الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


No More War

ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)

2011 / 4 / 8
الادب والفن


قصة قصيرة


صعد إلى القطار رجل ذو شعر أشقر طويل. يلف حول عنقه وشاحا مخمليا. قميصه المشجر له فتحة على هيئة مثلث قاعدته للأعلى، يغطي نصف بنطاله القصير. يحمل قطعة كارتون بيضاء مربعة الشكل، طول ضلعها يقارب المتر. يضع سلكين طويلين أبيضين في أذنيه، ينتهيان بسلك واحد في جيبه.
مرسوم في اللائحة علامة السلام باللون الأسود، وتحيطها ثلاث كلمات مكتوبة بألوان مختلفة، NO باللون الأخضر، MORE باللون الأزرق، WAR باللون الأحمر.
أكره التطفل على الآخرين. لكني لم أتمالك فضولي هذه المرة فقررت الذهاب إلى هذا الرجل وسؤاله عن مناسبة حمله لهذه اللائحة ذاك اليوم. فأنا أتسقط أخبار المظاهرات لأشترك فيها حتى لو حدثت في أيام عملي. أطلب إجازة من العمل، ولا يهمني حتى فقدانه.
المشاركة في أي مظاهرة في قمة الأوليات عندي، لاسيما الرافضة للحروب. متحديا سوء الطقس، الذي غالبا ما يصادف انطلاقها. ففي الشتاء تنزل درجات الحرارة إلى أدنى مستوياتها، ويسقط الثلج رغم أن مدينتنا نادرا ما تعرفه، وفي الصيف تهب عواصف ترابية وتمطر بغزارة. هل أن هذا الأمر مدبرا؟ هل يعمد أصحاب القرار الأمريكي لاتخاذ قرارات الحرب في أيام الطقس السيئ، للحد من مشاركة الناس في التظاهرات والمسيرات الرافضة للحرب! أم أن الطبيعة تشاركنا برفض الحروب؟
بدا على الرجل السكينة والراحة. لا يبدو عليه التعب من الهتاف والسير الطويل في شوارع المدينة، كأنه ذاهب للتو ليشارك في مسيرة أو تجمع احتجاج. هذا غير وارد، فالقطار آت من وسط المدينة التي عادة ما تقام فيها مثل هذه الفعاليات الجماهيرية.
تشجعت لسؤاله شاقا طريقي وسط عربة القطار. صرت قريبا من مقعده. ابتسم. قبل إلقائي عليه التحية رن هاتفه. أبعد السماعتين المربوطتين عن أذنيه وأخرج هاتفه من جيبه.
بدا منظري غريبا فداريت الموقف بإخراج هاتفي مدعيا ردي على مكالمة ما. لا أذكر ما قلته بالضبط. لا يهم ما أقوله في الأمكنة العامة عندما أتكلم بلغتي. أسبُ أحيانا وأشتمُ وأعلقُ على الأمريكيين الذين حولي في تلك اللحظة. متعة هي أن تقول ما يحلو لك أمام الآخرين وهم لا يفقهوا ما تقول.
ورثت ولعي بالتظاهر من أبي الذي مات كمدا. لم تفته المشاركة في أي مظاهرة منذ وصوله إلى أمريكا لاجئا. حتى بعد إصابته بالشلل، كان يستعين بي لدفعهِ على كرسيه المتحرك. مرتين فقط توقف عن التظاهر في حياته: الأولى في الوطن عندما سجن لأربع سنوات لأسباب سياسية، والثانية عندما مات. كان يكرر أن الساسة هناك آذانهم أمواس تقطع الألسن، وهنا آذانهم من حجر لا تسمع.
أصحاب العمل يتعاطفون معه لسنه ومرضه. كانوا يمنحونه إجازة وقتية للذهاب إلى المظاهرات في حالة انطلاقها خلال عمله.
علمني أبي الكثير من الإسرار: ...رافق صديق عند التظاهر، وإن لم تجد أحدا عليك بالتعرف على أحدهم هناك، الأفضل أن يكون قويا كي يحميك في حالة حدوث اضطرابات. أبق في الصفوف الأخيرة ليتسنى لك الهروب في حالة حدوث اعتقالات. خط لا فتتك بنفسك وبكلمات عامة لا تعرضك للمسائلة القانونية. إياك وحمل لافتات الآخرين. حافظ على سلامة حنجرتك بالهتاف المتقطع الهادئ، أي تحريك الفم فقط مرة والهتاف بصوت واطئ مرة أخرى وهكذا. خذ ما تحتاجه من شراب وطعام ومظلة وملابس أضافية ونقود...
تحادث الرجل مع أبيه. بدا أول وهلة لطيفا معه لكنه سرعان ما رفع نبرة صوته الغاضب قائلا: "هذا ليس من شأنك! لا يحق لك التحكم بحياتي حتى لو كنت أعيش في بيتك، لا تنس أني أدفعُ لك الإيجار".
أنهى المكالمة بكلمة (باي) جافة وقاسية. هز رأسه وكأنه يقول: "يا للآباء المزعجين!". أعاد وضع السماعتين في أذنيه وغرق في سماع الموسيقى.
ألقيت عليه تحيتي. رد بكياسة. فقرأت العبارة: " No More War". ثم سألته: "ما مناسبة هذه التظاهرة؟".
- لم تكن تظاهرة. كنت واقفا لوحدي تحت شجرة وافرة الظلال في وسط البلد، ملوحا بهذه القطعة للسيارات المارة.
- وهل هناك قرار جديد للحرب.
- كلا. اخترت هذا اليوم لأنه يوما جميلا وليس هناك ما يشغلني.

http://maithamsalman.blogspot.com/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص