الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثّورات وسُقوط الأقنعة

السموأل راجي

2011 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


دَشّنت الثّورة التّونسيّة المُتواصلة لحُدُود اللّحظة مرحلة جديدة في تاريخ منطقة مثّلت مُستنقعًا لإستنبات أنظمة القمع والنّهب بإسناد مافياويّ آتٍ من أقطار مارست الإستعمار بصفة مُباشرة ودخلت في مرحلة ما بعد الحرب الكونيّة الثّانية عهد النّهب بالوكالة.لقد عصفت موجة من الإحتجاجات السّلميّة بعُروش طالما قدّمت نفسها فوق الطّبقات والشّرائح وضامنة العدالة وصمّام أمانٍ لمصالح رؤوس الأموال العابرة للحدود فتزاحم الشّباب والشّيب في ميادين غصّت بهم في نشيدٍ مُوحّدٍ قِوامُه:الشّعب يُريد إسقاط النّظام وفي حالة عَدْوى عجزت دوائر الدّاخليّة ومسعُوري باريس وواشنطن في التصدّي لهُم حتى عبر القمع الأسود ليرسمُوا التّاريخ بأقلامٍ أخرى حتّى أشباه المُثقّفين وأوهام النُّخب لم تستطع فهمها ولا تحليلَها ولا إستيعابها وكانت كتاباتهم إمّا وصفيّة أو قراءات مُعوجّة أو تخريبًا بالكلمة لملاحم تُغنّى بالتّرويج للخطر الظّلامي دون التصدّي لأخطار ما بعد رحيل الرّمز الأوحد للنّهب فكانت حالةً تواطُئيّة في ثوبٍ يفشل أن يَكُون ثوريًّا.

هبّت الجَماهير في قُطْرٍ لم تكُن الأشباه/الأشباح "المُثقّفة" مُلتفتةً لحِراكه ولا لصرخاتٍ إجتماعيّة عصفت بطاغيته مِرارًا وراكمت فيه الطّلائع نِضالات وتشكّلت في سيرُورة طويلة نسبيًّا حالة ثوريّة كانت نارًا من تحت رمَادٍ نجح الطّاغية في ذرّه على عُيُونٍ عمياء بطبيعتها نتيجة شوائب فكْرٍ تعيسٍ يتموقع في مزابل البُورجوازيّة الصّغرى فهبّت مُباشرةً بعد إنتصار أولى خطواتِ ثورتهم أصوات النّعيق بعدم تسيّس الثّورة ولا توحّد القيادة أو إنعدامها وخطر الظّلاميّة وعسف العسكر وما إلى ذلك من نفايات القول دون تفحّص ولا تشخيص ملمُوس مبنيٌّ على وقائع وإستقراء مدروس للمسار الثّوريّ ووفي إسْقاطٍ سَمِجٍ لسيناريُوهاتٍ تاريخيّة غيّرت بُنى إقتصاديّة وإجتماعيّة وسياسيّة لن تتكرّر إلاّ في توفّر نفس الشّروط ونفس الظّروف ونفس الحيثيّات التّاريخيّة،لقد قامت ثورة تُونس ومصر في أقطار تعيش حالةً من التبعيّة الإقتصاديّة مُنذ ما بعد مرحلة التحرّر الوَطنيّ بالنّسبة لتُونس ومُباشرةً بعد إجهاض مشرُوع رسملة الدّولة النّاصريّ في مِصر وإستلمت السُّلطة مجموعة فاقدة للسّند الطّبقي الإجتماعيّ تحوّلت مُباشرةً للطُّغيان والمافياويّة للتشكّل منها ووعلى هامشها وبها طُغم زاوجت بين المال المنهوب من عُمُوم الشّعب وبين السُّلطة التي بحثت في سيرُورتها عبَثًا عن شرعنة تواجُدِها خارج حُدُود قُطرها لتُعيد ربط ذواتها بنيويًّا بمافيات أوروبا والولايات المُتّحدة في مشْهدِيّة أكثر مأساويّة عنوانها التذيّل الأعمى والإستجدَاء.أمّا داخلِيّا،فقد إعتمدت عِصابات الحُكم رسائل التّفجير الإجتماعي وإثارة النّعرات وضرب المُجتمع المدنيّ بمُكوّناتٍ فيه تميل بإستمرار لخطّ اليمين المُهادن وعَمِلَت جَاهِدَةً على التّرويج لفزّاعاتٍ ظاهرُها ملمُوسٌ وحقيقتُها تافهة مردُودٌ عليها وإنخرطت دَوائر الأشباه/الأشباح "المُثقّفة" في إستماتة في لُعبة عصابات الحُكم عن طواعيّة فلم نسمع ولا نرى طيلة عُقُود إلاّ تَرْدِيدًا وترويجًا غبيًّا لمنتوجات وزارات الدّاخليّة وأربابها في أوروبا وواشنطن من تلويحٍ بالخطر الظّلامي وللأسف البعض من مُدّعي الماركسيّة مَارَسُوا هذا الدّور ناقضين بذلك كُلّ عُلوم الماركسيّة ومُلقين براياتهم في الوُحُول كما يقول الرّفيق فُؤاد النّمري ولم يقُومُوا بترتيب تناقُضاتِهم وفق جدول أعمال الصّراع الطبقي فتُركت عصابات الحُكم لترتع كما شاءت وكانت بديهيًّة حالة البلاهة التي تميّزُوا بها مُباشرة بعد تهاوي الأصنام وتخبّطهم وكانت جَلِيًّةً عُزلتهم الشّعبيّة وإنبتَاتِهم عن واقع الثّورة وعجزِهم لغاية اللّحظة عن تحديد مُهمّاتهم في زخمها وتراجَعُوا لتتقدّم قِوى الثّورة بأشواطٍ ونَمُوذج الحالة المِصريّة صارِخُ رغم مُحاولات التشكّل من جديد للجناح الشّعبيّ للثّورة ورغم التّوزيع العادل للوعي الثّوري لدى شباب الميادين،وعبر بعض خربشات الأشباه/الأشباح "المُثقّفين" نرى تخَنْدُقًا مَدْرُوسًا بغباء في مُعسكر مُعاداة الثّورة فمازال البحث عن اللاّموجود هُو الهاجس ولا يزال الهاجس الإجتماعيّ والإقتصادي بزخمه الملموس ومقدرته التّعبويّة غائِبًا ولا تزال المُعالجات فوقيّةً سطحيّةً جانبت الصّواب في إطلاقيّة تُشكّل وجهًا جِدّيًّا للظّلاميّة والعجز عن إستيعاب ميكانيزمات ما حدث ولا يزال يحدُث هو القاسِم المُشترك.

