الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحارق ...؟

مصطفى حقي

2011 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


... ربّة الأرباب ، تهتكين ستر الظلمات ، تهمشين البحر المضطرب بصخب نهديك ترتطم الأمواج ، تولد أعاصير من جموح الرغبة تطفيء نار الغزاة ، تحرق سفنهم ، تسكت صرخاتهم ، توئد أحلامهم السافرة في رحم عاقر ، تباركين ملوحة الماء ، وتصيّرينه نبيذاً ، تُغْرينَ العطشى أبداً ، إله الخمرة يعب نبيذ اليم بلا نشوى ، ولكن تسكره رشفة رضاب من رطب شفتيك ويطرَب ، حوريات البحر تنشد على موسيقى عصف الرياح ، وقعقعة الرعود ، تصطاد بحّارة سكارى ، تمزق أشرعة سفنهم ، تغرقها ، وأسماك الزينة تلوّن أطياف الماضي والحاضر ، مابين الحياة والموت ، ما بين الرغبة والإباء ، ما بين الضحك والبكاء ...
ربة الأرباب ، مالك تنفخين في المحارق الخيال .. ونيرون يسخر ، ويضحك بجنون ، ويحرق روما بساكنيها ، هولاكو يبتسم بوجهه الموميائي ، ويهدر .. : الحريق طريقنا إلى المجد ، ويحرق بغداد وأهلها ... .. شاربا تيمورلنك تتهدلان ، وعيناه توزعان أوامر الموت والحياة ، تحرق المساجد والكنائس والمصلين ، ومن على حصانه الأسود يزعق ... : احرقوا كل شئ ، والنار تلتهم الجميع ...إلا شعلة محرقة جان دارك التي لا تنطفئ حتى في الخيال ... ..مزوروا التاريخ ، ومقلدوا الحروف ، ومحرفي الأديان يتدثرون بمحرقة من الوهم ، وشعب الله المختار يغيب في أعماق النيل ، يتيه في صحراء الغيب ، وعصا موسى تبقى عصا، وملايين الأفاعي تبعث من جديد .. يا ابنة داوود أين الحكم السبع ، وهل من حكمة واحدة تبيح سلب أرضٍ وتشتيت شعبٍ ، وإحراقه حياً ، ومحرقة قانا شمس في سماء الحكمة ساطعة أبداً ... ربة الأرباب ، مثقفوا العشيرة يجترون روث جهلهم في لبوس المدنية ، بينما يعشعش في دواخلهم القمل ، وتمتد ساحات الحروب ، والخوف من ظل شرطي ، يتصدرون المنابر ، يقوقؤون ، يرددون أغاني النواح ، يذرفون الدمع على ماضٍ لن يعود ، يبكون على حاضرٍ سبقهم ، يخلو من أي شاغر ، وحتى على الواقف ، وما بين الماضي والحاضر ، يا ربة الأرباب أصلي ... يا قدس يا مدينة السلام ..؟ رجاءً يا مريم دعيني أكمل ، أنا لا أخرّف ، ولم يستولي الخمر على مشاعري ، أنا لست بحاقدٍ ، أنا لي وطني ، أحب وطني ومواطنيه يا مريم وأحبك ، لن أترع كأسك الأخير ، وأنا أسير هواكي ، تحملت مني الكثير يا مريم الحبيبة ، ومنهم أكثر لقد مررتِ بتاريخ الوأد ، غُنمتِ في غزوات عادلة ٍ ، رقصت في قصور السلاطين ، وطأك كل ذكورها ، وحتى العبد المخصي نام قرير العين في حضنك الدافيء عبثاً يتلمس لذة مفقودة .. وقفت في سوق النخاسة كسلعة اقتصادية رائجة ، أنجبت أنبياء بالروح والمادة ، أنجبت أبطالاً وقادة عظام ، وعلماء وشعراء ، وكم تسلل من رحمك السفلة والقوادون ، وكبار الجهلة ، والطغاة ... .. مريم أنت من رفع حضارات حتى الشمس ، وأنزل أخرى حتى الحضيض.. ... ربة الأرباب ، أتوسل إليك ، أين هو الحق ، أين هي العدالة ، أين هو هذا الميزان الرمز ؟ تقولين كن قوياً ستجد الحق والعدالة أينما توجهت بل وستملكها.. .. طوبى لمن آمن واستسلم ، طوبى لمن قنع واستكان ، طوبى لمن جلس على قارعة الطريق وتسول ، طوبى لمن هرول وباض بيضة عقيمة ، ووَقوَقَ وَقوَقةً عصماء ..تخر له الجبابرة ساجدينا ؟ ... مريم أعرف انك قد دفعت الثمن .. لاتقسمي ..؟ المدير العجوز المتصابي طرد كثيراً من السكرتيرات قبلك ، لأنهن رفضن الدخول إلى غرفته السرية ... أبارك لك ذلك السرير وتلك الغرفة ، نعم يا حبيبتي لكل شئ ثمن ، وزمن الجواري ، وسوق النخاسة لم يزل هو هو ، ولكن الشكل استطال وتلّون ودخل شاشة الحاسوب ورمِّزْ ، وأنا أيضاً ( يا مريومي) انزلقت في نفق النفاق ، وابتسمت للمدير المنتفخ غروراً وجهلاً ، ورشوته بالمديح حتى نفخته بالوناً يكاد ينفجر ، انحنيت أمامه بذلٍ وانكسار أكاد ألعق قدميه كالـ .. لا يا حبيبتي .. أنت لم تجرّبي العوز ، لم يسحقك الفقر .. لأنك أنثى جميلة أبداً ، وتستطعين أن تتوسلي بالقليل لتحصلي على الكثير ، أمّا شهادتي العالية التي حصلت عليها بكفاح سنين ، وباستماتة مقاتل ، لن تعفيني من أداء طقوس التخاذل والرضوخ ، فالشهادة وحدها لا تكفي في هذا الزمن المنهزم ... اسمك ... اسم والدك .. كنيتك .. تاريخ ومكان الولادة .. إلى أي الأحزاب تنتمي .. الحالة الاجتماعية .. أعمامك .. أخوالك ... أشقاؤك ، هل غادرت إلى الخارج .. والآن أجب بكلمة واحدة هل ...؟ وأرد : أنا أحب وطني ..؟ المحقق يركلني بقدمه ، ويعيد السؤال ، أذكُرُ اسم حبيبتي مريم ، المحقق يحترق شبقاً ويستكين ....؟! ربة الأرباب عندما جعلت هيلين تنجب حصان طروادة الجميل لتحترق طروادة ، واستمرار مواسم الحروب ولهيب الحرائق ..؟ ونسكر على نشيد الأممية ممزوجة بالفودكا الملتهبة من جنين طروادة ، ولنبحر سبعين عاماً في نشوة التصفيق والهتاف ، والرقص ، والعناق ، نحلم بالعدالة بالمساواة بالسلام ، ولنحترق بالواقع الأليم وبكأس من الفودكا المغشوشة ..؟ .. ألوطن يا أبنائي .... قبل أن يموت جمع أولاده .. وزّع عليهم العصي .. وتعرفون النتيجة .. الواحد ينكسر بسهولة ولكنها إذا جُمِعَت ... يا ابنة داوود إذا جُمِعَتْ..! ربة الأرباب إذا جُمِعَتْ ... عندها أي بحر ستخوضين وشبق الموج لا يستكين ..؟ وإذا جُمِعَت يا مريم ... سأشرب كأسك ، وأعبر ألف محرقةٍ .. وإليك يا شام أصلي يا منارة الإنسان والحرية ياوطن الجميع يامدينة السلام والمحبّة ...؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - محارق الحاروق
نورس البغدادي ( 2011 / 4 / 5 - 09:39 )
تعبير ادبي متألق يظهر امكانية الكاتب الواسعة في التعبير وقد ينفع درج هذا العمل في خانة مروج التمدن اكثر من درجه في خانة الحوار لأن الموضوع فلسفي ولا اظن انه سيخدم قضية ثوار ابناء الشام فألأكتفاء بآلنظر على التظاهرات من الشباك لا ينفع بشئ هذا وأن الكاتب مع احترامي له قد اخفق حين استعمل قلم فحمي (للشخبطه) شوه به الألوان الزاهية لصورة جميلة مقدسة خالدة لأبنة داود ، تحياتي للجميع


2 - محارق وثورات
أحمد الجاويش ( 2011 / 4 / 5 - 10:02 )
الأستاذ المستشار مصطفى حقي تكتب الكثير وتملىء الدنيا بصوتك ضد كل ما هو إسلامي .. والآن أليس لك موقف مما يحدث في عالمنا العربي وفي سوريا وأنت رجل ليبرالي علماني ... أم أن المحارق لم تصل إليك بعد .


3 - دفاعا عن مصطفى حقي
أحـمـد بـسـمـار ( 2011 / 4 / 5 - 11:36 )
دفاعا عن مصطفى حقي.
هكذا يا صديقي. هكذا بعد أن قرأت مقالك الهادئ الرائع, وقرأت التعليق الأول والثاني. لم أستغرب. لأنني عانيت مثلك أثناء الخيار والقرار. في بلدنا..أما تؤيد الطغاة والفاسدين والمنتفعين.. أو تختار مطالب الإسلاميين والمتأسلمين الجدد.. حيث أن هذا الحكم الوراثي الذي يدوم من نصف قرن, لم يترك أية ثغرة للفكر والتحليل الديمقراطي السليم, أو لأي تحكيم لا يتفق مع الطرفين المذكورين. وما لك أن تختار أما أن يفترسك الدب.. أو تقع في الجب وتختنق...أي لا مكان في هذا البلد لأي تحكيم ديمقراطي سليم..لأن الديمقراطيين الحقيقيين, أما ماتوا في السجون, أو ماتوا في الهجرة القسرية...
بانتظار أن تشرق شمس واضحة حقيقية..
لك مني أطيب تحية مهذبة...
أحمد بسمار مواطن عادي بلاد الحقيقة الواسعة


4 - حل وسط
AHMED khalil ( 2011 / 4 / 7 - 10:59 )
عندي اقتراح يحل الاشكال القائم بين العلمانيين والدينيين ويقوم على اساس ان يوافق العلمانيين على دستور ديني متفق عليه من قبل جميع الفرق الاسلامية واثناء انشغال الاسلاميين بتحضير هذا الدستور يقوم العلمانيين بطرح دستور علماني مؤقت لادارة شؤون البلاد


5 - الصديق احمد بسمار
محمود المنيف ( 2011 / 4 / 7 - 15:04 )
ملاحظات المعلقين بديهية بغض النظر عن اي انتماء اسلامي او ليبرالي
الاستاذ مصطفى و غيره من المثقفين مطالبون في هذه الفترة الحاسمة بتحمل مسؤوليتهم التاريخية في مساندة انتفاضة الشعوب العربية و هي انتفاضات علمانية بحتة تطالب بالحرية
لكني لاحظت للاسف ان العديد من التنويريين خنسوا و لم يواكبوا تطلعات المواطن العادي بل منهم من تواطا مع الانظمة الفاسدة مثل نضال نعيسة
انتظر من المثقفين ان ينزلوا قليلا عن ابراجهم العاجية فالنخبة ليست امتيازات و القابا فقط بل جراة و تصد للظلم بكل اشكاله
هو مطلب لاجدال فيه و في حال عدم تحقيقه سنجد المواطن البسيط يبتعد عن مثقفيه و يلجا الى الغيبيات مما يعزز التطرف الديني و التخلف
تقبل خالص تحياتي


6 - عزيزي الأستاذ مصطفى حقي المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 4 / 7 - 16:07 )
أسلوب أدبي كُتِب على خلفية نقدية للوضع القائم يظهر بوضوح تمكنك الفني في صياغة الفكرة بشكل أدبي أقرؤه لحضرتك للمرة الثانية ،حتى ولو كان المحور : مواضيع سياسية ، فإنه جدير أيضاً بعرضه في صفحة الأدب ، فكم من كاتب سياسي كتب على خلفية أدبية أو أديب كتب على خلفية سياسية فأبدع أكثر في إيصال الفكرة بطريقة أخرى غير مباشرة ، أتمنى أن تفتح لنا نافذة الأدب أيضاً يا أستاذ لنطلع على الوجه الآخر أيضاً . إلى الشام ، بوابة التاريخ ومدينة السلام : عليها وعلى أبنائها الحرية والسلام


7 - شكراً لرأيك
مصطفى حقي ( 2011 / 4 / 8 - 13:05 )
سيد نورس بغدادي شكراً لاطلاعك على الموضوع بدراية وقدرة ثقافية عالية ، كما أحترم ما توصلت إليه من تأويل ، أما بالنسبة لي فابنة داوود الرائعة أوردتها كشاهدة ليس إلا ولم أحاول أن أحط من قدرها ، وفي كل الأحوال النص ملك القارئ بعد أن خرج من يدي بمجرد نشره ..؟


8 - موقفي مع حرية الإنسان شاملة
مصطفى حقي ( 2011 / 4 / 8 - 13:11 )
سيدأحمد الجاويش شكراً لمرورك وبالتأكيد فإني لا أهاجم الأديان بل أحترمها ة خارج إطار السياسة والدولة ، والدين لله والوطن للجميع وموقفي مع حرية الإنسان وإنسانيته ووحدته وضد الطائفية البغيضة شاملة ..؟
سيدأخمد خليل ، اقتراحك مصيب وعلماني وشكراً لمرورك الكريم


9 - حرية الإنسان أولاً
مصطفى حقي ( 2011 / 4 / 8 - 13:16 )
الأخ أحمد بسمار أيها الرائع شكراً لهذا الدفاع ، وان موقفي مع الحق وحرية الإنسان وكرامته في كل زمان ومكان وانني ممتن لدراستك المقال
السيد محمود المنيف شكراً وأترك الرد للأخ أحمد بسمار


10 - دراسة بعمق
مصطفى حقي ( 2011 / 4 / 8 - 13:21 )
الرائعة ليندا كبرييل الوردة الدمشقية شكراً لدراستك لموضوع المحارق وتحليلك الأدبي لها ، وإذا ساعدتني الظروف قد أتمكن من إيصال أعمالي الأدبية إليك فقط ثلاث روايات وثمان مسرحيات وأربع مجموعات قصصية أتمنى لك عالماً خالٍ من الزلازل ، تحياتي لك ولأسرتك الكريمة


11 - swbHetKRZvuEtNatI
Tyya ( 2011 / 10 / 26 - 09:03 )
You Sir/Madam are the enemy of conufsoin everywhere!

اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة