الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ندم الخميس

أمل جمعة
(Amal Juma)

2011 / 4 / 6
الادب والفن


ندم الخميس



أمل جمعة

-1-

تصيبني لعنة الخميس، قليل من أمسياتي الخميسية فلتت من كآبتها ومللها وشعوري الجارف بالخواء التام، وبما أنني ومنذ أعوام طويلة مشطورة بين مدينتين- رام الله وجنين- فللخميس في أجندتي تعريف خاص. قرار السفر لجنين أو البقاء في رام الله، الخيار بين دفء أمي الكامل واكتظاظ إجازتي بالفضوليين من جيران وأهل، أو الاسترخاء الصامت في بيتي الصغير الموغل في العتق- أسكن بيتاً اجتاز زلزال 1927- والتمادي برفض كل الدعوات المسيجة بالشفقة من أصدقائي لإطعامي وتزجيه فراغي الذي سيطول لثمان وسبعين ساعة بالضبط.
حيرة مختلطة تهبط على شكل ألم متواطئ في معدتي وصداع نصفي، أبتلع صوت أمي الممتلئ بالخيبة كلما قررت البقاء، وأظفر بدفء مفاجئ من أبي ينفلت من صوته وهو يقول: "لقد أحضرت لك مشمش حمّوي راح عليك يقهقه ضاحكاً. أبي بائع محترف لكل عزيز من خضار وفاكهة: الزعتر الأخضر برائحة توصل حيفا بمخيم جنين، الفطر الطازج المقطوف بندى فائض، العكوب النظيف من شوكه، الثوم المجدول في غير موسمه وبالطبع المشمش الحمّوي الذي تؤرخ به أيامي النشطة وأكاد لا أبارح السوق إذا حلت الجمعة المشمشية، ومع ذلك لم أذقه هذا العام، انتظر صوت أبي واختياراته الفاخرة ليبدأ موسمي.
يقول لي صديق مشاكس:" أي أيامك لك، وانتبهي لست أحفل أو أتطير من ذلك ولكن متي يقبض عليك سعيدة؟
أنا مرهونة بشكل جارف لأيامي ومحاصرة بها، ربما الاعتياد وجائز أن يكون تكتيكاً لفكفكة السأم وإحداث تغيير طفيف وفارق في سيرة حياة امرأة منذورة وشائكة التفاصيل وعادية جداً، مفتاحها الوحيد أنها ولدت في ليل ماطر وعلى أطراف حرب فاجعة فمنحت ما يكسر كاهلها من الأمنيات والأمل، هكذا قال أبي: "أسميتك "أمل" فأنت استراحتنا الأولى بعد الحرب.

ندم الخميس، ينتابني ساعات المساء كلما تشبثت بنفسي، ونزعت من أمي ليلة سمر مرنخة كقطائف رمضان بالحكايات. أغلقُ الباب العتيق لداري بلا زوج و أطفال قراراً وتجاهلاً لإلحاح أمي ورجاء أبي المُبطن قلّما يقوله أبُ لابنته: "تزوجي عندما تجدين الرجل الذي يعرف من أنت."
بالمناسبة لا علاقة بين اسم جدي "خميس"وكرهي لمساء الخميس وإسقاطه عمداً من اسمي الرباعي وكأنه مجرد طرفة عابرة في سيرتي.
القلب خالٍ من الشكوى والاعتذار يوم الأحد، ومتقافز كل ثلاثاء وشديد العناد،أستسلم ولا أراوغ الأربعاء ولا أدخل حرباً،وارتكب جرائمي يوم السبت وما تبقى من أيام ليست لي.



-2-

أريد وشماً على ذراعي وأريد هذا الثوب الأسود بدون أكمام وأريد أن أقص شعري قصيراً وأصبغه بالحناء، وبالطبع أشرب القهوة العربية بلا سكر،أجيب المُزين الذي لا يستطيع حسم لوني هل أنا قادمة من مصر أو المغرب أو أجنبية، فلهجتي مختلطة يفسر وهو يصب الحنّاء فوق رأسي ويحاول إقناعي باستخدام صبغة (لوريال) وإضافة خصلات بلون النحاس لشعري:" جميع مذيعات التلفزيون زبونات الصالون".
الفتاة التي غسلت شعري كان متقززة من رائحة الحناء القوية وتبتسم كثيراً لتداري امتعاضها، تلقي إلي بمنشفة قديمة وبالية نوعاً ما وتحاول _كما الجميع _إقناعي بضرورة أن أقلم أظافري بشكل عرضي ومستقيم وان أجرب طريقتها الخاصة "والمودون" برسم الحواجب والماكياج المائي تتوقف للحظة لماذا لا تستخدمين مبيضات البشرة لدينا نوعية فاخرة..
أغفل عن الإجابة وصوت مجفف الشعر يخترق أذني والمزين يسحب خصلة شعرٍ مبلولة بمهارة وحرفية عفواً للسؤال "هل أنت متزوجة؟ أهز رأسي نافية، هل لديك حفلة هذا المساء؟أهز رأسي ثانية بلا، هل لديك تسجيل لبرنامج تلفزيوني ؟ يقول مبتسماً:" على كل يليق بك الأسود فهو ملائم لكل المناسبات."
في الشارع أجد امرأة تشبهني جداً في واجهة زجاجية تحمل مثلي باقة زهورٍ طازجة، ابتسم لها فتبتسم، نسير كل في اتجاه، أنا لمكان أبي الأخير وهي لمكانٍ طارئ لا زال يضج بالذكريات. يليق الأسود بكل المناسبات.

-3-

الارتياب صفة لا تلائم اللقاءات الأولى،هكذا ظننت طوال عمري وصدقت نصيحة أمي :"لا يهم خيار البشر أو أشرارهم،كوني طيبة دوماً" لذا أسقط الشك من قلبي وأراهن على يقيني الكامل إنني من سيدير الحكاية وأكون طيبة،ولكن الارتياب صفة لا تسقط حتى لو أسقطناها عمداً تغلف نفسها بألف ثوب وتدس نفسها على شكل نخزٍ مستمر تجعلك تنتفض وتعطس وتعتذر وتطلب الكثير من الماء على الطاولة الصغيرة في مقهى سيصير أثاثاً للذكريات .
كنت أغمض عيني في لعبة الحيز(الحجلة) أيام الطفولة وأردد الكلمات السحرية :أميح أميح استفتيح "واجتاز اللعبة دون أن أمس الخط المرسوم،هكذا رددت المرة الأولى: "اميح أميح..." وأنا أدلق ارتيابي وأعلقة في المسافة الضيقة بين الكرسي والحائط، وأفرش فيما تبقى من مسافة بين أصابع قهوتنا الكثير من الابتسامات، كوني طيبة أقول لنفسي التي تردد الكلمات المبهمة أميح أميح.. ولا تفهم معناها، لا أفلح بالوصول للنهاية وفتح عيوني من جديد واجتياز الخط المرسوم.
أجلس الآن بثوب أسود وشعر تفوح منه رائحة الحناء على ذات الطاولة، لأقول لك ما سقط من حكايتي ذاك المساء، وأرفع من المساحة الضيقة سؤال لم اطرحه عليك يومها:" لماذا افشل بفتح عيوني الآن ؟ما معنى الكلمات المبهمة أميح أميح استفتيح؟

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا