الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الامبريالية العالمية تلبس العمامة البيضاء

أحمد راهي صالح

2011 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


من يقرأ التاريخ السياسي للمنطقة العربية للخمسون سنة الماضية، يتجلى له وبكل وضوح ،ان كل اسباب الدمار والتخلف الذي اصاب المنطقة، يرجع الى التدخل الغربي ، من خلال دعم واسناد القوى الرجعية ، وعلى الرغم من ان اغلب الشعوب العربية قدمت سيلا من الدماء طلبا للحرية ،الا ان القوى الامبريالية كانت توّضف كل امكاناتها لدعم عملائها ،والذين كانوا اداة لتنفيذ اجندتها في المنطقة ، صحيح ان بعض الانظمة الدكتاتورية كانت ترفع شعارات مناهضة للامبريالية العالمية ، الا ان تواجد تلك الانظمة، وفي تلك المرحلة الحرجة بالذات ،كان يسير بالتوافق مع المصالح الامبريالية ،والتي كانت بامس الحاجة للاديولوجيات القومية ، لمحاربة المد الشيوعي ،والذي كان على اوَجِه ،خصوصا في فترة الخمسينات والستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم ، وعلى الرغم من تواجد الاتحاد السوفيتي الداعم لقوى اليسار آنذاك، الا ان تلك القوى لم تستطع الوقوف بوجه الة البطش التي كان يوفرها الغرب لتلك الانظمة ،والتي كانت تتفنن هي الاخرى في طرق الاختيال والتعذيب ، وهذا ما مكنها من دحر المد الشيوعي والى يومنا هذا .
ولاجل اقتلاع الحركات اليسارية والقضاء عليها بالكامل ،عمدت الامبريالية العالمية ،الى توفير الدعم المادي واللوجستي، للتيارات الدينية في المنطقة ،وافساح المجال لها في النهوض من سباتها ،فوصول خميني الى سدة الحكم ،وان كان من خلال ثورة شعبية عارمة ،الا ان اسباب نجاح تلك الثورة كان من خلال الحياد الذي انتهجته اميريكا ،وتخليها عن الشاه، ليواجه مصيره لوحده ، حتى انها لم تمنحه مجرد حق اللجوء السياسي ،ليموت فيما بعد في مصر ،في الوقت الذي سمحت فيه فرنسا لخميني، بقيادة الثورة من داخل اراضيها ،ووفرت له كل انواع الدعم، ابتداءً من تسخير آلتها الاعلامية لخدمة الثورة، مرورا بنقله على متن طائرة فرنسية الى داخل الاراضي الايرانية، كما ولا ننسى الدعم الامريكي اللامحدود لاسامة بن لادن ،والذي أُوتي به بعد اشهر من تسلم خميني سدة الحكم في ايران ، ولا ننسى ايضا حركة حماس، وكيفية بروزها في المنطقة، كل هذا لم يأتي مصادفتا ،وانما هو مخطط اُريد به تعميم المنطقة ،وادخالها نفق التعصب الديني ،والذي اعطى ثماره في اقصاء ماتبقى من قوى اليسار ، والاسهام فيما بعد ، وبشكل فاعل، في القضاء على الاتحاد السوفيتي السابق ، من خلال دعم ومساندة التنظيمات الاسلامية المتشددة في افغانستان ، وعلى الرغم من ان التيارات الدينية ، وبعد ان نمت واستفحلت ، اخذت تناصب القوى الغربية العداء ، الا ان الاخيرة كانت ولا تزال، ترى في تلك التيارات منفذا ، يمكن من خلاله تمرير مخططاتها في المنطقة .


حمائم النظام العالمي الجديد؟

الان وبعد كل ما تقدم، مالذي تغير ، فها نحن نرى وبام اعيننا ،كيف يتساقط عملاء اميريكا التقليديين الواحد تلو الاخر، كقطع الدومينوا ،وفي الوقت الذي يفترض فيه ان تقدم امريكا دعمها لتلك الانظمة، نراها اليوم تنقلب ثلاثمائة وستون درجة، فها هي الان تدعم وبقوة الثورات الشعبية المطالبة باسقاط تلك الانظمة ، ولم يقتصر دعمها على تسليط الاضواء الاعلامية والتصريحات المساندة لتلك الثورات ،او توفير كل تقنياتها من انترنيت وكوكل وفيس بوك وتويتر وحسب، وانما راحت توضف امكانياتها العسكرية ايظا ،فهل من عاقل يفسر لي هذا التحول ؟ وهل يُعقل ان تتحول اميريكا الى ملاك رحمة بعد ما كانت شيطانا بغيضا!.
يحكى والعهدة على الراوي ان ثعلبا خرج ذات يوم الى الصيد ، ولان الصيد قد شح في تلك الايام فقد بادر الى التضاهر بالموت، طارحا بجسده ارضا سارحا بارجله فاتحا فمه سارحا بلسانه من دون حراك، ولم تمضي دقائق حتى يقترب منه الغراب متنقلا من مكان الى اخر ناضرا يمينا ويسارا ،وبعد ان يتأكد له موت الثعلب يتجاسر ويقفز على بطنه ، وبحركة خاطفة يمسك الثعلب بوسط الغراب، وهنا تلعب غريزة الحياة دورها في الغراب ، فيبادر بسؤال الثعلب
قل لي بٍرَبك...هل انت ابو الويو ام ابو الواو
فيجيبه الثعلب متفاخرا ..
انا ابو الواااااااااااااااااااااااااااااااااااو
..وما ان فتح الثعلب فمه حتى فر منه الغراب .. فيتألم الثعلب الجائع ويفكر بحيلة اخرى يطفئ بها جوعه ...فاخذ عمامة بيضاء ولف بها رأسه ، وركب زورقا، واخذ يسير ببطء متنقلا من مكان الى آخر، فرأته الدجاجة وقالت له ....ماهذا الذي على رأسك ؟ فاجابها ... انا ذاهب الى الحج ،وقد تبت من اكل الدجاج عسى الله ان يغفر لي ذنوبي ...فصدقت به الدجاجة المسكينة وقالت ... فكرة جيدة هل استطيع الذهاب معك؟
وبكل ترحاب صعدت الدجاجة المركب، وهكذا الامر للديك والوزة ، وبهذه الاثناء يشاهد ذلك الغراب الحيوانات وهي صاعدة في زورق الثعلب ، فيتعجب للامر ويحاول تحذير اصدقائه ،الا ان اصدقائه اكدوا له ان الثعلب قد تاب ومن تاب فقد تاب الله عليه ، والدليل انهم بالقرب منه ولم يؤذيهم بشيء ، فاقتنع الغراب بالامر ، وفكر ان يحج الى بيت الله الحرام معهم ، وهكذا وفيما يقترب الظلام يقترح عليهم الثعلب ان يدخلو القفص ، لحمايتهم من حيوانات الليل، كي لايصيبهم مكروه وهو نائم ، سيما وان الغابة مليئة بالمفترسين! وبعد ان اطمأن من دخول الكل في القفص ،يشرع بالتهامهم الواحد تلو الاخر ، حتى وصل الى الغراب ،عند ذاك عاد الغراب الى حيلته السابقة ويسأل الثعلب نفس السؤال ...ايها الثعلب هل لي ان اسألك سؤالا واحدا قبل ان تاكلني ؟
فيجيبه الثعلب ..هات ما عندك
هل انت ابو الويو ام ابو الواو
فيجيبه الثعلب بعد ان يقربه من فمه ويطبق عليه باسنانه
انا ابو الويييييييييييييييييييييييييييييييو
وهكذا يضيع رأس الغراب المسكين بثنايا اسنان الثعلب .

في الحقيقة فان ما تقوم به الامبريالية العالمية وعلى راسها الولايات المتحدة يذكرني بتوبة ذلك الثعلب ، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتزعم اميريكا للعالم كقطب اوحد ،اخذت تضهر انيابها من دون حياء او خجل ،في احتلالها المباشر لافغانستان ومن ثم العراق وحصل ما حصل ،ومع انها استطاعت السيطرة على حقول النفط العراقية وتهديم بنيته التحتية ، الا انها وبالمقابل تكبدت خسائر جسيمة بالارواح والمعدات اضافة الى انفضاح امرها امام العالم كوجه قبيح غير مرغوب به عالميا ، مما حدى بها الى تغيير لباسها من لباس الصقور الى لباس الحمائم ، ليؤتى بذلك الشاب الاسود ويقدَم على انه رمزا للتغيير ، لاعطاء انطباع يدل على ان اميريكا لم تبدل سياستها الخارجية وحسب ،وانما الداخلية ايضا ،فلم يعد للعِرق او اللون اي قيمة،اضافة الى الشروع بالسحب التدريجي للقوات الامريكية من العراق ،والاتجاه نحو نشر السلام العالمي ، فها هي تلبس العمامة البيضاء ،ولكن على طريقة ابو الويو لا ابو الواو! والمشكلة ان الشعوب المستضعفة قد انطلت عليها هذه اللعبة ، فالدلائل التي نراها على ارض الواقع تؤكد لنا من ان امريكا لم تغير نهجها السياسي، وانما غيرت التكتيك ،من دون التفريط باطماعها في المنطقة العربية ، فالادارة الامريكية غالبا ما تضع امامها مجموعة من الاوراق ، فما ان تخسر واحدة حتى تراها تسارع الى تغيير نهجها ، اعتمادا على ما تذخره من اوراق ، فليس من المنطق ان تخرج اميريكا من العراق وتدع ايران تسرح وتمرح في المنطقة وتهدد امن اسرائيل ، وليس من المنطق ايظا ان تدع التنين الصيني ينموا باضطراد وهي الواقعة تحت وطاة العجز الاقتصادي ، وعليه لابد من ايجاد مخرج يعيد لها هيبتها ، ويحفض لها نفوذها ، ويحافض على ديمومة حليفتها اسرائيل .
ولان اميريكا تعلم جيدا ان الشعوب العربية قد وصل بها الهيجان الى حده ، كنتيجة لسياسات التجويع والارهاب التي مارستها الانضمة الدكتاتورية في المنطقة ،فبالتالي من الممكن اللعب بهذه الورقة الرابحة حتما ، خصوصا وان المنطقة تعيش حالة من الهيجان الديني المتطرف.
وتاتي حادثة الشاب التونسي محمد البو عزيزي، والذي احرق نفسه امام بلدية المدينة ،كتعبير عن حالة الجزع التي وصلها الشارع التونسي ، والتي الهمت شباب تونس ودفعتهم للخروج العفوي، مطالبين بالاصلاح السياسي ، ومن ثم اسقاط النظام ،وهنا ومن هذه النقطة ، تلعب الحمائم الامريكية لعبتها ، لتوضف كل امكانياتها الفنية والاعلامية لنصرة ثورة الشباب ، وبالتالي فهي رسالة لشعوب المنطقة اجمع ،من ان اميريكا ومعها الدول الغربية ، تقف بصف المطالب العادلة لشعوب المنطقة، وهذا ما اعطى زخما لانضير له في تاجيج الشعوب المستضعفة، فهي ليست كما كانت في السابق مكسورة الجناح ،وانما هنالك قوى كبرى تقف بجانبها ، في الوقت الذي بات فيه اولئك الحكام منعزلين ، لاحول لهم ولا قوة خارجية تسندهم .
وهذا ما حدى بشعوب المنطقة الى الانتفاض المتسارع ،في كل من مصر واليمن ،وليبيا ،وسوريا ،والبحرين، والحبل على الجرار.
والسؤال الذي يطرح نفسه ...ما مصلحة اميريكا والغرب من كل هذا ؟

ان دعم الثورات الشعبية هذه، من شانه ان يؤمن لاميريكا وحلفائها ،مكاسب لم تكن تحلم بها من قبل ، فثقافة الشارع العربي الان، هي ثقافة دينية طائفية ، طبعا نحن لا ننكر بالمرة خلو الشارع من المتنورين ،الا انهم في الحقيقة لايمتلكون مقومات الامساك بزمام الامور ، فالقوى الاسلامية تمتلك اطنانا من الدولارات، وآلافا من الجوامع والحسينيات، اضافة الى عشرات الفضائيات ،فثقافة التطرف الديني هي الثقافة الشائعة اليوم، وبالتالي فان الشارع العربي مهيأ للاحتراب الطائفي ،مما يعني امكانية اثارة النزعات بين السنة والشيعة، والذي من شأنه ان يؤدي الى رسم خارطة جديدة للمنطقة ،من خلال تجزئة الدول العربية ،صغيرة كانت ام كبيرة ،وتحويلها الى منضمات ودويلات (سنية – شيعية- قبلية ) متحاربة ، وهذا ما من شانه ان يضع تلك الدويلات، في حالة من التنافس فيما بينها ، لكسب اعتراف الدول الكبرى، وهذا لايمكن له ان يكون مالم تعمد تلك الدويلات الى تقديم مناقصاتها لارضاء شركات النفط الامريكية -الاوربية . كما ان اسقاط نظام الاسد في سوريا ، من شانه ان يفكك التحالف الثلاثي (ايران – سوريا – حزب الله) وهذا يعني قطع الصلة ، بين ايران وحزب الله، مع امكانية تفكيك سوريا الى دويلات غير متجانسة ( سنية – شيعية- درزية- كردية).
كما وعلينا ان لاننسى ان دفع المنطقة باتجاه الحروب الاهلية، من الممكن ان يؤدي الى زيادة الطلب على السلاح، وهو مايعني زيادة ارباح الشركات المصنعة للاسلحة، خصوصا وان اميريكا تتصدر العالم في هذا الجانب .
وبخصوص اسرائيل، فانها وبكل تاكيد ستكون الرابح الاوفر حظا ، ذلك ان تقسيم الدول العربية الى دويلات وقبائل متناحرة ، من شأنه ان يبعد شبح محيها من الوجود ، لابل ستكون لها اليد الطولى للاحتفاض والى الابد ،بكامل فلسطين والجولان ،هذا ان لم تتمادا وتزحف عمقا ، لكسب اراض جديدة، بحجة اقامة جدار امني متحرك ، اضف الى ذلك امكانية البدء بتنفيذ مشاريع سحب مياه النيل الى اسرائيل، بالتعاون مع اثيوبيا، سيما وان اسرائيل تعاني من شحة المياه و تستورد حاليا من تركيا لسد بعض احتياجاتها علما انها من المتوقع ان تمر بازمة مياه حقيقية عام 2020 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - آراء صائبة
عبدالله الداخل ( 2011 / 4 / 13 - 20:20 )
كثيرٌ من الآراء الصائبة التي تدل على حياد الكاتب ونظرته المعقولة هنا للعالم
تحياتي

اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-