الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أن تقدر بأكثر من قدرك!!

عبير ياسين

2011 / 4 / 11
الادب والفن



لعل القضية الأساسية التى يمكن أن تكون محل اتفاق تتمثل فى الضيق عندما نعامل بأقل مما نحب، أو عندما يتم تقديرنا بأقل مما نرغب أو نتوقع أو نستحق وفقا لرؤيتنا لأنفسنا. ولكن هل يمكن أن يغضب أحد أن تم التعامل معه بأكثر مما يستحق وفقا لرؤيته هو الذاتية عن نفسه؟

قد يتعجب البعض من تلك الصورة بوصفها صورة غير منطقية أو لا تمت لعالمنا البشرى المادى حيث الجوهر يتوارى فى كثير من الأحيان لصالح المظاهر البراقة، وحيث الصور والوسائل تبرر المكانة والغايات

وسط تلك الأوضاع يصبح الاتجاه السائد هو تقييم متضخم للذات، ويصبح من الطبيعى أن يرغب كثر فى تأكيد القامة المتفردة لذواتهم وأعمالهم

تصبح صورة البطولة المتفردة، والعنصر الأسطورى غالبة على المشهد، وتتحول كل الأعمال الصغرى لأعمال كبرى من خلال عملية التسويق القائمة مرة أخرى على مظهر السلعة المراد تسويقها، وطريقة تسويقها وطريقة الحديث عنها دون التطرق لما تمثله من جوهر فعلى أو قيمة حقيقية

تتحول كل الأشياء لسلع فى سوق مفتوح، سوق يعرض فيه البشر لاعتبارات وأسباب متعددة ليست من آخرين فى معظم الأحيان ولكن من البشر المعنيين أنفسهم. تتحول الكلمات لسلع، والمواقف لسلع، وغيرها الكثير والكثير من الأشياء التى تتحول لسلع

يتسابق كل شخص لوضع أسمه فى لوحة التجارة اليومية على بوابة السوق عبر وسائل متعددة قديمة ومستحدثة. ومع زيادة العرض تقل قيمة المعروض كما تقول أبجديات الاقتصاد، ومع استمرار عرض نفس السلعة تتحول لشئ عادى فالندرة فقط هى التى تحقق التميز للسلع فى السوق. ومع انتفاء حالة الندرة تصبح السلع عادية وأقل من العادية فهى السلع الأكثر توفرا فى السوق

تصبح المرآة المستخدمة أشبه بمرآة الساحرة فى قصة سنو وايت حيث لا يطلب منها إلا رؤية الأجمل فقط وحيث الأجابة المطلوبة معدة سلفا. وأن كانت مرآة الساحرة صادقة فأن مرآة النفس تقبل فى بعض الأحيان بحكم التعود والاستعداد أن تتغاضى عن قول الحقيقة حتى يصبح المتخيل حقيقى والباطل صواب وتصبح السلعة المتوفرة فى الأسواق عملة نادرة فى عين صاحبها فيراه آخرون ولكنه يعجز عن رؤية نفسه

فى تلك الحالة يزداد عدد من يشرب من نهر الجنون، فالجميع أبطال حيث يعيش ملايين من سوبر مان البطل الخارق، وحيث تعم الفضيلة فقط فى مرآة أصحابها

يرغب كل شخص أن يرى الآخر المشابه مثله بطل والا اتهم بأنه لا يرى ثوب الحاكم الغير موجود أصلا فيصبح بهذا غير جديرا بمكانته ومكانه، ويصبح الثوب الغير موجود حقيقة يقسم كل من شرب من النهر على وجوده

على الجانب الآخر من النهر يبقى القلة من الذين لم يشربوا بعد من نهر الجنون ولم يمتلكوا مرآة الذات سالفة الذكر. يظلون قادرون على رؤية ذواتهم كما هى، ذات بشرية تسعى للأفضل ولا تبلغه يوما. يشعرون بالضآلة أمام العلم والعالم

يبقى هؤلاء فى وجودهم قلة يدرك وجودهم الأغلبية بأكثر مما يدركون هم وجودهم الذاتى. تبقى القضية بالنسبة لهم ذاتية، رغبة فى الأفضل والأصلح لأن مرآة الذات الناقدة لا ترحم

لمن شرب من نهر الجنون تبقى تلك الأقلية ظاهرة غير صحية، حالة ينبغى القضاء عليها أو ضمها لهم ربما للقضاء معهم على أخر جزء فى الضمير يخبرهم بأنهم هكذا لأنهم شربوا من النهر وباعوا أنفسهم فى الأسواق ونظروا لمرآة تخبرهم بما يرغبون

يستيقظ من نومه بجوار النهر متعجبا من تلك الكلمات والصور التى دارت فى عقله أثناء نومه، يدرك أنه يتفلسف كثيرا كما يقال له، وأنه يرى نفسه بأقل كثير مما يخبره من حوله. يدرك أن الكلمة مسئولية وأنه لا يملك الحقيقة ولا يملك ألا رؤيته الذاتية لما يدور حوله، وأنه فيما يقول لا يأتى بشئ خارق يستحق كل هذا التقدير الذى يصبغه عليه من حوله

يقرر بينه وبين نفسه مجددا أن الحلم الفلسفى السابق ليس الا تعبيرا عما يمر به من صراع ذاتى بين رؤيته لنفسه ورؤية من حوله له، وبين رؤيته للآخرين ورؤيتهم هم لأنفسهم. يتأكد بأن النسبة قد تختلف من وقت لآخر، أو حسب زاوية النظر، ولكن النهر والمرآة والبشر تبقى دوما عناصر أساسية فى الصورة، ويبقى لكل منا مرآته الذاتية لنفسه وللآخرين والعالم من حوله ونهره الذى يشرب منه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير


.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث لصباح العربية عن الفيلم الجد




.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي