الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور التخلف الإجتماعى والإقتصادى فى مصر

محمد عادل زكى

2011 / 4 / 12
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لم يكن المجتمع المصرى، بتركيبته الإجتماعية بكُُُل خصوصيتها، ليتعرف فى فترة تاريخية مبكرة على السوق الرأسمالية الدولية فى توسعها المستمر؛ إلا من خلال الحملة الفرنسية، والتى مثلت أول تعارف، عدائى رسمى وواضح، فيما بين المجتمع المصرى، وبين الإقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر.
وإذ يكون من أهداف الحملة تعويض الخسائر الفادحة التى لحقتها فى حربها الإستعمارية مع إنجلترا، مع ضرورة توفير الغذاء بعد إزدياد السكان وبصفة خاصة فى الجنوب، بتحويل مصر إلى مزرعة كبيرة، تمد الصناعات الفرنسية بما يلزمها، بالإضافة إلى جعلها منطلقاًً إستراتيجياًً فى البحر المتوسط، فإنه يتعين إتخاذ عدة إجراءات تخص إجراء المسح الشامل للأراض المصرية ودرسها بمن عليها، وهو الأمر الذى تحقق عملاًً من خلال: وصف مصر. وهو الأمر كذلك الذى إستلزم عدة أفكار وإجراءات تخص تنظيم الملكية والإدارة ونظم الضرائب؛ بما يحقق الفائض ويكفل تعبئته (تسربه) نحو الخارج.
ولقد كان إستخلاص ريع الأرض من الفلاحين يعتمد على الحكومة المركزية، وليس على الوجود الإقطاعى. كما يُُلََقن الطلبة، وكان إستمرار الإنتاج فى هذا النظام يرتكز على التعاون النشط من جانب أغنياء الفلاحين، والذى يتعين عليهم توفير وكفالة إحتياجات الزراعة، وربما معيشة المزارع نفسه.
وكان قطاع التجارة مقتصراًً نسبياًً على القاهرة دون باقى الأسواق فى مصر، كما قام هذا القطاع منذ أيام الأيوبين وحتى مطلع القرن السابع عشر، بوظائف التوزيع والتمويل للطبقة الحاكمة، والتى تمثلت فى نخبة المماليك، من جهة، وأثرياء التجار من جهة أخرى.
وإذ تنطلق الثورة الصناعية فى غرب أوروبا، تأخذ قيمة الأرض فى الإرتفاع، فهى تمد المصانع بمواد العمل، كما زادت المنافسة فى قطاع التجارة خصوصاًً بعد وصول التجار الأوربيين، والتجار السوريين المسيحييين، والذين قاموا بدور الوكيل للرأسمالية الفرنسية، وكان عام 1760، عام تولى على بك الكبير مشيخة البلد، أى حكم مصر، علامة فارقة على طريق الصراع من أجل الفائض، وبصفة خاصة بفضل السيطرة على الأرض، كى تبدأ مقدمات تأهيل المجتمع لتلقى أول عدوانية مباشرة لرأس المال الأوروبى على يد الحملة الفرنسية، والتى لم تتمكن من الإستمرار العسكرى أكثر من ثلاث سنوات، لكى يتولى محمد على حكم مصر، وبتوليه الحكم تبدأ سلسلة طويلة، من الإحتكاك والتفاعل مع السوق الرأسمالية الناشئة فى بعدها العالمى. فبتولى محمد على الحكم فى عام 1805، يحصر أهدافه فى أمرين محددين بدقة:
أولهما: إبادة الطبقة الإقطاعة المهيمنة على الأرض، والتى تمثلت فى المماليك، بصفة خاصة.
ثانيهما: تصفية الإقطاع نفسه، وقد نجح محمد على، فى تحقيق كلا الهدفين فى زمن قصير، إذ حقق هدفه الأول فى مذبحة القلعة 1811، والثانى من خلال مجموعة من الإجراءات التى تمكنت من ضرب النظام الإقطاعى ذاته.
وإذ يحصر محمد على، أهدافه على هذا النحو، محققاًً إياها، فقد عرف النصف الأول من القرن التاسع عشر، تحديداًً فى الفترة من (1811 حتى 1840) تجربة للدولة فى مصر، تهدف، إقتصادياًً إلى بناء إقتصاد سلعى مستقل فى إطار السوق الرأسمالية فى صيرورتها نحو العالمية. يتم ذلك عن طريق إعادة تنظيم النشاط الزراعى، على نحو يمكن من تعبئة الفائض الزراعى، الذى يستخدم مباشرة أو على نحو غير مباشر من خلال التجارة الدولية، فى تحقيق نوعاًً من البناء الصناعى، بما يعنى الإنتاج إبتداءًً من طلب السوق، والسوق الدولية على وجه التحديد.
وكانت الدولة، فى هذا الوقت تهيمن على ملكية الأرض، ولم يعد الأمر يتعلق بمجرد إستقطاع الجزية من الإنتاج. فقد كانت السمة الجديدة هى(إحتكار الدولة للإنتاج) هذا إضافة إلى إحتكارها لتحديد الأثمان داخلياًً وخارجياًً، بما يحوى بين طياته فك الروابط التى قد يصنعها السوق الرأسمالى العالمى. إن هذا الإحتكار الذى فُُرض إبتداءًً من 1808 على الحبوب، سوف يمتد فيما بعد ليشمل جميع المنتجات القابلة للتصدير، فى محاولة للسيطرة على شروط تجدد الإنتاج، وخلق نوعاًً ما من الإستقلالية المستندة إلى فك الروابط وعزل الأثمان ، وقد نجحت التجربة حتى كادت أن تهدد المصالح (المتناقضة) على صعيد السوق الرأسمالية العالمية، وبصفة خاصة تهديد رأس المال البريطانى فى شرق البحر المتوسط، الأمر الذى قاد إلى التدخل العسكرى ضد مصر إبتداءًً من 1840. كى يقضى على محاولة بناء الإقتصاد المستقل فى إطار السوق العالمى. وعلى الرغم من أن العدوان العسكرى ضد مصر قد حقق أهدافه؛ إلا أن محاولة السيطرة على تجديد الإنتاج وخلق تلك الإستقلالية تجاه الإقتصاديات الرأسمالية الكبرى، ونجاح تلك المحاولة إلى حد ما؛ قد ساهمت بفاعلية فى تهيئة وتسريع إدماج الإقتصاد المصرى فى السوق العالمية كإقتصاد تابع، كى يخضع لسيطرة رأس المال البريطانى، الذى سينشغل بإجراءات إلغاء الإحتكار الذى فرضته الدولة فى عهد محمد على، الأمر الذى سوف يستتبع إعادة النظر إلى الأرض، بجعلها سلعة يمكن التخلى عنها وتداولها بيعاًً وشراءًً ورهناًً وإيجاراًً، أى إخضاع الأرض لمنظومة قانونية تنتمى إلى أحكام القانون المدنى. ومن هنا يبدأ رأس المال الأجنبى فى التغلغل، أساساًً فى شكله المالى، فى مجالات البنية الأساسية للخدمات والتجارة، الأمر الذى يؤدى إلى فقدان المجتمع للسيطرة على شروط تجديد إنتاجه. ويتعمق تغلغل رأس المال المالى الدولى فى الإقتصاد المصرى، بعد إتجاه الدولة إليه كمقترضة فى عهدى سعيد وإسماعيل(بلغ الدين العام عند وفاة سعيد 11,160,000 جنيهاًً إنجليزياًً، وليبلغ فى عهد إسماعيل سنة 1876 ما مقداره 126,354,360 جنيهاً إنجليزياًً)
يشهد القرن التاسع عشر إذاًً فى مجموعه، إتجاهاًً عاماًً لحركة الإقتصاد المصرى كإقتصاد فى طريقه لأن يكون إقتصاداًً سلعياًً فى إطار عملية لتراكم رأس المال، بفعل الإنتاج من أجل السوق الدولية، فى إطار من التعامل مع الأرض كسلعة تخضع لجميع التصرفات القانونية الناقلة للملكية(رقبة وإنتفاع) مع فصل العمال والفلاحين عنها. يبدأ التراكم ذاتياًً، بل مستقلاًً، ثم يتحول مع العدوانية المباشرة لرأس المال الدولى، إلى نوع من التراكم الرأسمالى الذى يهدف إلى تعبئة (تسرب) جُُُل الفائض الإقتصادى نحو الأجزاء المتبوعة، المستعمِِِرة، الرأسمالية المتقدمة. بعد أن أصبح الإنتاج ليس من أجل الإشباع المباشر، أو الإكتفاء الذاتى، أو التصدير من أجل التراكم، وإنما من أجل حاجة الإقتصاد المستعمِِِر. معنى ما سبق أن تطور الإقتصاد المصرى، وتخلفه"التاريخى" الذى تهمله النظرية الرسمية، ونمو الطبقات الحاكمة كان دائما فى ركاب الرأسمالية الإمبريالية، التى تمكنت من إنتزاع الفائض بطريقتين:
الأولى: إستعمارية، إبتداءًً من الحملة الفرنسية، وإنتهاءًً بالإحتلال البريطانى.
أما الثانية: فهى، وعقب إستقلال المستعمرات، بخلق طبقة حاكمة موالية داخل البلد تكفل إتمام عملية تسرب القيمة الزائدة نحو الخارج. وفى المقابل توفر لها الرأسمالية الإمبريالية، مع غض بصر متعمد عن مظاهر الفساد المستشرى، مع تدعيم مستمر فى سبيل ترسيخ الوجود السياسى، وإكسابه الشرعية (المزيفة عادة) طالما ضمنت تلك الطبقات الحاكمة، البورجوازية غالباًً، إنسياب القيمة الزائدة نحو الأجزاء المتقدمة، دون ضخها فى مسام الإقتصاد القومى لتنمية قطاعاته الثلاثة (زراعة، وصناعة، وخدمات) من أجل الخروج من حالة التخلف التى تراكمت عبر الزمن، حتى صارت ظاهرة مركبة ومعقدة.
إضافة:
المجتمع المصرى منذ أواخر السبعينات:
(1) سياسة زراعية تقوم على تعجيز الفلاح.
(2) إنسحاب الدولة؛ بعد تاريخ طويل من التدخل فى جميع مناحى الحياة الزراعية وكل ما يتعلق بالأرض الزراعية والفلاح (تم إلغاء نحو 40 قانون)
(4) التوقف عن إستصلاح الأراضى.
(5) ترك الفلاح كى يتعامل مع رأس المال التجارى(المدخلات والمخرجات) ومن ثم تركه نهباًً لرأس المال العقارى المضاربى.
(6) رفع اليد عن الأثمان.
(7) عدم وجود نشاط صناعى بديل.
(8) تصفية متعمدة للقطاع الصناعى والزراعى.
(9) تحول الدولة إلى "مقاول أنفار" إذ يتم تصدير القوى العاملة إلى الدول النفطية، بما يستتبع التشتيت المكانى (لتلك القوى) الأمر الذى حال دون تكوينها السياسى كطبقة إجتماعية. الأمر الذى يكون من المفهوم معه عدم ظهور الطبقة العمالية كطبقة فاعلة فى أحداث 25 يناير 2011.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني