الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفينة الشعب الكادح، وسفينة الحكام و المؤلفة جيوبهم

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2011 / 4 / 7
حقوق الانسان


تتحكم الحروب في عصرنا الراهن بالتناقضات القابلة للانفجار و الناتجة عن أزمة الرأسمالية ، و يتم وفق نتائجها تقسيم الثروة والنفوذ بين القوى الكبرى المنتصرة ، لكنها في ذات الوقت تجلب النكبات على الطبقات والشرائح الفقيرة والمحرومة في المجتمع . وقد فتكت الحروب بالبنية التحتية في بلدان كثيرة في الجنوب العالمي بتدميرها المصانع والمعامل و الطرق و الجسور والمزارع ، كما سببت قتل عشرات الملايين من البشر وتشريدهم ، ونشر الأمراض الخبيثة فيهم. وكذلك أدت الحروب إلى تفسخ القيم الأخلاقية والثقافية ما اجبر المهاجرين وأجيال ما بعد الحروب إلى القيام بأعمال غير لائقة بالإنسان تنتهك كرامتهم لإعالة أنفسهم وأطفالهم ، و حسب قول اليوت إنهم اضطروا إلى الحياة في الأرض الخالية من الطير والربيع . نعم، انتعشت الرأسمالية الأمريكية بالاستفادة من الأوضاع الجديدة في المناطق الحربية وانتقلت إلى دورة جديدة من دورات تراكم رأس المال لاستغلاله في الخطط الجديدة للهيمنة على العالم.


فبعد 11 سبتمبر 2001 ووفق سياسة المحافظين الجدد أقدمت الولايات المتحدة على احتلال أفغانستان والعراق، ولا تزال الحروب بالنيابة على طالبان وصدام مستمرة لحد اليوم و تجلب لأهالي هذين البلدين المزيد من الفقر و الدمار و الظلم واليأس. هذه الحروب التي شنت بدعوى تثبيت أنظمة ديمقراطية في العراق وأفغانستان، جاءت في الواقع بحكومات رجعية للغاية إلى سدة الحكم .فإن حكومة كرزاي بلغت في الفساد درجة أثارت امتعاض حلفائه الغربيين وانتقاداتهم لها ، إذ أن وزراءه متورطون في تزانزيت المخدرات و السطو على أموال المعونات العالمية ، و التعامل الأمني والسياسي مع طالبان و المخابرات الباكستانية . فخلاصة القول إن هذه الحرب الديمقراطية أوصلت أفغانستان إلى مرحلة أكثر ظلاما وبؤسا في تاريخها. وإن ما جرى في أفغانستان يصح إلى حد كبير في العراق.
فحكومة العراق الحالية نموذج فاقع لحكومة فاسدة لا ديمقراطية و لا مدنية، وعميلة ، تشكلت نتيجة توافق الحركة القومية الكردية الرجعية ( الاتحاد الوطني و الديمقراطي الكردستاني) والإسلام السياسي الموالي لإيران جناح المالكي و أطياف قومية وطنية برجوازية موالية للغرب تدعي العلمانية ( جماعة العراقية ) . إن هذه الحكومة هي ثمرة حرب امبريالية بالوكالة ، تم تثبيتها بعد توافق قوى وأنظمة المنطقة و القوى الكبرى المتمثلة بشركاتها العملاقة . ومن أولى مهام هذه الحكومة الرجعية الطائفية تنفيذ سياسة الغرب الاقتصادية ، وإشباع جشع شركاته النفطية مثل اكرون موبايل ، شيل و توتال وبتروليوم .


احتجاجات شبيبة العراق وخاصة في كردستان والتي قدمت لحد اليوم 9 شهداء و عشرات الجرحى و مئات المعتقلين ، هي تعبير عن غضب الكادحين والمحرومين الذين يعانون الفقر و البؤس، والذين باتوا لا يطيقون الاستبداد وفساد الحكام و حراميتهم . إن مدينة السليمانية تشهد منذ شهرين تقريبا تجمعات جماهيرية احتجاجا على انعدام الخدمات و الماء الصالح للشرب و البطالة و انتهاك السلطات الحاكمة للحقوق الأساسية وفي مقدمتها الحريات السياسية والمدنية ، وحق التظاهر. وقد اثبت رد فعل السلطات الحاكمة مدى وحشية الحركة القومية الرجعية التي تدعي أن تجربتها في إدارة إقليم كردستان هي تجربة " مقدسة" وان على الكرد حمايتها من " الأعداء العرب والترك والفرس" ، هذه الكذبة التي لم تعد تنطلي حتى على الأطفال.

لقد تمادت السلطات الكردية في جرائمها بحق الجماهير المحكومة وجاوزت كل الحدود الأخلاقية و الاجتماعية بفتوى البارزاني بمعاقبة الداعين للمظاهرات والمحرضين عليها .

سفينة الشعب ليست سفينة الحكام و المؤلفة جيوبهم



تبين للعمال والكادحين في كردستان أن مظاهرات أهالي السليمانية يوم 16 شباط 2011 في ميدان الحرية كانت بداية المواجهة العلنية بين الجماهير و الكردايتي السياسي ، و في اليوم القادم حين قامت قوات الفرع الرابع لحزب البارزاني باطلاق النار على الشباب المتظاهرين، ما أدى إلى جرح 57 شخصا و مقتل شاب يافع يبلغ من العمر 15 عاما باسم ريزوان علي ، صرح سكرتير الحزب الحاكم أنه ليس من المقرر أن نكافئ من يرمينا بالحجارة بالورود" ، ما عرّى تماما الجوهر الرجعي لهذا الحزب و كل التيار القومي البرجوازي الكردي.

إن حركة الكادحين في سبيل حقوقهم وحريتهم وكرامتهم لا بد أن تتناقض مع سياسة السلطات المافياوية التي أخذت الزمام اثر الحرب الامبريالية على العراق و المنطقة ، و العقوبات الدولية على النظام السابق .
فرغم القمع والتضليل والاندساس تتأجج شعلة احتجاجات ميدان الحرية في السليمانية و تمتد بتداعياتها وأنوارها إلى بقية الحواضر والمدن والقصبات الكردستانية ، كما يستمر الكثير من الشبيبة الغاضبة بالالتحاق بالانتفاضة . فسرعة الأحداث نزعت أوراق التوت عن عورة الحركة القومية الكردية، إذ لم تؤد تهديدات وترغيبات البارزاني إلا إلى المزيد من اشتعال الغضب الجماهيري، و نفضت الجماهير عن نفسها غبار المعارضة البرجوازية وفرزت نفسها عنها و أصبحت الحدود واضحة بين مطالب الجماهير ومطالب المعارضة البرجوازية المؤلفة جيوبها والتي تخاطب الجماهير بدعوتها إلى ضبط النفس والهدوء بمنطق حكومة بديل ، وكأن الجماهير لا يعانون منذ عقود من الفقر و الإذلال و الاستبداد .
الجماهير تصرخ بأعلى صوتها أن لا حل ّ بإعادة الانتخابات التي تدعو إليها المعارضة البرجوازية ومثقفوها ، و لن تحل حكومة التكنوقراط مشاكل الناس ، ولن تحقق أهدافهم . وإن التغيير الذي ينشده العمال والكادحون يختلف جذريا عن التغيير الذي تدعو إليه حركة التغيير لنوشيروان وأحزاب الموالاة و المعارضة المؤلفة جيوبهم.
.
من الواضح أن الاحتجاجات في كر دستان العراق وكذلك في شمال إفريقيا والشرق الأوسط لم تصل مرحلة الراديكالية والجماهيرية الواسعة لافتقارها إلى قيادة عمالية هدفها قلع سلطات البرجوازية المافياوية من الجذور وإقامة سلطات المجالس العمالية و الكادحين .و لكنها رغم ذلك خطت خطوات متقدمة بمواجهتها الاستبداد و إعلان مطالبها الطبقية بالحرية والخبز و العمل..

ومن أهم منجزات الانتفاضة أنها جعلت أصباغ رؤوس ووجوه السلطات القومية تفقد بريقها أكثر فأكثر ، و لم يعد ثمة أي أمل بتحقيق الشعارات الكاذبة التي ترفعها حركة الكردايتي السياسي ومثقفوها البطرانون، بعد أن أخذ الشباب الثوري في كردستان يصرخ في وجه السلطات أن تجربتكم في الفدرالية والكردايتي لم ولن تكون مقدسة، وإن الكادحين و المحرومين في المجتمع الكردستاني لم ولا ولن يكونا يوما مع الحكام في سفينة واحدة .
.
و كذلك أثبتت الحركة الاحتجاجية أن السلطات القومية البرجوازية عاجزة تماما عن تلبية ابسط المطالب و سيّرت سلطات العائلتين إلى طريق مسدود ، بخيارين قاتلين ، إما قمع وذبح المحتجين للاستمرار في الحكم أو السقوط، وفي الحالتين ليس أمام الكردايتي السياسي إلا التهيؤ للرحيل قبل ارتكاب الخطأ الأكبر المميت أي المجازر بحق الناس الذين يدعون تمثيلهم . وإن المطالب الآنية للمحتجين، هي:
القبض على العناصر الذين أطلقوا النار على المتظاهرين و محاكمتهم لارتكابهم جرائم القتل
زيادة الحد الأدنى لأجر العامل الشهري إلى مليون دينار
و الحل الفوري لمشكلة الكهرباء وتوفيره على مدى 24 ساعة يوميا
و توفير العمل والضمان الاجتماعي و الصحي
إلغاء قانون منع المظاهرات و تعدد الزوجات
مصادرة الأموال المنهوبة ومساءلة محدثي النعمة وفق مبادئ " من أين لك؟"

وإن سقف المطالب في حالة ارتفاع مع رفض السلطات تلبيتها



‏الخميس‏، 07‏ نيسان‏، 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تسونامي الثورات
نضال شوكت ( 2011 / 4 / 8 - 20:24 )
مقال يلقي الضوء على منطقة يحاول المتسلطين عليها ان يدخلونها دوائر الخطوط الحمراء. وشأن الحكومة في الاقليم كشأن السابقين من الحكام العرب الذين يصورون للناس ان حالتهم خاصة ولا تشبه غيرها من الحالات التي انتهت بالاطاحة ، فتراهم يكذبون الى ان يصدقوا هم كذبتهم.
اود ان اسال الكاتب الكريم عن مسألتين في الشأن الكوردي في العراق وهما
-ما هي مواقف المثقفين الاكراد من المظاهرات والاحتجاجات الحاصلة في الاقليم اذ انني افهم من سياق المقال انهم يلعبون دورا سلبيا معاديا لتطلعات الشعب الكوردي
- هل المخاوف التركية من تسونامي الثورات العربية تأتي لصالح المتحكمين بمصير الشعب الكوردي في الاقليم
وشكرا لاهتمامك بهذه القضية التي اصبحت مصدر رزق وفير لاعداء الشعب الكوردي على طول الزمن


2 - المثقف الکردی المشکوک
حمدان الساحر ( 2011 / 4 / 8 - 20:53 )
تحیه للآخ حمید آولا
لقد رآیت بعض المثقفین الکرد یشترکون مع المتظاهرین فی میدان الحریه رغم آن السلطات الکردیه اغدقت علیهم المال الوفیر و وهبت لهم قطع اراضی و مساکن راقیه لم یحلموا بها وان اری وچودهم فی هذا المکان مشکوک و لا استبعد آن تکون مهمتهم تخریبیه لصالح آسیادهم سوالی هو لماذا لا یطردون من المیدان_
مع تقدیری


3 - دور المثقف أيضا
سالم الشيخلي ( 2011 / 4 / 8 - 21:05 )
تحية للأخ العزيز حميد المحترم وله الشكر الجزيل على مقاله التنويري المليء بالمواقف
الثورية الانسانية
تأكيدا على تعليق السيد حمدان الساحر
اتساءل أنا أيضا عن دور المثقفين الكرد التخريبي في الحركة الجماهيرية الراهنة في كردستان العراق اذ انني اشك في نزاهتهم و لا استبعد أن يكونا مندسين من قبل السلطات الحاكمة التي اغدقت عليهم بالمال الوفير و منحتهم قطع اراضي و مساكن راقية لم يحلموا بها ... أي باختصار اشترتهم كمرتزقة تتناقض مصالحهم كليا مع الناس الكرد الكادحين ولا يخفون عداءهم للشيوعية والشيوعيين في كلماتهم وخطبهم
فهل تتفق معي وماذا ترى في تساؤلاتي وكيف تقيم دورهم ؟ وشكرا جزيلا






4 - ردودي
حميد كشكولي ( 2011 / 4 / 9 - 09:17 )
شكرا للأعزة المعلقين فتعليقاتهم تركزت على دور المثقف الكردي في الاحتجاجات الحالية المنطلقة من ميدان آزادي السليمانية وهذه مسألة كبيرة من الصعب معالجتها في هذه الردود و تستلزم مقالا مني سوف اكتبه لاحقا.نعم يا اخت نضال أو الأخ نضال انني تابعت طروحاتهم التي لا تخدم الا السلطات وفي دعواتهم للرد على قوات القمع بالورود والقبلات والدعوة الى السلام والتوافق وخاصة ان كبيرهم البوست مودرنيست طالب بعدم تسييس الاحتجاجات ما فهمت منه ان اخشى ما يخشونه هو اخذ المبادرة من قبل العمال والكادحين و تنظيماتهم الشيوعيةز أما عن دور تركيا فهي فعلا خائفة من هذه الثورات المندلعة وبعد زيارته لكردستان شهدنا مدى تشدد رئيس الاقليم مع مطالب المتظاهرين ورفضه لابسط مطالبهم


5 - إلى الأخ رستم علو
حميد كشكولي ( 2011 / 4 / 9 - 18:29 )
الأخ رستم علو المحترم أرجو التمعن في المقطع التالي في مقالتي:
(الجماهير تصرخ بأعلى صوتها أن لا حل ّ بإعادة الانتخابات التي تدعو إليها المعارضة البرجوازية ومثقفوها ، و لن تحل حكومة التكنوقراط مشاكل الناس ، ولن تحقق أهدافهم . وإن التغيير الذي ينشده العمال والكادحون يختلف جذريا عن التغيير الذي تدعو إليه حركة التغيير لنوشيروان وأحزاب الموالاة و المعارضة المؤلفة جيوبهم. )
.
لتتأكد أنني لا أؤيد نوشيروان ولا حركته وانني اتفق مع رأيك أنه أيضا يسعى الى السلطة و حاليا غير راضي على حصته في السلطات والنفوذ ما دعاه الى تشكيل حركته الحالية المسماة بالتغيير . انني اكدت في مقالي أن التغيير الذي تنشده الجماهير الكردستانية يختلف عن هدف التغيير عند نوشيروان و المعارضة
وارجوا نني قد رددت على مداخلتك



6 - موضوع يعبر عن مطالب الچماهیر
سمير نوري ( 2011 / 4 / 9 - 20:18 )

عاشت اياديك عزيزي حميد كشكولي.
اننا لحد اليوم اي و لمدة اكثر من خمسين يوم نقوم بتنظيم المظاهرات في مدن كردستان و الجماهير يوما بعد يوم يزيد من اصراره على مطاليبه و الاحزاب الحاكمة لم تقم باي خطوة لحل الأزمة ويوم بعد يوم يتبين للجماهير بان هذه السلطة غير شرعية سلطةميليشياتي و اياديهم ملطخة بقتل اطفال مثل كرميان و ريزوان.
انك تطرح مواضيع تتوازي مع مطاليب جماهيرية و يسارية حقا لان مطاليب الجماهير يسارية و عمالية اننا الآن منهمكون في ميدان الحرية في السليمانية بطرح طريقنا للخروج من الوضع و افساح المجال لسلطة الجماهير.
Samir Noory · Toronto, Ontario

اخر الافلام

.. عائلات الأسرى الإسرائيليين: حكومة نتنياهو تخلت عن الأسرى وتر


.. الأمن العام اللبناني يشدد تطبيق القوانين على اللاجئين السوري




.. اعتقالات تضم الناشطة في المناخ غريتا ثونبرغ بمظاهرة تضامنية


.. بعد اعتقال سنية الدهماني، محامو تونس في إضراب




.. جدل في بلجيكا بعد الاستعانة بعناصر فرونتكس لمطاردة المهاجرين