الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (١٧): صديقى الفلاح وحادث الاستاد

عبير ياسين

2011 / 4 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كما أعتدنا خلال أحداث الثورة المصرية بكل مراحلها توجد دوما لدى المصريين قدرة عالية لإيجاد مساحة للسخرية مما يحدث. ولهذا لم يكن غريبا أن نخرج من خطاب التنحى الشهير بصفحة الراجل اللى ورا عمر سليمان، ولا من خطاب القذافى بالست اللى وراه ولا من حادث الاستاد بالراجل اللى لابس جلابية

لم تعد تلك التحركات غريبة على مشهد الثورة المصرية، وأن كانت أصبحت جزء من المشهد فى مرحلته الاولى ما قبل تنحى الرئيس السابق أحد المطالب الأساسية والمهمة، فمن الطبيعى أن تبقى تلك الروح مسيطرة على المراحل التالية أكانت مصرية خالصة أو غير مصرية ما دامت تسمح بدرجة من السخرية بما لها وما عليها كما سبق وناقشت

الفكرة أن الحدث فى حالة استاد القاهرة لمس عند صديق نقطة أخرى وهى كون المستهدف فلاحا. فتوجيه السخرية إلى فلاح اعتبر بالنسبة له شأنا تمييزيا أو بمعنى أخر تعبيرا طبقيا وتهميشا لطبقة الفلاحين. وأنطلق من انتقاده للسخرية من الفلاح الجاهل الذى نزل لأرض الملعب للتأكيد على قيمة الفلاح والفلاحين فى مصر الماضى والحاضر والمستقبل

ورغم أن أهمية الفلاح المصرى نقطة ليست محل للجدل بالنسبة لى، ومع الاتفاق على أهمية كل عامل وصانع ومهنى لبناء مصر التى نرجوها فأن هذا الانتقاد الذى عبر عنه صديقى مفسرا اياه بأصوله الفلاحية قد يواجه لدى بالتساؤل حول دور الصعيد والصعايدة فى بناء مصر أو ما تعرضو له من كوميديا ساخرة منهم تاريخيا دون أن يعنى هذا موقفا غاضبا أو نقاشا حادا

الأمر الذى يجعلنى أقف عنده، وبعيدا عن الجدل الساخر المتزايد فى المشهد، يتعلق بنقاش آخر دار على قناة النيل الاخبارية فى نفس يوم قراءة تعليق هذا الصديق، نقاش أشار فيه المتحدث عن مستقبل مصر إلى مشكلة إصلاح مصر حيث يعانئ معظم الشعب من الجهل وعدم الوعى

أعادنى الحديث عن فلاح استاد القاهرة والشعب الجاهل إلى سيطرة القاهرة- المركز على غيرها من المحافظات- الأطراف، والتعليم المعبر عنه بالشهادة على الوعى، والبدلة على غيرها من الملابس التقليدية كدليل للتحضر وكأننا أمام حالة أخرى تعيد إنتاج نوع ما من الفوقية المصنعة عبر عقود من غياب العدالة

لم يكن الفساد يوما فساد وظيفى أو مالى فقط حيث يحصل شخص ما على ما لا يستحق بحكم اعتبارات غير قانونية أو غير موضوعية سواء أكانت تلك الفوائد عبارة عن مناصب أو أموال أو كلاهما

كان الفساد ولازال أعمق وأكثر تأسيسا فى المجتمع عندما ارتضينا كمجتمع بأن تتحول القاهرة لرمز وقلب الحياة مقابل تهميش مصر التى تحولت لدرجات بعضها مصر الأخرى التى لا نعرفها والتى يتعامل بعضنا مع أفلام الواقع التى تحاول أن تنقلها لنا -أو تنقل جوء يسير منها- بوصفها مفأجاة وكأننا نشاهد عالم آخر لا يمت لنا وننساه بمجرد أن تنتهى المشاهدة. مفارقة الجغرافيا ظلت مسيطرة ولازالت حتى مع الثورة، فالجميع يتحدث عن ميدان التحرير، وثوار التحرير وشهداء التحرير وكأن مصر الثائرة لم تتجاوز ميدان التحرير، وكأن رمزية ميدان التحرير يفترض أن تسمح لهم باختزال الثورة الشعبية وكفاح ومعاناة مدن ومحافظات مصرية أخرى وشهداء آخرين فى مشهد الميدان فقط. اختزال لم يتقبله كثر يعبرون عبر وسائط متعددة عن رغبتهم الا ينسى أحد شهداء مصر خارج القاهرة، والا ينسى أحد كفاح السويس الباسلة والإسكندرية المقاتلة وغيرها وغيرها من أحياء ومدن وميادين مصر التى شاركت فى الثورة ولولا مشاركتها لما أصبحت ثورة ولما أصبحت شعبية مع التقدير لرمزية ومكانة ميدان التحرير التى لا تنتقص بالطبع

اختزال حولنا لجدل افترض فيه حاملو الشهادات أنهم فقط الجديرون برسم مصر المستقبل والتفكير لها وتوجيه غيرهم لما يرغبون. صورة كانت واضحة وبشدة خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية، بدأت قبل الاستفتاء وزادت بعد النتيجة التى اعتبرها بعضهم نتيجة طبيعية لجهل شعب يسهل تحريكه عبر الميكروفونات دون أن يركز من يتحدث أنه أيضا لا يرغب إلا فى تحريك الجموع لتبنى موقفه عبر الميكروفونات

أظل منتقده قبل الثورة وبعدها لافتراض أصبح ضمنيا ويقضى بأن هناك من يملك أن يسيطر على الإرادة الحرة للبشر، أو من يملك أن يحدد للبشر التوقيت الذى يمكنهم فيه ممارسة حقهم البشرى فى التعبير عن إرادتهم الحرة

تتناسى تلك الأصوات أن التعليم لا يعبر عما يحمله الشخص من خبرات ونضج ووعى، وأن التعلم لا يقاس بالدرجات العلمية ولا بملابس ولغات المتحدث فقط فهناك كثير من المعايير التى تحدد الإدراك والوعى وليس من علاقة ارتباط سببى بين التعليم والوعى أو الأمية والجهل أن كنا نتحدث عن الحياة وليس عن حقل علمى متخصص

تتناسى تلك الأصوات أن الثورة يفترض فيها أن تهد كل من اعتبر أو يعتبر أن الشعب المصرى أو غيره من الشعوب تحتاج لشهادة تخرج تمنح من النظم وتتيح لها ممارسة حقوقها فى الانسانية. وتتناسى أن الحديث عن الديمقراطية الغير مناسبة للشعب والشعب غير الناضج للديمقراطية لا يختلف كثيرا عما يتحدثون به ولا يفترض بنا أن نقبل ما يقال الآن أن كنا رفضناه بالأمس عندما تحدث عنه رموز النظام المراد اسقاطه

مصر الجديدة التى أحلم بها يوما تقوم على أساس المساواة والفرق حسب الكفاءة والعمل. وعلى هدم أسس فكر أصبحت ضمنية تميز بشكل عفوى ودون أن تدرك أنها تميز بين البشر على اعتبارات غير موضوعية. وعلى الثقة فى دولة القانون والسيادة للفرد المواطن صاحب الإرادة الحرة. مصر التى أحلم بها ليس فيها شهادات توصية ولا شهادات تأهيل للشعب لكى يحصل على حقوقه

مصر التى أحلم بها لا تتوقف كثيرا عند فلاح ومتعلم بقدر ما تتوقف عند معانى وأفكار وخطط وسياسات قادرة على نقل المجتمع للأمام والتوقف عن الحراك الدائرى حول الذات. مصر التى أحلم بها تتجاوز جلابية استاد القاهرة وبدلة من تحدث عن مستقبل معلب إلى مستقبل ترسمه مصر الشعب صاحب الإرادة الحرة والسيادة. الطرق لمصر الحرة لازال طويلا ولازلنا فى حاجة لأسس حوار خارج قوالب الأفكار القديمة والعنصرية الضمنية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حادث مفاجئ جعله رئيساً مؤقتاً لإيران.. من هو محمد مخبر؟ | ال


.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني في تبريز| الأخبار




.. نتانياهو -يرفض باشمئزاز- طلب مدعي الجنائية الدولية إصدار مذك


.. مقتل الرئيس الإيراني: هل تتغيّر علاقات طهران بدول الخليج وال




.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس -إبادة جماعية- نحن نرفض ذلك