الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام في كوبا ، الحلقة الأولى

فائز الحيدر

2011 / 4 / 10
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


أيام في كوبــا

الحلقة الأولى

فائز الحيدر

لا أدعي إن زيارة قصيرة تكفي لأخذ صورة متكاملة عن الحياة في كوبا هذه الأيام ، ولكن يمكن أن أقول إن ما سجله قلمي في دفتر ملاحظاتي الصغير من مشاهدات قد يكون كافيا" لأعطاء فكرة ولو بسيطة للقارئ عن الحياة في هذه الجزيرة الواقعة في البحر الكاريبي وشعبها الصامد أمام حصار قاتل ومتواصل منذ تسع وأربعون عاما" !!!!!

ليس هناك معنى واضح لتسمية كوبا ، فالتسميات عديدة ، لكن الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا ) تذكر إن إسم كوبا يعود إلى لغة ( التاينو ) ، ويعتقد البعض إنها جاءت من كلمة ( كوباو ) وتعني ( الأراضي الخصبة الوفيرة ) ، أو من كلمة ( كوابانا ) وتعني ( المكان العظيم ) كما يعتقد بعض العلماء ، أما المستكشف كريستوفر كولمبوس فقد أطلق عليها إسم ( كوبا ) تيمناَ ببلدة كوبا القديمة في منطقة ( بيجا ) في البرتغال . ويقال أيضا" أن تسمية كوبا قد جاءت من كلمة ( قبة ) التي أطلقها بعض البحارة العرب المرافقين لكولمبوس عند وصلولهم الجزيرة ومشاهدتهم لشئ ما يشبه قبة الجامع فأخذوا يصرخون عن بعد قبة ...قبة وتحولت الكلمة تدريجيا" إلى كوبا .

وقبل البدأ في إعطاء تفاصيل زيارتنا إلى كوبا لابد أن نعرف شيئا" عن هذه الجزيرة الساحرة وتأريخها . فكوبا هي إحدى جزر البحر الكاريبي ، تقع بين كل من البحر الكاريبي والمحيط الأطلسي ، جزيرة ساحرة صامدة بوجه أقسى حظر تجاري عرفه التأريخ ، وهي ذات طبيعة جميلة ، سطحها يتكون من مروج خضراء ومنخفضات نهرية وسلاسل جبلية عديدة غنية بالعديد من المعادن مثل الحديد والمنجنيز والنحاس والنيكل وغيرها ، إضافة إلى العشرات من الأنهار والجداول ، تتميز شواطئها بالخلجان العميقة وسواحلها الرملية البيضاء وجزرها المرجانية ، أما مناخها فيتميز بالأعتدال وبالأمطار الغزيرة التي تكسب الأرض خضرة دائمة. ومن صادراتها التي تعتمد عليها بإقتصادها هي الأخشاب والسكر والسيكار والمشروبات الكحولية والبن والقنب والأسفنج والجلود وفواكه المنطقة الإستوائية .

ونظرا" لما تتميز به كوبا من مميزات سابقة وموقع جغرافي إسترتيجي هام وموارد طبيعية وخصائص تأريخية وإقتصادية وإجتماعية فقد كانت هدفا" ومنذ عقود لأطماع الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ فترة الإستعمار الأسباني لكوبا ولغاية اليوم ، وقد حاولت أكثر من مرة شرائها من أسبانيا وظلت تنتظر الفرصة المناسبة من أجـل وضع يدها عليها حتى نجحت في مسعاها في عام 1898 حين أرسلت أسطولها وآلاف الجنود إلى كوبا لطرد الأسبان وتحتل كوبا عسكرياً .
ومن المناطق المهمة في كوبا التي تشغل الشعب الكوبي وحكومته منذو عقود وأصبحت محط أنظار العالم هي منطقة ( جوانتانامو ) البالغ مساحتها أكثر من سـتة آلاف كم مربع والتي إكتسبت شـهرة عالمية في السنوات العشرة الماضية ، لقد قام الرئيس الكوبي الأسبق طوماس في عام 1903 بتأجيرها إلى الولايات المتحدة بشكل دائم مقابل 4000 دولار سنويا" إمتنانا" منه في ذلك الوقت للمساعدة التي قدمتها أمريكا لتحرير كوبا من الحكم الأسباني . لقد تحولت هذه المنطقة ومنذ الخمسينات من القرن الماضي إلى قاعدة عسكرية أمريكية تهدد الثورة الكوبية وتحولت في السنوات الأخيرة إلى قاعدة لإحتجاز عناصر منظمة القاعدة الذين ساهموا في هجمات 11 أيلول/سبتمبر عام 2001 على الولايـات المتحـدة ، وكثيـرا" ما وصفهـا الرئيس الكوبي فيدل كاسترو بأنها ( خنجر في جسد كوبا ) .

إن إختيارنا لكوبا لقضاء إجازة قصيرة ، أمر أثار دهشة الكثيرين من المعارف والأصدقاء الذين أخذوا يتندرون لهذه الزيارة ويتوقعـون بأن الغاية منهـا ليس النزهة والراحة ومعرفة واقع الحال في هذه الجزيرة والأبتعـاد عن صقيع كندا بالذات والتي تصل البرودة فيها إلى ما دون الخمسة والعشرين درجة مئوية تحت الصفر شتاءا" ، لكن بهدف البحث عن اللهو والجنس ، لأن نساء هافانا كما يتصور البعض يقفن طوابير على أرصفة شوارع هافانا بحثا" عن الدولارات التي يتكرم بها السواح ، ولكن عندما يعلمون إن هذه الرحلة ستكون برفقة زوجتي لا يلبثوا أن يغيروا رأيهم ويحملوني السلام والتحيات إلى الشعب الكوبي البطل و زعيم الثورة الكوبية وقائدها ...( فيدل كاسترو ) .

كما لا أخفي القول إن زيارتي القصيرة هذه سوف لن تكون مشابهة لزيارة أخرى قمت بها سابقا" لدول مختلفة من العالم لغرض قضاء وقتا" ممتعا" والأطلاع على المعالم الفنية والتراثية لتلك البلدان ، لأن كوبا كما أعتقد لا تشبه غيرها من الدول ، فالجزيرة ورغم الحصار قد تحولت في السنوات الأخيرة إلى قبلة السواح الأوربيين والكنديين بالدرجة الأولى ومن ثم الامريكيين الذين يتحايلون على القوانين للدخول إليها عبر دول أخرى في أمريكا الجنوبية أو بلدان البحر الكاريبي بسبب الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على هذه الجزيرة الساحرة .

في زيارتي هذه قد تحقق الحلم الذي راودني طيلة سنوات طويلة لما أحمله من آراء وأفكار ومتابعة لمسيرة الثورة الكوبية وقادتها ورموزها منذ إندلاعها ولحد اليوم ، حملت معي في رحلتي هذه حبا" كبيرا" لهذه البلاد وسر صمود الشعب الكوبي في وجه الحصار الأمريكي ، ففرصة زيارة كوبا في فترة حكم راؤول كاسترو وفي وقت لا زال فيه فيدل كاسترو على قيد الحياة بعد أن تنازل عن كافة صلاحياته فرصة لا تعوض بدلا" من يجهد المرء نفسه في البحث في الكتب عن من عايش هذه المرحلة .
كما وحملت معي رغبة كبيرة في أن أدخل في الحياة اليومية للناس ، وأحلامهم وأناقشهم في مستقبلهم قـدر المستطاع وبما يسمح به وقت الزيارة القصير ، فقد أكتشف كولومبوس الجزيرة قبل مئات السنين وعلينا اليوم أكتشاف ما يقوله ويفكـر به المواطنين الكوبيين في هذه الأيام وعن قرب وفق الحقائق على الأرض بعيدا" عن التشويه الأعلامي الأمريكي . إننا ندرك إن هناك إختلافا" كبيرا" بينا وبين شعب كوبا ، فنحن نختلف عنهم بالكثير ولا نشبههم بشيء ، لا في الشكل ولا في البشرة ولا في التحمل ولا في الأرادة ولا في القدرة على الصمود في وجه حصـار يعانـون من تبعاتـه منذ سنين طويلة ولكـن لـدينا الرغبة في التعرف عن حياتهم عن قرب ومدى تأثير الثورة عليهم ولو لبضعة أيام ولربما يتصورها البعض غير كافية لما أصبوا إليه ولديهم الحق في ذلك التصور .

يروي لي مدير المكتب السياحي في فندق فاراديرو الذي نسكنه وهو شاب في مقتبل العمر عن الواقع السياحي بقوله ....بدأت كوبا بشكل عام وهافانا بالذات وبقية المدن السياحية بإستقبال الزوار من مختلف بقاع العالم وبأعداد كبيرة منذ خمسينيات القرن الماضي ، حيث كانت السياحة مقتصرة على البغاء والمقامرة والسكر والمافيات ، ولكن بعد الثورة قامت الحكومة الكوبية بجملة من الأجراءات للتخلص من هذه الظاهرة الأجتماعية الخطيرة وبدأت بإغلاق العديد من الحانات وصالات القمار وبيوت الدعارة بإعتبارها من المساوئ الأجتماعية التي يجب التخلص منها ، ومع تدهور العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة وبدء الحظر الأقتصادي على كوبا عام 1962 إنخفض معدل السياحة بشكل كبير وعانت كوبا من مشاكل إقتصادية كبيرة دفع ثمنها الشعب الكوبي ، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الكوبية بوجه عام وفيدل كاسترو بشكل خاص يعارضون مبدأ الأهتمام بالقطاع السياحي لكونه يساعد على إنتشار الجريمة الموجهة من الولايات المتحدة ، ولكن في عام 1982 تغير موقف الحكومة الكوبية ووافقت على قانون الإستثمار الأجنبي و فتح المجال لرؤوس الأموال الأجنبية للمساهمة في مجالات عدة ومن ظمنها تطوير القطاع السياحي حيث تم إنشاء عدد من الشركات الخاصة لتطوير الفنادق وإدارتها لزيادة عدد السواح . وبعد إنهيار الأتحاد السوفياتي في عام 1989 وقطع المعونات الأقتصادية ، دخلت كوبا في أزمة اقتصادية حادة وأصبحت في حاجة ماسة للعملة الصعبة ولم تجد غير الأهتمام وتطوير القطاع السياحي بشكل سريع للحصول على ما تريد ، لذلك أنفقت مبالغ كبيرة في هذا المجال لجذب الزوار ، وما هي إلا عدة سنوات حتى أصبحت السياحة إلى كوبا الأولى في منطقة البحر الكاريبي لأسعارها المعقولة قياسا" إلى جيرانها في البحر الكاريبي ، ومن جانب آخر تولى المعهد الوطني للسياحة أدارة العديد من المؤسسات السياحية وفتحها لعامة الناس والفقراء بعد أن كانت مقتصرة على أغنياء كوبا فقط ، أما اليوم فيعتمد الإقتصاد الكوبي على السياحة كإحدى المصادر الأساسية للدخل الوطني حيث تتوفر الفنادق والمنتجعات الفخمة التي تضاهي أفخم الخدمات الفندقية حول العالم لما تملكه من شواطئ جميلة ومياه زرقاء تمتد لما يقارب ستة آلاف كم ، هذا بالإضافة للنوادي والأماكن الترفيهية وشبكة المواصلات الحديثة ومستوى الأمن العالي.. كما يتميز الشعب الكوبي بالود والأبتسامة واللطف البالغين فيما تعد الأسعار في كوبا معقولة مقارنة بأماكن سياحية أخرى لذلك يزور كوبا ما يقارب مليوني سائح سنويا".

يتبع .... الوصول إلى منتجع فاراديرو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على معبر رفح تزامنا مع تواصل المفاوضا


.. -ندعي يجينا صاروخ عشان نرتاح-.. شاهد معاناة سكان رفح وسط هرو




.. غالانت: مستعدون لتقديم تنازلات من أجل استعادة الرهائن ولكن إ


.. الرئيس الإيراني: المفاوضات هي الحل في الملف النووي لكننا سنل




.. إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكدان مواصلة العمل بات