الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (١٨): عندما يستهدف الجيش!!

عبير ياسين

2011 / 4 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



لعل السؤال الذى سألته لصديق خلال مكالمة طويلة عن الأحوال فى مصر تحول بعد ساعات لتساؤل مشروع: أن أردت أن تعيد تجديد بيتك الذى تسكن فيه هل ستقوم بهد كل شئ مرة واحدة؟ هل ستقوم بافراغ كل الحجرات، ووضع كل الأشياء على الأرض خلال القيام بعملية الدهانات مثلا؟ وكيف ستعيش فى البيت عندما يحدث هذا؟ هل ستبحث عن بيت بديل يمكن الحياة فيه حتى تنتهى عمليات التجديد؟ وأن حدث ووجدت هذا البيت البديل: هل تثق بأن محتويات بيتك الأصلى لم تتأثر سلبا بسبب طريقتك فى التغيير؟ ألن تتأثر محتويات البيت بالفعل؟ وألن تصبح عملية التغيير أصعب مع الهدم الكلى الذى حدث؟ ألن تصبح عملية البناء أكثر تكلفة وأطول زمنا ويتخللها حالات يأس ممتدة من صعوبة الحل

تلك التساؤلات التى لا تبدو على المستوى العام تساؤلات كبرى، تظل كذلك عندما يتعلق الأمر بالفرد ومساحته الخاصة. وعندما نأتى للحديث عن الدول تصبح المساحة العامة للدولة شأن يخص مكونات تلك الدولة وتحديدا عنصرها البشرى. ومن المؤكد أن عمليات الهدم أو التجديد لها قواعد للقيام بها، وكلما زادت الانعكاسات الممكنة أو المحتملة لها، زادت المسئولية وأصبح من الضرورى أن نراعى المزيد من الاعتبارات فى عملية الهدم والبناء

تلك الحالة هى التى تثيرنى فى المشهد المصرى منذ فترة وقد ظهرت واضحة خلال أحداث الجمعة الموافق ٨ أبريل ٢٠١١ فيما أطلق عليه جمعة التطهير، فالأجندات التى تبنتها تلك الجمعة جاءت مثيرة لتساؤلات ومدشنة لحالة تنذر بغياب حالة الثورة الشعبية عن المشهد أن استمر ميدان التحرير فى سياقه الدائر

جزء من المشهد المصرى أصبح يعبر عنه بمن يريد أن يغير بيته، وهو يسكنه، ويقوم بتكسير كل شئ، وانزال كل الأشياء من أماكنها على أمل أن يبدأ بعد الهدم فى البناء

من يقوم بمثل هذا التحرك فى الشأن الفردى يفتقد الرشادة، لأنه ببساطة لم يحافظ على قدر من الاستمرارية لما لديه يمكنه من استمرار الحياة فى مساحته الخاصة دون أن يهدم أو يتحول عالة على أحد ما. فمن يقوم بالهدم الكامل على أمل البناء يخسر الكثير ليس فقط من حياته التى تتحول لحياة غير طبيعية، ولكن يفتقد الكثير من الأشياء الأخرى التى يحتاج اليها من أجل البناء لاحقا. ويتأكد مع الوقت أن النظام والبناء المتوازى أفضل كثيرا

عندما ننتقل للمشهد المصرى نجد تزايد لدعاوى الهدم، دعاوى تجعل بعض الأفراد تتولى بنفسها دور الدولة عن طريق هدم قواعد الدولة ذاتها باسم الإصلاح، يطالبون الشعب بالهجوم على المحافظات والجامعات ومقار الحزب الوطنى وينتقلون لمهاجمة الجيش ممثلا بصفة أساسية فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة

ولكن السؤال هل مثل تلك التحركات تساهم فى بناء مصر أم هدمها؟ وأن كانت تساهم فى عملية البناء فهل نتعلم من حالة الهدم والبناء الشخصى لحالة الهدم والبناء العام

الفكرة الأساسية التى تسيطر لدى فيما يخص دور القوات المسلحة ممثلة فى مجلسها العسكرى الذى يتولى السلطة فى مصر تقضى بأن هناك رمز يحافظ على صورة الدولة ويدير عملية التحول بافتراض الا يتم الهدم الشامل لمؤسسات الدولة باسم الإصلاح القادم

الفكرة الأساسية أن غياب رئيس الدولة ليس مفتاحا للإصلاح فى مصر حيث الفساد متوغل ومنتشر فى الكثير من المؤسسات والأهم فى أنماط الحياة اليومية

الفكرة الأساسية فى الثورة أن هناك من يحافظ على حالة تماسك الوطن حتى لا تسقط جدرانه ويصبح البناء مسألة مشكوك فيها وشديدة الصعوبة أن تمت