في ظِلّ فاشيّةٍ حاكمة في تُونس وأخرى في مِصر ضَعُفَت تحت ضربات القوى الدّيمُقراطيّة مُجْتَمِعَةً ونَشِطت لسنوات الحركات الإجتماعيّة في مُربّعاتٍ نقابيّة خارج المُؤسّسة التقليديّة الكلاسيكيّة التي يعجز عن إستيعابها من لم يحتضِن الميدانيّة ولفظته المَيادين،وفي ظِلّ إقتصاديّات مُعَولمة تبعيّة في رأسماليّتها الهجينة،لم يَكُن من الوارد إندلاع ثورات خارج الدّائرة الشّعبيّة في شكل هبّاتٍ حضريّة عنوانُها حركات إجتماعيّة سُرعان ما تصل في ضوء التّأطير السّياسي من طرف القوى الثّوريّة التي تتقاسم مصلحة التّغيير إلى مرحلة المُطالبة بإسقاط النّظام ووتوسّع رُقعتها عبر هياكل مدنيّة نجحت قواعدُها في الإفلات من براثن البيرُوقراطيّة والإرتشاء والغباء البورجوازيّ الصّغير وإستطاعت جرّ أكثر ما يُمكن من الطّاقات النّضاليّة في تسلسُلٍ سريع للمُجريات الميدانيّة ورُدُودٍ مسعُورة من مافيات الحُكم المدعومة من أربابها في أوروبا وواشنطن ودِعايةٍ مُكثّفة لم تَكُن لتنجح لولا توفّر القاعدة المادّيّة النّضاليّة لها،ولقد أَلِفت أوهام النُّخب ثوراتٍ تقُودها أحزاب أو مُنظّمات معروفة ولم تستسغ أن تهُبّ قوى شعبيّة ذات مصلحة حيويّة في التّغيير نحو الأفضل مُجتَمِعةً للإطاحة بطُغاةٍ جانبت النّخب ذِكْرَهُم وإلتهوْا بترويج منتوج النّيوليبراليّة تحت أغطية مُتنوّعة ومنها أغطية ظاهِرُها ماركسيّ باطُنُها بُورجوازيّ صغير يصل لحدّ المافياويّة،ولم تَكُن الثّورات لتنجح لولاَ وُجُود أرضيّة فِعليّة مُهيّئة ومُعَدّة عبر سيرُورة نضالات مُعقّدة لم تأخذ حضّها إعلامِيًّا سَابِقًا وأخذ منها البعض نصيبًا من الحظّ لم يُواكبه أشباه المُثقّفين،ولقد كانت الثّورات العربيّة التي نجحت منها والتي لا تزال تَخُطّ ملحمة نصرِها والتي لا تزال مُتواصِلَةً حتّى في مِصر وتُونس ضدّ قوى الإلتفاف وأصحاب المَصالح الفِئويّة،كانت ذات قيادة بِكُلّ ما في الكلمة من دلالاتٍ مفهُوميّة مُكوّناتُها نقابيّة ومُناضلين ونُشطاء ميدانيّين نجحوا في التّأطير والتّعبئة والدّعاية والحشد والتّأثيث بالكتابة والتّواصل وصياغة الأهداف بشكلٍ مُشترك وكانت قيادات مُتمرّسة ميدانِيًّا لم تحترف التّهريج الإلكترونيّ ولا التّرويج لفزّاعاتٍ أنتجتها دوائر مافياويّة نيوليبراليّة:هذا ما حدث وهذا ما يحدُث في اليمن وسُوريَا على الأخصّ وكُلّما تقدّت قوى الثّورة أَشْوَاطًا إلاّ وتراجعت قوى البورجوازيّة الصّغرى وبعضُها يلتفّ ويُعيد صياغة تَحالُفاته على قاعدة "الفوز" بنصيب من كعك الثّورة والحراك لم ينقطع والوحدة مع من عادى الإستبداد يتحوّل إلى صراع إذا ما عادت مُسوّغات الصّراع.إنّ التّناقض لمَن لم يفهم بعد هو مُوجّهٌ رَأسًا ضدّ السّلطة ومن تحالف معها وتذيّل لها ولا صالح لقوى الثّورة إلاّ بتكتيل القوى وجرّ المُكوّنات المَدنيّة لمُربّع التّغيير الحقيقيّ وليس بِنِضالٍ التّرويج لرسائل طُغاةٍ ومافيات تقوم على تفجير المُجتمع والدّخول به في أتون حرب طائفيّة أو نعراتٍ لا مُبرّر لقيامها في ظلّ الظّرفيّة الحاليّة ولا شكّ أنّ النّصر في أيّ مَعركة هو رهين الدقّة في إختيار التّوقيت والذّكاء في طرح المضمون والمحاور وأوكد المعارك في تُونس ومصر الآن هي الصّراع ضدّ سُلُطات الإلتفاف لا غير مثلما أنّ الحرب في اليمن وسُوريَا هو ضدّ رمُوز الإستبداد والفساد.
لقد خلقت ثورة تونس الشّعبيّة حالةَ ثوريّة عَجِز عن توقّعها الآلاف ولكن كان يُدرك توقيتها من عمل ميدانيًّا وفي الأوساط الأكثر فقرًا،وإمتدّت لمِصر وغيرها ولكنّها ما تزال قائِمَةً ولا تزال في مُنتصف الطّريق ولن تَكُوون حتّى بعد إكتمال مسارِها في البُعد الدّيمُقراطيّ إلاّ خُطوة كُبرى نحو الإنعتاق الإجتماعيّ الذي كان مُستحيلاً في ظلّ الفاشيّة.لقد سقطت أقنعة مافيات أوروبا وواشنطن مثلما تتساقط أقنعة أشباه المُثقّفين وأدعياء النّضال.

فالمجد لدِماءٍ سالت ولِقوى الثّورة الحقيقيّة وليَخسأ من عادى ويُعادي الثّورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-