الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسلسل -حنين- التلفزيوني

فاروق صبري

2004 / 10 / 24
الادب والفن


لغة بصرية تجنّبت الإجابات السعيدة

في البدء تبدو حكاية المسلسل الدرامي التلفزيوني ( حنين ) _ عرضه تلفزيون أبو ظبي مؤخراً _عادية ومطروقة وخاصة جداً: مخرج مسرحي يملك عقلية معرفية متميزة وأحلام متألقة لتأسيس فضاء مسرحي ممتع ومؤثر ، ورغم علاقة حبه القصيرة بممثلة شابة تتوّج بزواجه منها الا انه يواجه عثرات كبيرة تضعه "إدارة المسرح" أمامه ، لكنه يتواصل في تحدياته وبالأحرى تحمّله للروتين والعقلية البيروقراطية بمساعدة صديقه وهو كاتب فقد ذراع له في الحرب ، ولكن أقسى من تلك "العثرات" كان مصابه في مرض زوجته الشابة بالسرطان ومن ثم وفاتها الصاعق، وبهذا الحدث الجلل تُنهي الكاتبة ديانا جبور سيناريو نصها المكتوب المتكوّن من ثمانية عشرة حلقة للمسلسل الدرامي التلفزيوني الذي يغلق مخرجه باسل الخطيب كاميرته على جملة تعبيرات بصرية متقنة وموحية تتجلى بها وخلالها أحزان - نكتشف إنها تنزف من أرواحنا ونحن نتابع العمل- "أحمد" المخرج المسرحي وحيرته السرمدية _ونرى فيها حيرتنا مع توالي الحلقات _ التي يكثّفها الغناء:
مين قلك تفتح كل شبابيك سوى
متعرف أيا هوى تختار
مين قلك ترمي شراعك لآخر مدى
ما تنطر حدا هلعمر مشوار
سنين بعد سنين بيولعنا الحنين
ضايعين نحنا ندوّر علضايعين
لا تسأل عن الجرح
العمر كلٌ جراح
لا تسأل عن الحلم
الحلم ضاع وراح
هيك ضلّك عم تفتح قلبك لكل حدا
حامل جرحك وماشي بهل مدى
يمكن شي هوى
يرجعنا سوى
ويغمرنا الحنين
بهذه الكلمات المغنّاة _ كلمات الكاتب سمير طحان والتي صوّرها موسيقياً المتألق سمير كويفاتي وغناءً صوت مياده بسليس الملائكي _ تفتح عدسة كاميرا مازن بركات عينها لتؤسس فضاءات درامية بصرية هندسها ناصر جليلي و"يدوزنها" مونتاجاً وليد حلمي ويشحنها تشخيصاً ممثلون سوزان صالح وايمن زيدان وصباح الجزائري وعباس النوري وامانة والي وزياد سعد وأمية ملص واخرون .
تلك الفضاءات البصرية وان تسرد حكاية خاصة ومحدودة في خطوطها الدرامية ومساحتها الزمانية الا أن الكاتبة ديانا جبور تشحن مناخاتها وشخصياتها وأفكارها برؤيا ومتعة خلّاقتين ينأى منها الخاص ولنقل يرتقي إلى أفق عام نلمح خلاله شرائح اجتماعية مختلفة ومتناقضة ونبصرُ به جوانب أحداث مازلنا نعيش أثارها المفجعة وجوانية شخصيات نشترك وإياها في الألم والأمل.
وعملية الارتقاء هذه ملمح من ملامح الإبداع ، تجلى في المستوى الكتابي وكان المستوى البصري يبتعد عن الملمح الإبداعي تارة _ وخاصة في حالة ملاحقة الكاميرا لـ(بطل المسلسل) والتركيز عليه عبر لقطات بروتوكولية و"فديو كليب" جميلة ولكنها تذكرنا بالمثل القائل ’الزيادة كالنقصان!!!_ويقترب منه أحيانا بحيث يمكن الإشارة إلى تداخل ومصداقية المستويين المكتوب والمرئي كونهما خبرة إبداعية نابعة عن أعماق مشرّعة الأبواب وواسعة الجهات والتي تتأسس عبر " الاتساع الداخلي الذي يمنح معنى حقيقياً لبعض التعبيرات المتعلقة بالعالم المرئي" كما يقول غاستون باشلار.
لم تتجنب ديانا جبور في سرد "حكايتها" التوصيف البرّاني فقط ، إنها كذلك نبشت -أبرزت المستور في_ عمق الإنسان وحاضره وماضيه ومحيطه ، فشخصية "احمد" _ تتماهى مع المخرج المسرحي السوري الراحل فواز الساجر، صورته نلمحها بعض المرات عبر كاميرا الخطيب_ حملت انفعالات إنسانية ورؤيا مُتضاربة وأحلام مُلتهبة ووقائع معاشه "شخّص" الكثير من جوانبها الممثل ايمن زيدان عبر أداء برّاني رغم دقة وعمق وجمالية الفضاء البصري الذي أنجزه الخطيب للعمل بشكل عام ولزيدان وسوزان الصالح بشكل خاص والتي شخّصت دورها بمهارة عالية ولنتذكر مثلاً مشهد وفيه تتلوى من ألام المرض وخلفها موقد ، نيرانه كانت تتوهج مع توهج أدائها التمثيلي وتئزُّ مع سخونة عين الكاميرا البارعة فيما تناغم وارتقى عباس النوري مع فضاءات شخصيته البصرية واشتغل فيها وعليها بعيداً عن الإفتعال ونشوة النجومية وليسرد لنا شخصية كاتب أفقدته الحرب ذراعه والبيروقراطية حلمه ولم يفقد انشداده للإبداع واتزانه أمام وقائع مريرة وأعماق مختنقة استنطقها بصرياً الخطيب بلغة سينمائية واقعية سحرية دون الوقوع في فخ الاستنساخ أو الفنتازيا ، فكثيراً ما نرى " الكاتب" وابنته_ أمية ملص_المدفوعة إلى مستنقع اجتماعي ، نراهما عند بقايا مرفأ مهّدم ، حيث هيكل سفينة منخور وأشلاؤها تتقاذفها أمواج البحر أو نشاهدهما فوق جسر عتيق يكاد أن ينهار ، لكنه يظل صامداً فيما مياه نهير تجري تحته ، والخطيب_ معه الديكورست_ لا يتوقف عند انتقاء فضاء له علاقة ببنية الحدث وشخصياته ، إنما يخلق ا فعلاً درامياً مؤثراً ومتأثراً بينهما ، فاللقطة_وأيضاً المشهد_ ومهما كانت حجمها مدروسة ومشغول عليها بأسلوب مدهش فحين يعرف"احمد نتائج فحوصات الدم والتي أجريت لزوجته "الهام"، تلك اللحظة خلصها الخطيب من دراماتيكيتها التي تعوّد عين المشاهد ، فنرى "احمد" يسير ببطء والكاميرا خلفه_ وكأنها تعينه في السير_ في ممر مستشفى طويل مظلم وفارغ الا من حزمة ضوء وكرسي في نهايته ونسمع صوته المتسائل حول وضع زوجته وصوت الدكتور القائل:" ما بقت إلها الا أيام قليلة" ، ينهار"احمد" على الكرسي فيما الكاميرا تبقى بعيدة وكأنها عيوننا التي تواسيه !!
و مع "الهام" وبعد أن يخبرها الدكتور بحقيقة وضعها الصحي يتكرر مشهد الممر وبجميع تفصيلاته البصرية وحين تنهار على الكرسي نفسه نسأل: منْ منهما يغيب عن الحياة ؟
وحينما يغلق الخطيب عين_ وعيوننا _ كاميرته على وحشة الغابة وزهورها الصفراء والبيت الخشبي الذي يقرر الزوج المفجوع الانزواء فيه نتلمس إجابة مبهمة وإشكالية ومفتوحة على احتمالات الحياة الجارية.
أليس من ضرورات العمل الإبداعي تجنب الإجابات الواضحة والسعيدة !!!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي