الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأيديولوجيا وأحزاب الطبقة العاملة العربية

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 4 / 10
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


أعلنت بعض القيادات العمالية فى مصر عن تأسيس حزب جديد " للطبقة العاملة المصرية " يواكب حدث ثورة 25 يناير , ودشنت برنامجآ سياسيآ له يدور حول ما أسموه " بالنضال من أجل المصالح المباشرة للعمال الخالية من أي طرح أشتراكى ومن الحديث عن النضال العمالى الطبقى التقليدى" .

وبررالمؤسسون ذلك بأن العمال لا يقفون على أرضية أشتراكية واحدة , وأن اللافتة الإيديولوجية ستؤثر حتمآ على حجم العضوية , وأن مطالب الحد الأدنى كارتفاع الأجور وتقليل ساعات العمل هى التى تصادف الآن قبولآ عند القاسم الأعظم من العمال .

اللافت أن هذه الدعوة تردد صداها أيضآ بين صفوف الحركة العمالية التونسية , وقامت بتزكيتها بعض الفصائل التروتسكية وحيث دعت لإعادة تقيم الدورالسياسى و النضالى للعمال فى ضوء معطيات الثورة التونسية .

التساؤل الذى يفرض نفسه هنا : هل يمكن أن ينشط ( حزب الطبقة العاملة ) فى طل غياب الفكرة الإشتراكية الحاكمة لبرنامجه ونضاله ؟ وكيف يخلق الحضور والشعبية اللازمة بين الشغيلة والكادحين بدون طليعة تؤمن بالفكر الماركسى وتعتمده مرجعية لها ؟ .

من المفيد الإشارة إلى أن نزعة تأسيس أحزاب أشتراكية تبتعد عن منطق هيمنة العقيدة السياسية والنص الأيديولوجى تعد انعكاسآ للتحولات التى طالت مشهد الأحزاب اليسارية العقائدية فى أوروبا منذ صعود الحزب الإشتراكى الفرنسى للحكم عام 1981 وحتى الآن .

فقد عرف عن هذا الحزب أرتباطه بالماركسية اللينينية , ولكن عند وصوله للسلطة بدأ رحلة التحول السياسى والأيديولوجى نتيجة للتفاعل مع معطى سياسى جديد أتضح فيه الفارق بين الأفكار النظرية التى يطرحها كحزب سياسى , و بين ممارساته الواقعية عندما أصبح فى سدة الحكم .

وكانت الدلالة الكبرى التى أفرزتها الخبرة الإشتراكية الفرنسية فى الحكم أن النسق الأيديولوجى الكلى تحول " لبرنامج عمل " لإدارة أجهزة الدولة وعمليات النظام , ولم يعد " برنامجآ عقائديآ حزبيآ " كما كان قبل الوصول للسلطة .

ومن خلال هذه التجربة تأكدت جدليآ أفكار الإبتعاد عن النصوصية العقائدية ,ونالت زخمآ أضافيآ بمراجعات للمفاهيم النظرية والسياسية للحزب الشيوعى الفرنسى , وكذلك دروس أخفاقات الحزب الشيوعى الإيطالى فى الوصول للسلطة رغم أنفتاحه وتطوره الفكرى .

ثم جاء أنهيار الإتحاد السوفيتى وسقوط المنظومة الإشتراكية ليجهز على ما تبقى من النصوص الحزبية العقائدية التى أرتبط بها اليسارالأوروبى , وحيث غيرت كثير من من احزابهأسماءها وخطابها ورسالتها بعد أن أكتشفت أن الواقع السياسى والإجتماعى تجاوز جمود وتكلس النصوص الأيديولوجية .

غير أن أستنساخ تلك الخبرة الأوروبية - التى تقدم لنا أحزابآ يسارية تنحى الإطارالإيديولوجى - يصطدم بعدد من التحفظات ومن نتاج واقع السياسة والحزبية العربية .

فالدافع وراء تغييرجلد الأحزاب اليسارية الاوروبية كان التحولات السياسية والغقتصادية والإجتماعية العميقة والهادرة التى شهدتها أوروبا فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وشيوع النماذج الإصلاحية البعيدة عن الخط الراديكالى والتى أكسبت الأفكار الوسطية واللايديولوجيية حضورآ متزايدآ فى الساحة السياسية والإجتماعية الأوروبية .

كما حدث تحسن مطرد فى أحوال الطبقة العاملة , وظهرت قوى أجتماعية جديدة ارتبطت " بأفكار اليسار وليست برامجه ", بالإضافة للخبرة السلبية الفرنسية فى مجال التأميم , ثم السقوط المدوى للأحزاب الشيوعية الأيديولوجية بالشرق الأوروبى .

تباين التكوين الإجتماعى والإقتصادى والسياسى العربى عن نظيره الأوروبى , ووجود كتلة واسعة من العمال والمهمشين والفقراء مازال يفرض واقعة توافر ووجود هذه الأحزاب ذى الصبغة الطبقية المحددة , واالتى يتعين أن تدافع عن المصالح الإجتماعية والإقتصادية لهذه الفئات العريضة تحت راية العقيدة الإشتراكية .

كما أن أحياء فكرة الحزبية فى السياق الساسى العربى بعد الموات والبوار التى عانت منه على مدار عقود طويلة يمرعبرتمايز مبدئى للأفكار ومن ثمة " المصالح " وبما يشكل حوافز لتشجيع المشاركة فى العمل السياسى والحزبى والعام .

الدعوة السابقة ترتبط بفكرة آخرى يتم الترويج لها من جانب هذا الإتجاه وتتصل بأن ( حزب الطبقة العاملة ) عليه أن ينخرط فى منظمات المجتمع المدنى الجديد ومنافذه الإجتماعية وأن يشارك فى مهمة الدفاع عن قضايا الديموقراطية الليبرالية والحريات وحقوق الإنسان والبيئة والأقليات وغيرها تحت مظلة هذا " المجتمع المدنى " الذى يضم نسيجآ لمصالح خاصة ومتنوعة أصبحت رمزآ لمجالات منفصلة عن الدولة .

وبذلك تكون" الديموقراطية الإجتماعية " وليس " العدالة الطبقية " هى الهدف المرحلى لحزب الطبقة العاملة , وعبر اقتراح كفالة " النضال العمالى " فى عباءة التنظيمات السياسية المدنية وحركاتها الإجتماعية الجديدة وخلال فترة يمكن أن تدفع - بعد ذلك - فى عملية التبشير بالمجتمع الإشتراكى .

ومن ثمة يذهب هذا الإتجاه لوجوب مراجعة أولوية النضال والتنظيم العمالى وحيث يرى أن مفردات الأجندة الطبقية والبرامج اليسارية لم تعد قادرة على ترجمة تحولات المجتمع وجديد الرأسمالية المعاصرة وتقديم حلول ناجزة لمعضلاتها .

كما يرى أن أهمية الطبقة العاملة تراجعت ك " قوة العمل " , وأنها عجزت تاريخيآ عن التحول " لطبقة ثورية " وأن حركتها الدولية أخفقت فى أستثمار الأزمة العامة للرأسمالية ومن أجل حسم عملية الإنتقال نحو الإشتراكية .

ولذلك يؤشرهذا الإتجاه لأهمية أستيعاب تلك المتغيرات وأستبدال مركزية " الصراع الطبقى " بنضالات " قانونية وحقوقية " تروم أثبات وتحقيق المطالب العمالية وبدون أثارة عداء الفئات الإجتماعية والسياسية المناقضة والمضادة لحركتها .

ومن البين أن القبول بهذه الفكرة و ترحيل " النضال العمالى " لصالح المشاركة تحت عباءة المجتمع المدنى وراياته الجديدة سيعصف بالمهمة التاريخية للطبقة العاملة , و سيعرقل خطوات تقريرمصيرها الإجتماعى .

فالدفع بالعمال داخل سوق " المطالب الإصلاحية " وتشتتيت نضالاتهم على جبهة عريضة تضم شظايا طموحات تحررية, لا يخدم فى النهاية الإ سيناريوهات التوحش الرأسمالى وتحسين شروط الإستغلال , وتفتيت وعى العمال ,, وتزكية الإجراءات الإنتقائية التى يتخذها الرأس مال لتسكين الوضع الإجتماعى وتأجيل أنفجاراته .

مهمة ( الطليعة العمالية ) ليس العزف على مثل هذه الأوتارالإصلاحية وأنما الإرتقاء بالوعى الطبقى وتصفيف المصالح العمالية الطبقية وكرافعة للوعى السياسى ولتدشين التنظيم السياسى والحزبى العمالى الذاتى والمستقل .

جميع مظاهر الحيف والإضطهاد واللامساواة هى تجليات تعكس بنية " القسر " التى تطال كل زوايا المجتمع الرأسمالى والتى لا يمكم تغييرها إلإ عبر نضال شامل قوامه النضال الطبقى والحزب السياسى الذى يمثل طليعة للعمال و الكادحين .

الدعوة لإنشاء أحزاب عمالية عربية خالية من روح الفكرة الإشتراكية ومن مفرداتها الأساسية لن تدعم المطلب السياسى والحقوقى العمالى فى التحليل النهائى , ولن تكون رافعة لمجتمع العدالة والمساواة الذى يصبو اليه ملايين الكادحين العرب .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحزاب عمالية كرتونية
حبيبة ابراهيم ( 2011 / 4 / 11 - 01:59 )
مقال رائع أستاذ عماد . هذه ليست احزاب عمالية تدافع عن مصالح العمال و الكادحين الطبقية . هذه نسخة مشوهة للتنظيم السياسى العمالى الذى يتجاهل الإشتراكية كأساس نظرى وفكرى للعمل و النشاط السياسى و الإجتماعى . ثم ما معنى ان العمال سيدافعون عن ( مصالحهم المباشرة ) لانهم كارهون للايديولوجيا ؟. و كيف يمكن فهم فكرة ( المصلحة سواء السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية ) بدون معرفة الأساس الطبقى الذى تنطلق منه وتدافع عنه تلك المصلحة ؟ .أنها بديهيات ومسلمات يجب أن يقدم لها انصار هذه الأحزاب حلول و أجابات مقبولة .كما أن الدفع بالعمال تحت راية المجتمع الاهلى والمدنى هو بمثابة تزييف لموقعهم الطبقى المعارض للرأس مال . فكل القضايا التى يدافع عنها هذا المجتمع المدنى تجد اصلها فى النضال ضد الإستغلال الراسمالى . وكلها تجليات ومظاهرللأزمة العامة التى تعانى منها الرأسمالية منذ عقود . الحزب العمالى الذى لا يستند للأفكار والمبادىء الإشتراكية هو حزب يبيع الوهم للكادحين و الشغلية .ولا يمكن أن يشكل تمثيل سياسى و برلمانى حقيقى لهم . تحياتى لقلمك وعرضك الرائع رفيق عماد - )

اخر الافلام

.. مقترح الهدنة.. إسرائيل تمهل حماس حتى مساء الأربعاء للرد


.. إسرائيل تهدد بمحاربة حزب الله في كل لبنان




.. جون كيربي: ننتظر رد حماس على مقترح الاتفاق وينبغي أن يكون نع


.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار




.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