الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واندلعتْ { حربُ الفلافلِ } في تورونتو

مديح الصادق

2011 / 4 / 12
الادب والفن


فسحة لا تزيد مساحتها عن عشرين مترا مربعا، تتزاحم على جوانبها مقاعد تتحرك حسب الحاجة، ومصاطب صفت عليها أجهزة الكمبيوتر، على الجدران صور توثق نشاطات الجمعية العراقية الخدمية، وأغلبها مع مسؤولين في الحكومة المحلية بتورونتو، أو أعضاء البرلمان في أونتاريو؛ فقد تبرع رئيس هيئتها الإدارية { كوركيس ياقو } بأن تستغل تلك الفسحة بعد نهاية الدوام، أو خلال عطلة الأسبوع لإجراء التمرينات على مسرحية { حرب الفلافل } التي يقدمها اتحاد الفنانين العراقيين الكنديين ضمن برنامجه الشامل لكل الفنون
المسرحية تأليف وإخراج الفنان { محمد الجوراني } من العراق الذي وجد نفسه مضطرا لأن يتقمص الشخصية الرئيسية فيها { جونا } العامل في مطعم للفلافل في دولة تصدر الحروب للعالم تحت ذريعة تحرير الشعوب من حكامهم الظالمين، فيُنقل رغما عنه بحجة تخليص شعب { نينوى } من حاكمها القاسي على شعبه، ولم يكتفوا بذلك؛ بل ظلوا له متابعين خطوة خطوة، رغم أنه غيَّر اسمه، وهيئته
أما الفنانة { ساندرا } من فلسطين فقد أدت بجدارة دور { فلفولة } العاملة مع { جونا } في مطعم الفلافل، التي أحبته بصدق، حتى أنها تبعته إلى نينوى قاطعة البحار والصحارى كي تنقذه من قبضة الملك الظالم
الفنان { محمد هارون } من فلسطين أدى بجدارة دور { الرجل الطير } الذي يجنده أسياده لمتابعة { جونا } لحثه على السفر، مرة بالترغيب والخداع، ومرة بالتهديد، وبقي يلاحقه أينما حلَّ واستقر
شخصية { البحار } الذي يخدع { جونا } وينقله إلى نينوى بدلا من { هاواي } التي كان يحلم بفتح مطعم للفلافل فيها، والزواج من حبيبته { فلفولة }، بناء على توجيهات أسياده، ثم شخصية { الملك } القاهر شعبه تنفيذا لرغبة أسياده، فقد قام بأدائهما الفنان العراقي { داخل البحراني } القادم مؤخرا إلى كندا

لقد كانت فترة التدريب لا تخلو من متاعب جمة، كأي عمل مسرحي، فإضافة للتأخر حتى ساعات الفجر، وتهديد بعض الزوجات بتغيير الأقفال؛ فهناك ترك أبواب الرزق، وتباعد المسافات، وصعوبة المواصلات، كما كان يفعل البحراني مستهلكا أكثر من خمس ساعات ذهابا، وإيابا، حاملا على ظهره حقيبته وما بداخلها من متاع، ومعطفا يحميه من ثلج وبرد، وهموما لا تقشعها كؤوس خمر ولا لفافات تبغ
أما هموم قاعة العرض فالحديث عنها متفرد وذو شجون، كان على الكادر الانتقال إليها قبل العرض بعدة أيام لأغراض يعرفها المهتمون بالمسرح، ومن هنا بدأت عمليات الدفع بالدولار، لا سبيل للمزاح، هنا كل شيء رأسمالي، حتى المسرح، عليك أن تدخل الباب الرئيسي في اللحظة المتفق عليها، وأن تخرج منها بنفس الطريقة، فإن زدت دقيقة واحدة توجب عليك الدفع الإضافي إلى حد السنت الواحد، وعليك دفع أجور القائمين على الإنارة، والصوت، وباقي الخدمات، وحين طلبنا { المايك الإضافي } اشترطوا علينا الدفع الإضافي، يضاف إلى كل ذلك { التاكس } أي الضريبة البالغة 13 % من القائمة النهائية، وحين تصفي حساباتك يتوجب عليك أن تمد يدك على مصروف العيال الشهري، في سبيل رسالة المسرح التي خلدها المعلم الأول لينين

إزاء تلك المعطيات، والظروف عرضت المسرحية في تورونتو لثلاثة أيام متتالية ابتداء من يوم الجمعة الحادي عشر من آذار 2011 فشهدت توافدا على قاعة العرض من قبل الجالية العربية والعراقية، من محبي المسرح ومتابعيه، خصوصا المسرح السياسي الكوميدي الهادف، إذ سخر المؤلف { محمد الجوراني } كل إمكاناته في الحوار والإخراج ، كذلك الممثلون، بدعم من الإدارة المسرحية التي تعاون فيها كل من الفنان { مديح الصادق } من العراق، والفنانة { سارة العنزي } من الكويت، في سبيل تقديم عرض يليق بقيمة وتأريخ المسرح العراقي، وتجسيد الأفكار السامية التي انطوى عليها النص



المسرحية كانت رسالة للمغتربين العرب والعراقيين بأن الفنان العراقي المتجذر في حضارة وادي الرافدين لم ولن ينسى دوره في التعبير عن هموم الإنسان، أينما كان، وهموم شعب عانى من حكامه كل أشكال القهر، فكانت رسالة للحكام المسلَّطين على رقاب المساكين المظلومين، وأسيادهم الذين سخَّروهم لتلك المهام؛ أنَّ البراقع التي يتوهمون أنها تخفي وجوههم الكالحة، مهما تلوَّنت أو اختلفت أشكالها؛ قد باتت مكشوفة، وأن الشعوب هي صاحبة الكلمة الفصل في تقرير مصيرها، وهي رسالة للجماهير العريضة التي عانت ويلات الحروب، تحت شتى الشعارات، الوطنية والقومية مرة والدينية مرة أخرى؛ أن لا يغرَّنَّكم زيف الحكام المخادعين، فهم جميعا من مدرسة واحدة، وإن اختلفوا فيما بينهم، أو اقتتلوا
لقد استطاع الفنان { محمد الجوراني } أن يبرز تلك الفكرة من خلال توظيفه لحالة متشابهة عند كل من الملك الظالم، والبحار المخادع، والرجل العصفور؛ بأن جعل كلا منهم يرتدي حذاء بفردة بيضاء وأخرى سوداء، للدلالة على وحدة الانتماء، أما استخدامه رمز قطعة الدولار التي وضعوها في جيب { جونا } لمتابعته من خلالها أينما حلَّ؛ فقد كان توظيفا موفقا عكس قدرة المؤلف المخرج على النفاذ إلى ما يفكر به المتلاعبون بمصير الإنسان، كذلك كان للرقصة الشرقية التي أدَّتها بحرفية عالية الفنانة { ساندرا } أثر في انتشال الجمهور، ولو قليلا، من حالة الجدية إلى شيء من الترفيه؛ إضافة إلى أنها كانت وسيلة كشف حقيقة الملك الذي ساومها على إطلاق سراح حبيبها المحتجز عنده مع مجموعة من المعارضين لسياسته، أو ممن لا دخل لهم بالمعارضة أو السياسة من قريب أو من بعيد

على الرغم من أن نصَّا مسرحيا يقدم باللغة العربية الفصحى، وإن كانت سلسة مبسطة، في دولة كاد أغلب الناطقين بالعربية ينسونها، خصوصا جيل الشباب؛ يشكل أمرا في غاية التعقيد؛ إلا أن الفريق المتكامل قد بذل كل ما بوسعه من أجل إيصال الأفكار الأساسية التي بُني عليها النص، فكانت صفحة جديدة قد فُتحت في تأريخ فنون وآداب المهجر، ستكون بداية موفقة لمسرح عربي عبر البحار، لا يخلو من رائحة المسرح العراقي الذي كان مدرسة تميزت بالأصالة وصدق التعبير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المسرح اداه عفى عليها الزمن
محسن حسين ( 2011 / 4 / 12 - 15:10 )
لاشك ان المسرح كان اداه فعاله للتوعيه ووسيله لحشد الجماهير وذلك لعدم توفر وسائل اتصال بديله وكانت الناس تمتلك من الوقت مايكفي للذهاب الى المسرح الان وفي زمن الكومبيوتر فان المعلومات تنتقل بسرعه الضوء حول القارات لذلك ادعو من يهتم بتوعيه الناس ان يبحث عن البدائل والابتعاد عن تصنيم المسرح انني على ثقه تامه من ان عدد الذين ذهبو لهذه المسرحيه خلال الثلاثه ايام لايتجاوز الخمسين نفر في حين ان الفيس بوك دخل ملايين البيوت عن الانتقاضه الثالثه في فلسطين
لقد اصبح المسرح اليوم للمترفين وليس لعامه الناس وخشبه المسرح اصبحت للتسليه فقط وليس للتوعيه والتغيير ,الثورات اليوم تنطلق من وحي المواقع في الشبكه العنكبوتيه وليس من وحي المسرح


2 - رسالة المسرح تبقى متجددة
مديح الصادق ( 2011 / 4 / 12 - 18:32 )
السيد محسن حسين المحترم
لاأصدق ان مثقفا متنورا يحمل مثل تلك النظرة على فن راق، كان ولايزال يحتفظ بمكانته بين
الفنون، ومهما تقدمت وسائل الاتصال والإعلام فإنها لا يمكن أن تلغي دور المسرح، أو تدعو للاستغناء عنه؛ بل بالعكس إن الاهتمام به، ومتابعته مقياس لتقدم الشعوب وحضاراتها، وليس المقياس بعدد الحاضرين من الجمهور؛ أما المسرح الذي تقصد بانه ليس أداة للتغيير فذلك المسرح الخاوي الذي لا يعتمد على أية مبادئ، وهذا النوع منتشر بكثرة وهو مقصود للإيغال بتسطيح الجماهير الفكري، وإبعادها عن قضاياها الوطنية والقومية، على العكس من المسرح الملتزم الذي يُبنى على أسس فكرية إنسانية، وهو بهذه الحال طبيعي ان يعاني من محدودية الجمهور؛ لأنه انعكاس لواقع الحال عالميا، وحاله مثل حال ندوة ثقافية أو أمسية لا يقصدها إلا المهتمون بمواضيعها؛ فذلك لا يعني انتفاء الحاجة إليها، والموضوع لا يمكن تغطيته بهذا الشكل، اخانا العزيز

اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا