الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سوريا حزب الأغلبية الساحقة يخش الديمقراطية

سليمان يوسف يوسف

2004 / 10 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


منذ تولي الدكتور، بشار الأسد، رئاسة الجمهورية، قبل أربعة سنوات، تبدو سوريا، للمراقب الخارجي وكأنها مقبلة على تحولات سياسية مهمة وكبيرة. فبضع كلمات ، جاءت في خطاب القسم في 17 تموز 2000 عن حرية الرأي والرأي الأخر، كانت كافية لكسر حاجز الخوف، لدى السوريين من السياسة، وتحريك الشارع السياسي السوري المغيب والمقيد منذ عقود طويلة.
فبالرغم من عدم وجود قانون يرخص عمل الأحزاب، وحظر النشاط السياسي لقوى المعارضة، شهدت الساحة السورية في السنوات الأربعة الأخيرة، حراك، سياسي وثقافي واجتماعي ، تمخض عنه ولادة العديد من المنتديات الثقافية وتأسيس العديد من الأحزاب والتجمعات السياسية الليبرالية والمنظمات الأهلية المهتمة بحقوق الإنسان، تدعو جميعها الى تحقيق الديمقراطية واطلاق الحريات السياسية وتحرير المجتمع من هيمنة الدولة وانهاء احتكار حزب البعث للسلطة.
لكن، بالمقابل، أظهرت العديد من القيادات السياسية والحزبية في البلاد عدم ارتياحها واطمئنانها للحراك، السياسي والثقافي، الذي بدأ ينمو في المجتمع ودعت الى محاصرته، وبالفعل تعرض هذا الحراك الى انتكاسة كبيرة على أثر اغلاق معظم المنتديات الثقافية وحظر نشاطاها و اعتقال عشرة من ناشطي ، ما بات يعرف بربيع دمشق ،عام 2001. و مع تجدد نشاط وفعالية الحراك السياسي في المجتمع، والزخم المتزايد في التصريحات السياسية لقادة أحزاب المعارضة الوطنية وناشطي حقوق الإنسان ودعاة الليبرالية، بدأ البعثيين المتخوفين من هذا الحراك السياسي بتجديد حملتهم عليه، وفي هذا الاطار جاءت التصريحات التي أدلا بها الى الصحافة مؤخراً، كل من السيد عبد الحليم خدام، نائب رئيس الجمهورية- في حوار له مع مجلة (أبيض و أسود ) بتاريخ 23/8/2004- والسيد محمود الأبرش ، رئيس مجلس الشعب، حول ما يجري في الشارع السوري من نشاط سياسي وديمقراطي معارض ، فقد اتهما بالتخريب و التخوين (العمل لجهات خارجية)، كل المطالبين بتعديل الدستور السوري والغاء المادة الثامنة منه،التي تنص: (على أن حزب البعث، قائد الدولة والمجتمع). وترافقت هذه التصريحات مع تشديد السلطات السورية من جديد اجراءات الحصار والضغط على نشاط جميع الأحزاب والمنظمات الأهلية المحظورة، بهدف اجهاض وكبح هذا الحراك، خشية من أن ينمو ويتطور الى حالة سياسية ديمقراطية معارضة في المجتمع. فقد تم اعتقال كل من، نبيل فياض و جهاد نصرة، بعد الإعلان عن (التجمع الليبرالي السوري) في 13 أيلول الماضي وعقد الاجتماع التأسيسي له في 24 أيلول، وقد حل التجمع نفسه في السابع من تشرين الأول بعد الإفراج عن جهاد نصرة واستمرار اعتقال نبيل فياض.
وقد دافع الأبرش عن موقف وسياسة حزب البعث الحاكم، اتجاه ما يجري على الساحة السياسية واتجاه الأصوات المطالبة بالإصلاحات السياسية، بالقول: (( حزب البعث هو حزب الأكثرية الساحقة في سوريا، فلماذا يتم رفض وضع هذا الاطار ضمن صيغة دستورية سليمة)). لا أعتقد أن السيد محمود الأبرش، - وهو رئيس أعلى سلطة تشريعية في البلاد-، يجهل أن الدساتير الوطنية للدول الديمقراطية، لا يضعها حزب ما، وإنما تضعها جمعية أو هيئة وطنية تأسيسية مستقلة عن الأحزاب تضم رجال حقوقيين و خبراء في القانون، منتخبة من قبل الشعب ويعرض الدستور للاستفتاء الشعبي العام، بشكل حر و ديمقراطي، ولا أظنه يجهل أن أبسط مبادئ وقواعد الديمقراطية والعدالة والمساواة في المجتمع، هي أن لا تتضمن الدساتير والقوانين أية مادة أو نص أو فقرة، تمييز بين المواطنين على أساس الانتماء الديني أو القومي أو السياسي، وأن لا تفضل حزباً على آخر و تمنحه حقوق وامتيازات سياسية معينة. ثم هل يمكن الحديث عن الديمقراطية والإصلاح السياسي في سوريا، من غير أن يفسح المجال، وبفرص متكافئة، أمام جميع القوى الوطنية لتداول السلطة بأسلوب ديمقراطي وحضاري. فالديمقراطية، بمعناها البسيط، تعني تأمين الحقوق والحريات السياسية، وامكانية ممارستها وتوفير الضمانات الحقيقية لحمايتها والدفاع عنها، واتاحة الفرصة أمام كل المواطنين ان يشاركوا في اختيار السلطة السياسية التي تتحدث باسمهم. أم أن، وبحسب تعبيرات السيد خدام والأبرش، الديمقراطية ضارة بأمن سوريا ومهددة لوحدتها الوطنية، طالما هذه الديمقراطية، قد تفقد حزب البعث ، حزب الأغلبية الساحقة في سوريا، السلطة والحكم ، بعد أربعون عاماً من قيادته للدولة والمجتمع.
يبدو، وبوضوح، أن رؤية ومواقف الأستاذ عبد الحليم خدام ومحمود الأبرش ومعهم الكثير من الرفاق البعثيين، لا تنطلق من رغبة حقيقة وارادة جدية في الاصلاح والتطوير، وإنما من نزعة، الامساك بالدولة والاحتفاظ بالسلطة وحماية مكاسبهم وامتيازا تهم، أنهما يسعيان لإعادة حركة التاريخ السياسي في سوريا الى الوراء، الى مرحلة الشعارات النضالية، والعالم، شرقاً وغرباً، قد خرج من مرحلة الشرعيات الثورية و دخل عهد الشرعيات الديمقراطية. فإذا كان حزب( البعث العربي الاشتراكي) هو بحق حزب الأغلبية الساحقة، فلماذا يتمسك الرفاق البعثيين بالمادة الثامنة من الدستور و يخشون اجراء انتخابات حرة وديمقراطية في البلاد، خاصة وهم لا يعترفون بوجود معارضة سياسية في سوريا ؟.
لا شك هناك الكثير من الأسئلة، يطرحها الواقع السوري بحركته الضبابية، المتداخلة بين السياسة والثقافة، لكن يبقى السؤال الأساسي هو: ما مصير ومستقبل هذا الحراك السياسي المعارض ومشروعه الديمقراطي، والذي يتكامل ويتوافق بأبعاده الوطنية وآفاقه الحضارية مع مشروع تطوير وتحديث الدولة السورية التي ترهلت، والذي طرحه الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم....؟.
لا يبدو في الأفق، أن قوى المعارضة الوطنية بتياراتها( القومية والماركسية والليبرالية العلمانية والإسلامية) قد توحدت بعد خلف المشروع الديمقراطي للحراك السياسي والثقافي الذي يشهده المجتمع السوري . وبالمقابل أن الإصلاحات التي طرحها الرئيس بشار الأسد ما زالت في طور الأفكار والتنظير، ولم تتحول بعد الى مشروع متبلور واضح المعالم والأهداف، تجمع عليه مختلف الاتجاهات داخل حزب البعث الحاكم و داخل مؤسسة السلطة ذاتها.
لكن من المؤكد، وبشكل جازم، لا حياة لكلا المشروعين(السلطة والمعارضة) من غير توفر مناخ ديمقراطي حقيقي وحريات سياسية وفكرية في البلاد، ومن دون عودة السياسية الى المجتمع السوري الذي انتزعت منه، وعودة سوريا، كانت سوريا واحة للديمقراطية ونموذجاً للدولة الليبرالية.لأن الديمقراطية بقدر ما هي ضرورة حيوية بالنسبة لمصير ومستقبل المعارضة الوطنية وبرامجها السياسية، بالقدر ذاته هي ضرورة حيوية بالنسبة لمستقبل حزب البعث الحاكم ذاته والبرنامج الإصلاحي للرئيس بشار الأسد تحديداً. فالديمقراطية، تعد من العوامل الأساسية والشروط الضرورية لتنشيط الحياة السياسية وتفعيلها في المجتمع ، ووجود معارضة وطنية قوية و فاعلة تتحرك بحرية وتشارك الحكم في ادارة البلاد، هي مسالة مهمة ومؤشر حقيقي على قوة الوطن وحيوية المجتمع وعافيته السياسية وسلامة وحدته الوطنية.

سليمان يوسف يوسف
كاتب سوري آشوري..... مهتم بحقوق الأقليات

shosin@scs-net,org








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذيرات من توسع الحرب بين حزب الله وإسرائيل| #غرفة_الأخبار


.. -شرطان-.. أول رد من السنوار على اقتراح بايدن بشأن غزة




.. وزير الحج السعودي توفيق الربيعة: الحج للعبادة فقط وليس للشعا


.. فلسطيني من غزة: الاحتلال يحول تل الهوى لتل الرماد




.. الشرطة الأميركية تنهال بالضرب على شخص بمحطة الحافلات