الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخزن و ميكيافليلية الحلقة وحكمة الأميين

عبدالحق فيكري الكوش

2011 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


سبق أن عرفنا المخزن في حلقة سابقة، ونعود إلى التذكير أن هذا المخزن، كائن حي مريض، اتخذ هيئة جهاز هلامي، يعيش حالة خوف وأرق وترقب مزمن و، يعاني جميع الأمراض العضوية والنفسية، تنخره الرطوبة السياسية وعوارض القلق السياسي، ويعاني من نوبات الصرع المفاجئ: حداثة وتقليد، انه دائم التهيؤات، دائم الهرولة في الزمن ينجب المؤسسة تلو المؤسسة، بسبب حدة وكمية الخوف في مفاصله، انه يريد أن يكون كل شيء، وان يعالج كل شيء، ويحكم كل شيء، وأن يفهم في كل شيء،انه الموجود الواحد، والمتصرف الأحد، والحاكم الأوحد، وانه على مر تاريخه كثير التبدلات الفيزيولوجية المتنوعة، وانه يحاول أن يبدو سعيدا دائما وبشكل سرمدي، ويريد من الرعايا وعبيده أن يبتسموا و أن يكونوا في حالة استعداد دائم للرقص ونشاط متجدد، حتى لا يتسرب إليه الخوف وتنصرف عنه الحكمة،وحتى لا تتهدده الأخطار والموبقات، انه كثير البذخ والترف، وانه يسرف في كل شيء، في العطاء والبذل وفي الأخذ والنهب والسرقة، وفي القتل والرحمة والعفو،.. انه يعاني من عقدة الكمال ومن نرسيسية قاتلة، انه يرمي بذاته في المرايا الكثيرة، فيعتقد أنه الحقيقة الكاملة، رغم أن له ذيل طويل ولحية مفزعة، ورغم انه لم يستحم قرونا، ورغم أنه لم يتطهر من الحدث الأكبر، ورغم انه لكم يتوضأ منذ قرون، فهو يعتقد دائما أنها الأنظف والأطهر والأكمل، وأنه ظل الله، رغم أنه مجرد نظام نشأ لغايات نبيلة، وحدة المغاربة والدفاع عن أرضهم وكرامتهم وكبريائهم، لكنه مع مرور الوقت، فسدت شهوته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فصار له كبرياءه الخاص المعزول عن كبرياء الشعب، وصارت له قدسيته التي تختلف عن قدسية الشعب، فاحتقر الرعايا، وأثقلهم بالمغارم والمكوس ومص دمائهم، وأنهكهم واستباح عرضهم و أموالهم ومرغهم في وحل الخرافات والخوف والبطش، فكانت يد العدو أرحم من يده فيهم، انه يريدهم دوما في خدمته يديرون نواعيره وطواحينه ويريدهم أن يلبوا رغباته ونزواته مكبوتاته.
انه لم ينظر للشعب إلا من خلف أسوار اتواركة، فيرى قلنسواتهم وطرابيشهم الحمراء، فيعرف أنهم يسهرون على راحته، فيعود إلى سباته، والويل ثم الويل لمن يوقظه؟
وانه ليعاني من مجموعة عوارض روماتيزمية، وانه ماكر ولديه كمية كافية من المناورات والدسائس والخديعة، لقد زوده الأفراد والجماعات التي تعاقبت على خدمته بكل أنواع الخسة والنذالة والمكر..
وهكذا بدأ مسلسل الإفلاس: الاجتماعي والأخلاقي والإنساني...، وبدأت تنفذ الفضيلة من بيت مال المسلمين، وصارت الطاعة التبن الوحيد المتوفر في المملكة السعيدة..، واحتل اللصوص المكانة اللائقة بهم كطبقة من النبلاء المميزة والتي تتصف بالذكاء والشطارة والنبوغ...
ونقول: لم ولن يتخلى المخزن عن سيكولوجيته العدوانية، إلا بالنضال المستمر في جلده بالمطالب المتنوعة وفرض حقوق الإنسان وبضرورة إجراء عملية مستعجلة لعينه اليسرى التي انتهت صلاحيتها منذ زمن بعيد، ولكل جسده ثم عملية تجميلية لا محيد عنها..
لن يتعايش المخزن والحرية ، إلا بحقنه بالديمقراطية، وإجراء عملية جراحية تقوم ما اعوج من عظامه، وتزيل التعفن والصدأ من جمجمته ومفاصله، وادخاله مصحة العلاج النفسي والعلاج من الإدمان على الاستعباد واحتقار الرعايا، وادخاله الى مصحة تربوية عوض الأضرحة التي يلجأ اليها والتي ظهر أنها ضرورية فقط حتى لا ننسى مجموعة من الأبطال الذين ظهروا تحديدا في القرن السبع عشر تحديدا..
إن هذا الكائن الأعور المسمى، لم يتدرب يوما على الاستثمار في الحرية، بحكم أنه كائن تقليدي، يضع القشرة فوق القشرة، جلباب الكهنوت وجلباب إمارة المؤمنين ويضع تحتها بزة عسكرية، و جلبابا من صوف خشن صنع من خرقة التقاليد المغربية العتيقة، وتحتهما بزة كبير القضاة، وهذا الجمع للسلطات الواسعة يعود إلى الخوف والى تضخم عقد النقص داخله ...

المخزن كان فكرة بسيطة من أجل غاية مصيرية ومقدسة، ثم تحول مع تقادمه إلى آلة خطرة، ينظر الى كل ما حوله نظرة الفريسة أو العدو، وبحكم أنه لم ينشأ نشأة سوية، بل وعاش طفولة متعددة ومراهقة متعددة، فقد وجد في الأشرار خير رفيق وفي احتقار الفضلاء واجبا واذاقتهم من العذاب صنوفا مهمة...
وبعد أن كان يكفي أن تنادي السلطان بالشريف ومع مرور الوقت استغلت مجموعة الأنذال واللصوص كل الصفات المقدسة فخلعتها عليه، بعد أن اكتشفت هوسه بالألقاب وشبقيته الفاسدة لممارسة السلطة، إلى أن أحلته تدريجيا محل الله، في مقابل حصولها على غنيمة السلطة، بل وصارت عائلات معروفة متخصصة في التملق للسلطان .. ومع تقديمها لجميع صنوف الخدمات الخسيسة له فوضت هته الطبقة لنفسها برضى من السلطان أن تقسم الحظوظ بين الرعايا مثلما توزع الغضب السلطاني، وأغدقت على نفسها بالإقطاعات المتنوعة، وكانت لهم شهيتهم وشهواتهم التي لا تشبع...، وذهبت أبعد من ذلك عندما بدأت تقتسم الأقدار والله باسم السلطان الإله ذاته، وصادرت من الشعب نعمة العقل والحكمة والفضيلة..
هؤلاء الأنذال ، وجدوا الأمر أكثر إمتاعا وبحكم أن مفهوم الشعب لم يتبلور إلا حديثا، فقد حولوا البلد إلى ما معناه "حلقة" (شكل من أشكال الفرجة المسرحية مازال يعقد في مراكش بجامع الفنا)، وتم توظيفها في تسلية السلطان ذاته، وهكذا مع مرور الوقت صار مكان كل مهرج ومشعوذ هو الاقتراب من السلطان، وصار الحكم في عداد التسلية والإمتاع والمؤانسة...
وهكذا صار كل خطاب سلطاني هو الكيس الذي تخرج منه الأفعى التي روضها السلطان الحكيم ذات عيد أو مناسبة، فكان أن يخرج الحواريون من زعماء الأحزاب ، الدوزان التقليدي (مجموعة الأدوات) لإقامة أية حلقة "الطبل والبنذير والطعريجة والغيطة.." ، ويشرعون في الصراخ كما البراح القديم ، في الرقص ولي أسفل الظهور بهذا لخطاب المعجزة، وبحكمة السلطان الفريدة، وفي العصر الحديث ظهر مفهوم الشيخة السياسية ( الراقصة)، التي تمجد هذا الخطاب، فتطلق لحنجرتها العنان " ها النشاط هاهو شاط" ثم تبدأ الغرامة و"التعلاق ويسخن الطرح ، وكل حزب سياسي ينال البركة السلطانية حسب رقصته، نواب في البرلمان وأضحية عيد ورخصة حزب وحضور حفل الولاء والولائم السلطانية..
في المقابل يفتح الرعايا البلهاء أفواههم، ومطلوب منهم "التصفيق " أو "ضرب الرش" باللهجة المغربية، ويقدمون الصوف والحليب والعسل .. وكل حسب ما تتصرف فيه يده، ويبعثون إليه بالدعوات وصلوات الشكر وبرقيات الحمد والولاء، عن طيب خاطر ، وينصرف الجميع سعيدا في انتظار أن تمطر السماء ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي