الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاهرة الجوع

حيدر الاسدي

2011 / 4 / 8
الادب والفن


قصة قصيرة ( عاهرة الجوع )




حيدر الاسدي




الساعة ألان الخامسة وخمسة دقائق ...الساعة هذه لا تكترث بالآدميين...فلا تطيل حياتها إلا بضع أسابيع تمرق كما يمرق الشهب فوق الرؤوس المترعة باللذة على السرائر الفضية ، راديو الجار الثمل على الطوال يصيح بأغاني قديمة تناسقاً مع قميصه الممزق الذي يظهر به من نافذته بعد كل رفع أذان المغرب من ذاك الجامع الذي يجاورهم ،فهو تعود ان يتلصص من شرفته المتهرئة على ( سناء) التي تربي جيشاً من عيال الله ، بعد أن فارقها زوجها الذي ترك أثره في حاويات النفايات بعد أن امتطى متعودا كنس الازبلة المنتشرة في أزقة المدينة حينذاك،ولم تكُ رائحة سكان ذاك الزقاق بأزكى من رائحة تلك النفايات المتعفنة التي تغطي مساحات شاسعة من الأفرع والمساحات الفارغة ،وقد دأبت سناء ان تخرج صباحا بعيداً عن أعين ذاك السكير بعيناه الغائرة التي تتربص بها الدوائر وثمة من اشترك معه بهذه الخصيصة وصاروا يرتادون شرفاتهم يوميا ويصحون باكرا من اجل مراقبة سناء أين تذهب؟ ومتى تجيء ؟ وصار هذا شغلهم الشاغل ودأبهم اليومي ..أحداهن تخاطب ذاك العجوز الثمل :

- أنها تحمل أكياس لابد أنها تعمل في ماخورات دعارة ؟!

يجيبها وقد التوت رقبته ليطالع بإمعان من شرفته على جارته البدينة التي اتهمت سناء للتو :

- أنها تعود ومعها أكياس ملونة ..لآبد إنها مومس . والا من أين لها كل تلك الأكياس التي تجيء بها ...وإلا لماذا تعود مبكراً ...! لابد أن نقرعها أيما تقريع ! .

والبدينة بثوبها الأحمر الفضفاض تكشر عن تجاعيد وجهها المحبب وهي تمد بجسدها من الباب الأمامي لتكلم جارتها التي افترشت باحة الدار وهي تخيط ثوبا وترقع ما فيه من عيوب

- اعتقد أنها متسولة وليس مومساً!

- ربما ..لأنها تحمل أكياس معها وهي عائدة يوميا وقت المغرب بينما تخرج متلصصة مع زقزقة العصافير باكراً قبل انسحاب خيوط الفجر حتى .

وإجابتهم جارة ثالثة :
- اعتقد أنها .......استغفر الله ....!

ليخرج لهم الثمل وقد طرق الباب وهو يتوسل طلبا ان تمنحه قدح شاي تلك التي تتربص بسناء على امتداد الأسابيع .

- اعتقد أنها تمارس الدعارة من اجل المال ؟ لابد ان نجتمع ونطردها من المدينة فوراً.

وثمة صوت ناعم خرج من فم فتاة لازالت يافعة في مشوار الحياة هذه ومفاوزها ومنغصاتها ،ابنة هذا الثمل أنها زهرة اقتطفت زورا من واقع قاهر ..

- حرام عليكم تتهمون المرأة باطلاً ...عندما قتل زوجها أمام أعينكم برصاص الأوباش لم يحرك أحدكم ساكناً ولم يكلف نفسه بزيارتها أو السؤال عن حالها ..فاتركوا المرأة تعمل ما تشاء .

- اسكتي أنتِ لا تتفلسفي علينا .أنها عار على مدينتنا !!

وبينما الجدال قد حمى وطيسه بين البدينة والبنت الناعمة والسكير بدا أنهم سيكيدون مكيدة
لتلك المرأة ...أنها فاسدة ..فاسقة ...امرأة هوى تبيع جسدها لمن هب ودب ..! فلا تستحق أن تعيش بوسط نظيف كوسطنا هذه أخر جملة خرجت من السكير قبل أن يفض هذا الاجتماع ما بين سكان الزقاق .وعندما بدأت الشمس تسحب نفسها من المدينة في اليوم التالي كان الجميع يرقب باب الدار لكي يروا خطوات سناء وهي تعود لبيتها ...انتظروا عشر دقائق قبل ان تباغتهم بخطوات متعثرة وكأنها تتلصص وهي عائدة كمن يتخطفها أخر ويركض ورائها لتهرع بقدمين متعثرتين لتطرق الباب على عجالة ..بينما راحت إقدامهم عجلى لكي توقفها عند حدها بعد أن حملوا معهم المصابيح وقد استفزتها البدينة بسؤال وبصوت جهوري أجش وهي تسخر منها :

- أنتِ...يا محترمة ..لقد كشفناك ...يا ساقطة عليك أن تغادري المدينة ألان وفي هذه الظلمة وإلا حطمنا البيت على راسك ورأس أطفالك !

أجابت سناء بصوت متلعثم خائف وجسدها يرتجف من أعلاه وحتى أسفله :

- انا...انا ..ماذا عملت ...لماذا؟

- لا تتظاهري بالطيبة فقد انكشف أمرك لنا جميعا وقررنا طردك من البيت بدلا من عقابك.فأنت صرتي تنغصي حياتنا..

- وما فعلت انا ؟

- أنت تمارسين الدعارة ونحن نخشى على بناتنا الشابات هنا فلا نريد لمدينتنا أن تعيش فيها امرأة مثلك تلوث عقول المراهقات وتجعل مهنتك مستساغة لديهن .

- انا لم أفعل ما تفوه به لسانك يا جارتي ؟!

- إذن ما هذه الأكياس ولماذا تتلصصين فجراً خارجة وتعودين بعد غياب الشمس ؟ ولماذا
تخفين الأكياس عناّ ولا تقولين ما هي مهنتك ووظيفتك التي تأخذك النهار كله من البيت بعيداً عن بناتك اللواتي فتحت عيونهم للتو على الحياة ؟

- يا جارتي : انا اخرج صباحا ابحث في نفايات الأغنياء عن ما تبقى من فضلاتهم من خبز لكي أبيعه واشتري ملابساً لبناتي الثلاث تغطي أجسادهن.. وما تبقى منه أعود به وجبة وحيدة لعيالي اليتامى بعد أن تخلى الجميع عني وتقطعت السبل بيّ في فترة ما بعد مقتل زوجي ...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد