الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة إنسانية

نجاة زعيتر

2011 / 4 / 8
الادب والفن


خصتني بعنايتها هذا الصباح،أعدت لي قهوتي الثقيلة،أخرجت لي بدلة الأحد ،مسحت حذائي الرياضي ، ركزت جيدا على بقعة كانت قد تجاهلتها منذ مدة و لم تجتهد لإزالتها،قالت لي عندما أدرجت ملاحظتي وهي تغادر إلى المسبح : لا يهم فنحن لا نقيم بأحذيتنا.



لم تلاحظ قلقي و إصراري على الإعتناء بالصغير ليل نهار، أمس إستيقظت مرتين الشيئ الذي لم أفعله أبدا منذ ولادة إبننا أي منذ سنتين،سألتني إن كنت بحاجة لها قبل أن تغادر؟ لكنني إكتفيت بتحريك رأسي نفيا.

إلتقيت بها في مطار العاصمة الفرنسية كانت عائدة من رحلة إنسانية من السودان و كنت أحمل القليل الذي أملك و جئت باريس طالب علم كانت هذه حجتي للهرب من قريتي العائمة في الفقر و التخلف.لم أخجل من الرد على إبتسامتها الشيئ الذي كنت لا أجرؤ عليه قبلا.

هي لا تستطيع أن تنكر أنني كنت لطيفا و قريبا إلى قلبها .نفذت كل رغباتها عاشرتها بمقاييسها لم أناقشها يوما و لم أفرض عليها شيئا من ثقافتي التي يبدو أنني إستغنيت عنها منذ وضعت رجلي على أول درج في الطائرة التي أقلتني إلى هنا.أحيانا أحس أنها تستفزني لأعارضها،كان يجب أن أحتج حين أطلقت على إبني إسم "جوهان" فقد تزوجنا و أنا طالب جاء باريس بجواز سفر و كثير من أحلام الطلبة الأجانب التي سرعان ما تتيه و تتبدد في الشوارع الباريسية بين فواتير الغرفة ووجبات المطاعم و غسل الثياب و..لما لا بعض السجائر و زجاجات البيرة من ذلك الصنف الرديئ الأبخس ثمنا .لكنني حين إلتقيت بها، هي الفرنسية المحبة للبشر دون التدقيق في جنسياتهم و ألوانهم،لم أتردد أبدا في التدرب على بعض الرقصات الحديثة كي لا أخجل من مرافقتها إلى النوادي التي يرتادها الطلبة في العادة.لكنني لم أخطط للتورط معها في بعض تفاصيل يومياتها التي لا تشبه في شيئ تفاصيل فتاة باريسية في العشرينات من عمرها ، "فآن" لم تكن تجيد الرقص فحسب فهي ذكية دون خبث وسع قلبها مشاكلي العويصة و أسئلتي الوجودية .ملامحها الفاتنة التي إستغنت عن كل أنواع "الماكياج" كانت فقط تثير قلقي،أما أناقتها البسيطة فهي لا تستحي أبدا من الإعتراف بأنها تكتفي بالثياب المستعملة التي تقتنيها من هذه الجمعيات التي تجمع التبرعات بكل أشكالها من ثياب و أثاث وكتب و تعيد بيعها بأثمان زهيدة لتشتري بعائداتها موادا غذائية تتبرع بها على المشردين و كل من عبثت بمصيره عواصف الحياة المجهولة . بينما مرتبها كممرضة ليلية يخول لها أن تدخل محلات "شانيل "لو شاءت دون أن تتردد .و هي تدعوني إلى بيتها لأول مرة طلبت مني أن أترك سجائري خارجا ثم شرحت لي بأنها لا تحب إقتناء ما يزيد عن حاجتها و لا ينفعها في شيئ، حتى لا أفاجأ ببيتها الخالي من الأثاث "الديزاين"كما قد أتوقع. بل أكثر فأغلب أثاثها مما يتخلص منه بعض جيرانها المغرمين بالديكور الجديد. و ما تعلن عنه بعض المواقع المتخصصة في عالم "المجاني".إنه أسلوب حياة يقتسمه أغلب الشباب الحديث الذي لا يريد أن يساهم في تحميل الأرض من القمامة أكثر مما تحمل، أنا الذي لا يحمل من المبادئ سوى إنقاذ نفسي و تسليتها .

قالت لي ذات مرة رميت فيما كيسا من البلاستيك: تخيل أن هذا الكيس سيستمر في تشويه الأرض لآلاف السنين،عدت ألتقطه. لم أعترض و لم أقل لها أبدا أنني أرمي بكل مبادئها و كفاحها في المزبلة

لكنني بدل ذلك أمنت على عقيدتها بأن إشتريت دراجة قديمة لأرافقها في جولاتها الأسبوعية خارج باريس لجمع أكياس البلاستيك التي تنمو على الأشجار كفواكه سامة بألوان متعددة ،أسعدتها مبادرتي و فهمت أنا أنني وجدت السبيل إلى قلبها

كنت أمني نفسي في ذلك المساء بمأدبة جنسية لكنها أوضحت لي قبل أن أدخل شقتها،أنها لا تمارس الجنس من أول ليلة فهي من هذا الجيل الجديد الذي لا يستهلك الجنس بل يمارس الحب وهي تفضل إنتظار الحب والتعرف عليه بالتدريج بدل أن تتجرع هزائمه منذ أول ليلة ؟ كان سطل الماء باردا على جسدي المشتعل أنا الذي كنت أمني نفسي بليلة كالتي أشاهدها في أفلام يقظتي و نومي.و بمادة دسمة لحكاية ساخنة أرويها لشريكي الإيراني في الغرفة.

لكنها وعدتني بشيئ دافئ بعد عودتها من رحلة إنسانية إلى فلسطين.جلبت لي بعض البرتقالات باقة زعتر و الكثير من المآسي عن شعب مضطهد،و أطفال يموتون من قلة الدواء و الخبز ثم أسرت لي أنها تبرعت بكل ما كان لديها من مال لإحدى الجمعيات التي ترعى اليتامى في غزة قبل أن تعود.إستمعت إليها دون أن أبدي رأيي ككل طالب حاجة و بين حكايتين وبرتقال تين عرضت عليها مشاركة حياتها،لم أخف عنها أنني قد أرحل إلى الجزائر إذا لم يسوي وضعي بالزواج .لقد كنت دائما سرة الكون ،ما العيب فأنا لم أولد مثل هؤلاء بملعقة عسل،في قريتي المتقشفة حتى الحمير تتمنى الهجرة ،فما عدا المدرسة التي بدأت جدرانها تهترأ، و الجامع الذي لا يؤمه سوى العجائز،و المقهى الذي يكتض ضجرا و وسخا لا شيئ يثير الإنتباه ،فمنذ سنوات لا أحد عاد ،بقي أبي و أمي و بعض كبار السن فقط ممن يصرون على الإعتناء بأشجار الزيتون و الرمان ،أما أنا فأظن أنني لم أرغب في الإعتناء بأي شيئ أو شخص آخر سواي.لم تخبرني لماذا قبلت الزواج مني؟ربما إعتبرتها مهمة إنسانية فلم تتردد كما عادتها.صراخ طفلي بدأ يثير التسائل،في المستشفى سألوا عن أمه ثم طلبوها على عجل. عملية الختان كانت صعبة ،لكنها ناجحة .حملته و إختفت عندما عدت إلى البيت لم أجدهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??