئاته وشرائحه ليندسّ أكثر في سورية كوطنٍ للجميع، الشعب السوري العظيم الذي أسمعه الآن يصرخ من كل المدن والشوارع السورية: واحد واحد واحد الشعب السوري واحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها