الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة والخيال المابعد حداثي

ممدوح رزق

2011 / 4 / 13
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


" أما كيف لـ ( رورتي ) ولـ ( ليوتار ) تفسير تجمع شعوب أوروبا الشرقية لإسقاط حكامها فهو متروك لتخمينات أي إنسان " ...

بهذه الجملة المتحدية اختتم المناضل الاشتراكي ( أليكس كالينيكوس ) مقاله ( ما بعد الحداثة ) الذي ترجمه ( بشير السباعي ) منذ أكثر من عشرين سنة .. كان من الواضح أن هذه الكلمات جاءت ردا على أفكارهما عن " تغيير العالم " والتي ناقشها ( كالينيكوس ) في المقال .. ( جان ليوتار ) وهو المفكر الذي يعتبر رائدا لحركة ما بعد الحداثة في فرنسا حينما أعلن عن إفلاس جميع ( المرويات الكبرى ) أكد على أنه لم يعد بوسعنا الإيمان بأية نظرية شاملة تسمح لنا بتفسير العالم وتغييره في آن واحد .. أيضا ( ريتشارد رورتي ) الفيلسوف الأمريكي تحدث عن أنه يتوجب علينا الكف عن الانشغال بمعرفة العالم وتغييره والتركيز بدلا من ذلك على تنمية علاقات شخصية ؛ فمن الوجوه المحورية لما بعد الحداثة إنكار أن من المرغوب فيه أو حتى من الممكن بعد الانخراط بشكل جماعي في تغيير العالم .. كان ثمة ارتباط إذن بين ( الثورة ) ، و( تغيير العالم ) ، وكان هناك من يؤمن بجدوى هذا الارتباط في مقابل من كان يعتبره مجرد ( كيتش ) حداثي .

في 2011 لا تختلف صورة العالم العربي من الخارج كثيرا عن فيلم سينمائي يخرج فيه الموتى الأحياء من قبورهم تباعا للانتقام من قتلتهم .. لكنه ليس فيلما مرعبا .. إنه مزيج من الرومانسية الجارفة والكارتون المبهر .. مدن مسحورة تتخلص فجأة من لعنتها ، وتستيقظ من نوم طويل كما يحدث في الحكايات الخيالية دون انقلاب عسكري أو تعاويذ سياسية ودينية .. هل هناك في هذه المعجزات المتعاقبة ما يمثل تحديا لما بعد الحداثة ؟ .

ربما تعني الثورة ـ من ضمن ما تعني ـ أن هناك اتفاقا وفهما مشتركا لحقيقة ما .. حقيقة ترعى دوافع وكيفية حدوث الثورة ، وبالضرورة حقيقة الواقع الجديد الذي تسعى لتشييده بعد انتهاءها .. هذه الحقيقة تحتاج لعقل كلي يمثل اندماجا لعقول كثيرة يجمعها يقين واحد وهدف واحد أيضا .. نجاح الثورة في تحقيق هذا الهدف سيبدو فورا أنه انتصار للحقيقة وللعقل وهما ـ طبقا لما بعد الحداثة ـ ليسا غير وهمين .. هل علينا أن نتذكر " فوكو " حينما قال أن إرادة المعرفة هي مجرد شكل واحد من أشكال إرادة السلطة ؟ ، وأيضا حينما اعتبر أن الذات الإنسانية الفردية كتلة من الدوافع والرغبات التي تصوغها علاقات السلطة السائدة داخل المجتمع ؟ .

الثورات العربية ، والمصرية كنموذج تعيد إلينا الجدل المتوفر بقوة في السؤال القديم : هل كانت ما بعد الحداثة استمرارا معدّلا أو محوّرا للحداثة أم قطيعة معها ؟ .. لكنها لن تكتفي بذلك فحسب بل ربما بشكل أقوى ستدعم امتدادات هذا السؤال بتساؤلات أخرى : هذا التنافر أو التعارض الذي يبدو واضحا عند الكثيرين بين فلسفة ما بعد الحداثة وفكرة قيام ثورة شعبية هل يرجع إلى رفض ما بعد الحداثة لوجود الثورة من أساسها أم رفض الإيمان بأنها فعل تغيير للعالم ؟ .. هل استخدام الفيس بوك وتويتر والموبايل وهي أدوات ما بعد حداثية بامتياز تحمل كافة إمكانيات خلخلة المركز وتفكيك البنية ؛ هل استخدامها كأسلحة رئيسية في الثورات دليل على عدم صمود التشاؤم الشهير لما بعد الحداثة في مواجهة خلود التفاؤل الحداثي الذي صاحب مشروع التنوير والذي عمل عليه ( هيجل ) و( ماركس ) وارتبط بتفسير مسار التطور التاريخي ؟ .. هل ما بعد الحداثة تحريض على عدم الحركة المؤطرة باليقين وبحيازة عناصر الفهم والثقة في المصير ، أم تحريض على تأمل الشروط المتعالية والصراعات الملغزة المختبئة وراء الحركة واقتفاء أثر كل محاولة لتأصيل غايات ميتافيزيقية وكشف أمراض علاقات التواصل التي تسعى لتشكيل قواعد للأمان في حماية سلطة ما ؟ .

قد يكون ما أخذته ما بعد الحداثة على عاتقها في هذا الصدد أن تستحضر المتمنع في الثورة بآلية متجردة من الرونق المألوف .. من عوامل الرضى الذهني المعنية بالحفاظ على وحدة القطيع ونظامه لحظة الرغبة في الوصول إلى ما يُعجز عن الاهتداء إليه .. هي تنقب عن سبل منزوعة اللذة لتوفير شعور أكثر إخلاصا بما هو محصن ، ولا يمكن التعبير عنه في الثورة بعيدا عن التناغم الشكلي المبتذل الكامن في طرق مهادنة غيابه الحداثية عبر النشوة والمواساة .

* * *
جزء من كتاب 25 يناير ... التاريخ ـ الثورة ـ التأويل
يصدر قريبا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من