عندما حدثت الثورة فى مصر كان من الواضح أن الجيش هو الملجأ الأخير، والعنصر الذى يحقق لمصر حالة الأمان المفتقد أمام عنف النظام الحاكم. وعندما ظهر الجيش فى الصورة كان من الواضح أنه منتمى للشعب الذى ينتمى له، وأنه لم يتخذ كما حدث فى دول أخرى مواقف ضد الثورة من خلال الانتصار للنظام الحاكم مثلا. وعلى الرغم من هذا ظل البعض يتحدث عن تؤاطو الجيش أو عدم كفاية تدخله ومرت المرحلة دون قطيعة ولكن مع بعض المخزون المحمل ضد الجيش

انتقلنا لمرحلة أخرى حيث تولى الجيش المسئولية مؤكدا على أنها مرحلة انتقالية، وأنه لا يرغب فى الحكم، وأنه باق حتى تتم الانتخابات ويعود لدوره الأمنى. ومع تصورى أن جزء من السيولة نابع من زهد الجيش فى الحكم، فأن مواقفه تبقى واضحة ومعلنة وغير قابلة لإعادة التفسير لأنه كان يملك القول أنه سيبقى لسنة او أكثر كما يحدث فى حالات أخرى أو كما طالبه البعض

بدأنا كما يفترض فى عملية البناء التى طالب بها الجيش أو رسمها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذى يفترض أنه تحدث عنها مع العديد من تلك الشخصيات والاسماء التى تطرح نفسه على المشهد الإعلامى منذ أحداث التحرير. وبالفعل تم أجراء الاستفتاء وتحديد موعد الانتخابات التشريعية. ولكن بدلا من التركيز على برامج وتوعية وانتخابات قادمة يفترض أن تدشن تغيير وجه مصر فعليا لدولة قانون، تفرغ البعض للحديث عن جهل الشعب الذى قال نعم، وعن رفض النتيجة والحديث عن مظاهرات ضد النتيجة رغم أنها شعبية وليست عبر صناديق معدة سلفا

وبدلا من المسار الإصلاحى التغييرى المفترض بدأنا فى مرحلة جديدة تتحدث عن اسقاط المشير والمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى صورة تتسم بالفوضوية

بدلا من ان نفرز من نستمع له ومن يملك المعرفة والحق للحديث أصبحنا نتحدث عن أى أحد، ونشير لفرد واحد بوصفه دليل كاف للتحرك الذى يخص مستقبل دولة وشعب كامل، وعدد من المنتمين للقوات المسلحة الثائرين والمتحدثين عن فساد الجيش وضرورة اسقاط المشير، وفديوهات لمن قيل بانتماؤه للجيش.. ومع عملية النقل وإعادة النقل عبر الفضائيات وقنوات التواصل الاجتماعى المختلفة تتحول الكلمة الواحدة إلى معلومة ومصدر وصفحات واتباع للآسف

بعد تلك الخطوات التى جلس فيها الجميع مع المجلس الأعلى ووضعوا ما يرغبونه على مائدة النقاش فى الغرف المغلقة والحوارات التلفزيونية نبدأ مرة أخرى للحديث عن اسقاط المجلس وتشكيل مجلس رئاسى على الرغم من توافق الشعب عبر الاستفتاء على خطوات المرحلة القادمة

لا أنفى تحيزى للقوات المسلحة المصرية فى عمومها، وأعلن كما علمنى أساتذتى عن هذا التحيز كجزء من الموضوعية العلمية كلما كان هذا ضروريا. ولكن من يملك الآن الحديث باسم شعب مصر؟ ومن يجعل فرد يتحدث لفضائية جديرا بالحديث عن الشعب المصرى كما فعل غيره من قبل

لست أتحدث باسم أحد، وليس لى أجندات مع أحد فيما سبق أو فيما يلى فأجندتى الوحيدة للأبد هى مصر كما اتمناها وأرجوها دولة مدنية قوية حرة عبر حرية مواطنيها. وأعرف أن مسمى المصلحة العامة والأمن القومى وحب الوطن دوما قد يقود للجنة والنار فى ذات الوقت، المطلوب فقط الا نهدم البيت باسم البناء، والا نهدم الوطن باسم البناء

مع غياب الأمن الذى لازال مسيطرا بروح القلق على عدد غير قليل من البشر، والذى تظهر انعكاساته واضحة من نوعية الجرائم التى تحدث وتوقيتها، ومع الدخول فى نقاط لا تمس روح الدولة نصبح فى مجال للتساؤل: هل سنبقى أمام ثورة شعبية فعلا؟ هل سنكون قادرين على عملية البناء؟ أم أننا سنتحول لفرق بعضها يضع أجنداته وبعضها يخرج لمعارضة تلك الأجندات؟ هل ستصبح مصر كما أردناها أم سنتحول لصورة البيت المتهدم على أمل
البناء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 5.4 مليار دولار تكلفة السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة


.. تصاعد الانقسامات السياسية.. حرب غزة لم تنجح في توحيد الصف ال




.. طفلان يختبئان داخل تنورة والدتهما من البرد في غزة


.. كتائب القسام تعلن أن مقاتليها قطعوا إمداد قوات الاحتلال شرق




.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه