الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الولايات المتحدة واستخدامها للمبادىء في السياسة الخارجية

محمد سيد رصاص

2011 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


عاشت واشنطن في عزلة "مبدأ مونرو" (1823) بعيداً عن ضجيج حروب وأزمات
القارة الأوروبية "العجوز"،وكان الدخول الأول لها عملياً في الشؤون
العالمية عام1898عندما نشبت الحرب الاسبانية- الأميركية،قبل أن تعود
لعزلتها وسط أجواء تجمُع غيوم الحرب العالمية،والتي اضطرت العاصمة
الأميركية لدخولها في نيسانإبريل1917،بعد سنتين وثمانية أشهر من
نشوبها،ضد الألمان والنمساويين.
في يوم18كانون ثانييناير1918،قدم الرئيس الأميركي وودرو ويلسون اعلان
مبادىء،سمِي ب(النقاط الأربعة عشر)،تضمنت "مبدأ حق تقرير المصير"
و"الحقوق المتساوية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً لجميع البشر"
و"انشاء عصبة دولية تحفظ سلماً دولياً دائماً"،أراد من خلالها ليس فقط
وضع مبادىء للسياسة العالمية للولايات المتحدة،وإنما أيضاً "تحقيق هدف
رسم نظام دولي جديد وأفضل" .
لم يكن ذلك الاعلان صادماً فقط لحلفاء الرئيس ويلسون في لندن
وباريس،وإنما كان أيضاً وزير خارجيته (لانسينغ)في الجانب الآخر :كان رأي
وزير الخارجية الأميركي بأن"السيادة الشرعية للدول المتكونة القائمة هي
فوق أي اعتبار وتسبق كأولوية الإرادة الشعبية للأقليات" محذراً من أن دفع
مبدأ حق تقرير المصير إلى نهاياته سيؤدي إلى فوضى وصراعات لايمكن السيطرة
عليها عبر" تفجير البنى في الدول القائمة".
كان الرئيس الأميركي يرمي،إضافة إلى قناعاته بمبادىء ومثاليات اعلانه
ومنها"الديموقراطية التي كانت الجزء الرئيسي في أيديولوجية ويلسون"،إلى
تقويض محادثات بريست ليتوفسك بين حكام روسيا الجدد من البلاشفة وبين
الألمان الرامية إلى انسحاب منفرد روسي من الحرب،وفي الوقت نفسه إلى جذب
النمساويين بعيداً عن الألمان عبر طرحه ل(كونفدرالية دول الدانوب)كصيغة
جديدة للحفاظ على ممتلكات العرش النمساوي – المجري المهددة بالتقسيم.
لم يستطع ويلسون تحقيق ذلك مع توقيع معاهدة بريست ليتوفسك بعد شهرين ثم
مع انهيار وتذرر تلك الممتلكات لآل هابسبورغ في فيينا مع انتصار حلفائه
في الحرب يوم11تشرين الثانينوفمبر1918.كانت مفاجأة الرئيس ويلسون أكبر
في مؤتمر الصلح بقصر فرساي بباريس(يناير- يونيو1919)،والتي اشترك في
أعماله كمفاوض رغم معارضة أركان إدارته،لماخرج خالي الوفاض مع انتهاء
المؤتمر إلى تكريس المنظمة الدولية التي اقترحها ليس من أجل تحقيق مبادئه
الأربعة عشر وإنما لتكون"راعية لتقاسم الأراضي الذي حصل بين لندن
وباريس"،وهو ماعجَل في سقوطه طريح الفراش في الخريف اللاحق،ثم ليزيد
الكونغرس في شعور الرئيس الأميركي بالإحباط لمارفض اقتراح انضمام
الولايات المتحدة إلى(عصبة الأمم)،معيدأ واشنطن إلى عزلة(مبدأ مونرو)،قبل
أن تجبر الطائرات اليابانية،التي دمرت الأسطول الأميركي في مرفأ بيرل
هاربور يوم7كانون أولديسمبر1941،الأميركان على الإنخراط في الحرب
العالمية الثانية ضد دول المحور،ثم ليقودوا المعسكر الغربي ضد السوفيات
بعد الإنتصار في الحرب على هتلر واليابانيين.
خلال فترة الحرب الباردة مع موسكو(1947-1989)،لم تستخدم واشنطن مبادىء
أوعدة أيديولوجية،بعكس السوفيات،بل كانت هناك ضدية أميركية تحدِد نفسها
وهويتها عبر الوقوف ضد الخصم الذي لم يكن عندها أي وسواس تجاه استخدام
كافة الوسائل والطرق لهزيمته،وهذا واضح من"مبدأ
ترومان"(آذارمارس1947)،لما عرضت المساعدة الأميركية على كل الدول التي
تواجه الخطر الشيوعي،ومن "مشروع أيزنهاور"(كانون ثانييناير1957) الذي
اشترط المساعدة الأميركية لدول الشرق الأوسط بوقوفها بعيداً أوضد موسكو.
هذا أدى إلى براغماتية أميركية بلاضفاف، حيث تحالفت واشنطن ودعمت أنظمة
ديموقراطية في الغرب الأوروبي بنفس الوقت الذي وقفت وراء انقلابات دموية
في غواتيمالا1954وأندونيسيا1965وتشيلي1973ضد الشيوعيين واليساريين،وذلك
من أجل خلق جبهة عالمية ضد السوفيات أوسد أي ثغرة ممكن أن ينفذوا من
خلالها ،هم وحلفائهم،إلى هذه المنطقة أوتلك.
كانت هذه الاستراتيجية واضحة عند وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس
في الخمسينيات(وهو ابن أخت لانسينغ) وصولاً إلى هنري كيسنجر بمرحلتيه
كمستشار للأمن القومي وكوزير للخارجية(1969-1977)،وقد قدم الأخير تنظيراً
لهذه الاستراتيجية عندما اعتبرها تحت خيمة (المدرسة الواقعية)،التي تسعى
لتحقيق أهداف السياسة الخارجية من "خلال البنى والوقائع القائمة" عند
القوى الحليفة وليس من خلال نموذج مفترض أومحدد أيديولوجياً أوكبنى للنظم
سياسية:من هنا أتى نقد وهجوم كيسنجر على سياسات الرئيس
كارتر(1977-1981)الذي وضع موضوع حقوق الانسان في مرتبة أيديولوجية
واستخدمه ضد السوفيات، حيث رأى كيسنجر أن هذا قد أصاب ،وأربك، حلفاء
واشنطن،مثل ماركوس في الفيليبين وحكام كوريا الجنوبية العسكريين وبينوشيت
في تشيلي ،معتبراً أنه من الخطأ استخدام مبادىء أيديولوجية في السياسة
الخارجية،وإنما تتحدد نجاعة الأخيرة من خلال تحقيق هدف هزيمة الخصم
المحدد،تماماً كماتقاس الأفكار والممارسات في الفلسفة البراغماتية (ذات
المنشأ الأميركي)بنتائجها وليس بمحتواها.
خلال عهود ريغان وبوش الأب وكلينتون،سادت(المدرسة الواقعية)في السياسة
الخارجية الأميركية: أثناء عهد بوش الابن(2001-2009)جرت استعادة لمبدئية
ويلسون في السياسة الخارجية من قبل (المحافظون الجدد)،الذين أعطوا مسحة
أيديولوجية كبرى للسياسات الخارجية لذلك العهد في خلطة فكرية امتزجت
فيها (الديموقراطية)مع(الليبرالية الجديدة في الاقتصاد)و(النزعة المحافظة
الجديدة الرافضة لأفكار مابعد عصر الأنوار الفرنسي)،لتتحول واشنطن عبر
هذا إلى حامل تبشيري ل(الديموقراطية) ،أوتتذرع بتبشيريتها،في أثناء تحقيق
أهداف سياستها الخارجية،كماجرى في غزو2003للعراق،أوأثناء ضغطها على
الخصوم،والحلفاء،من العرب في فترة2002-2007. مع تغير ميزان القوى لغير
صالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط،وهو ماتلمسته الإدارة الأميركية مع
تقرير بيكر- هاملتون(6كانون أولديسمبر2006)،جرت الإستدارة نحو
السياسات"الواقعية"،وكانت استقالة وزير الدفاع رامسفيلد(قبل شهر من ذلك
التقرير)ثم نائبه فولفوفيتز،وقبلهما رئيس مجلس تخطيط السياسات في
البنتاغون ريتشارد بيرل،من العلامات الكبرى على هذه الاستدارة.
خلال ماتبقى من عهد بوش الابن، كان واضحاً هزيمة ماتبقى من (محافظون
جدد)لصالح "الواقعيين"من أمثال وزير الدفاع غيتس،ولوفارت أحياناًهبَات
أيديولوجية هنا أوهناك:استمر هذا النهج "الواقعي"خلال سنتين من عهد
أوباما،إلى أن جاءت الأحداث المصرية(مابعد25يناير2011)،وماأعقبها
عربياً،حيث بدأت واشنطن مجدداً باستخدام( الديموقراطية) مجددا،ولكن من
دون شعاراتية أيديولوجية،كمافي عهدي ويلسون وبوش الابن،وإنما عبر الركوب
السياسي على موجة ديموقراطية في الشارع العربي،رأت إدارة أوباما مصلحة في
عدم الوقوف ضدها،ولوكان هذا على حساب حلفاء مثل الرئيس مبارك،لصالح تعويم
المصالح الأميركية عبر السباحة وفق اتجاه تلك الموجة،ولوأن واشنطن
تبقى،كمافي موقفها من ماجرى في البحرين،حذرة من استفادة الخصوم
الاقليميين(ايران) من الأحداث الداخلية،وهو شيء تفعله هي في ليبيا الآن
لكي ترسم عبر"داخل جديد هناك" جزءاً من "الشرق الأوسط الجديد"،الذي ربما
تفكر،ولكن بالتأكيد ليس على طريقة رامسفيلد في عراق 2003،في إعادة صياغته
من جديد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - LCwJcylRos
Rajat ( 2012 / 8 / 6 - 15:36 )
Great thniikng! That really breaks the mold!

اخر الافلام

.. تفاصيل قانون الجنسية الجديد في ألمانيا| الأخبار


.. صحيفة العرب: -المغرب، المسعف الصامت الذي يتحرك لمساعدة غزة ب




.. المغرب.. هل يمكن التنزه دون إشعال النار لطهو الطعام؟ • فرانس


.. ما طبيعة الأجسام الطائرة المجهولة التي تم رصدها في أجواء الي




.. فرنسا: مزدوجو جنسية يشغلون مناصب عليا في الدولة يردون على با