الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام في كوبا ، التوجه إلى هافانا ، الحلقة الثالثة

فائز الحيدر

2011 / 4 / 14
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


في اليوم الثالث لوصولنا ( منتجع فاراديرو) الجميل ، تم حجز تذاكر السفر لزيارة العاصمة الكوبية هافانا أو كما يسميها الكوبيون ( هابانا ) لعدم وجود حرف الفاء في اللغة الأسبانية ، تبعد هافانا مسافة 140 كم عن فاراديرو وتقع في الجزء الشمالي الغربي للجزيرة وتطل على خليج المكسيك ، يسكنها أكثر من مليونين نسمة وبالتالي تعد أكبر مدينة في منطقة الكاريبي ، ويقال إنها بنيت على يد الأسباني ( دييغو دي كويلار )عام 1515 .

أخبرنا دليلنا السياحي المرافق لنا إن الباص السياحي المريح الذي يقلنا ظمن العشرات من السواح على الطريق الساحلي الجميل متجهين نحو هافانا سيقوم كما مخطط له بجولة عامة في العاصمة هافانا لمشاهدة معالمها التراثية والسياحية بشطريها القديم والحديث ، ومن تلك اللحظات أصبح الجميع في شوق كبير لرؤية عاصمة الثوار .
على طول الطريق نحو هافانا يزودنا الدليل بالمعلومات عن كل حي ومنطقة نمر بها ، في طريقنا شاهدنا العديد من المدن الفقيرة والبيوت المتهالكة وبينها العشرات من الأطفال وهم يلعبون كرة القدم أو لعبة البيسبول ، أطفال من الجنسين وهم بالزي الموحد يسيرون بهدوء قادمين من مدارسهم ، وهناك من هو مشغول بزراعة حديقة منزله الصغيرة بالخضروات التي تدر عليه موردا" أضافيا" ترفع من مداخيلهم ، أو بترميم واجهة بيته القديم الذي يسكنه أسوة بالعشرات من تلك البيوت التي لم يصلها التجديد منذ سنوات طويلة بعد أن حصل على مساعدة مالية من أحد أفراد عائلته الموجودين في خارج كوبا أو من قروض سهلة من مصارف الدولة ، فالوضع الأقتصادي كما يقول الكوبيون يسير نحو التحسن ولكن ببطئ ، حيث رصدت الدولة ميزانيات كبيرة لترميم البيوت والعمارات التراثية وتحسين الحالة المعاشية للسكان .
في منتصف الطريق كان هناك محطة أستراحة مع العديد من المجاميع السياحية التي سبقتنا من مناطق أخرى ولمدة نصف ساعة تم فيها تقديم المشروبات المختلفة وسط الترحيب وعزف الفرق الموسيقية المحلية موسيقى رقصة السالسا المشهورة وهم ينتظرون ما يتكرم عليهم السواح من دولارات بسيطة في الوقت الذي إنشغل فيه آخرين بإلتقاط الصور التذكارية مع أعضاء الفرقة . بعد مواصلة الرحلة وفي طريقنا شاهدنا العشرات من أبار النفط التي تم إستكشافها من قبل شركات النفط الصينية والمكسيكية العاملة في كوبا مما يؤمل إن الكميات المستخرجة منها ستسد الحاجة المحلية من النفط وستساهم في تحسين الوضع الأقتصادي .

ونحن على أبواب هافانا يواجهنا شطرها الجديد المعروف بحي ( ماليكون ) الساحلي التي يغطيه الهدوء والذي يتميز بأشجاره القصيرة ونباتاته المتناسقة الجميلة ، الدليل يرشدنا إلى المباني الحكومية والعمارات الحديثة والحي الدبلوماسي والفنادق الشاهقة ذات الخمسة نجوم المنتشرة في أنحاء هافانا وساحلها الطويل وبين تلك العمارات نشاهد العديد من ساحات كرة القدم ذات التصاميم القديمة وعلى مسافة منها هناك نصب جميل للبطل القومي ( خوسيه مارتيه ) وهو يحضن طفلا" رضيعا" ويؤشر نحو مدخل هافانا .

في الحي الدبلوماسي وعن بعد نشاهد المئات من الأعلام السوداء مرفوعة أمام أحدى البنايات العالية ، لم ندرك ماذا تعني تلك الأعلام للوهلة الأولى وقد ظننا إنها مساهمة من الكوبيين في إحياء ذكرى الأمام الحسين كما يجري في العراق ، ولكن دليلنا أسرع ليوضح لنا الصورة بعد أن أدرك علامات الأستفهام على وجوهنا مبينا" لنا أنها قد رفعت من قبل المواطنين الكوبيين للتغطية على الشعارات الأستفزازية التي يقوم برفعها الطاقم الأمريكي العامل في شعبة رعاية المصالح الأمريكية في هافانا والتي تدعوا الشعب الكوبي للثورة على النظام علما" لا يوجد تمثيل دبلوماسي بين البلدين منذ بدء الحظر التجاري على كوبا .

غادرنا مدخل هافانا الجديدة على أمل العودة له والتجول فيه بعد الظهر وإتجهنـا نحو الشطـر القديم من المدينة ، فهناك يمكن ملاحظة الفارق الكبير بين الشطرين ، زحمة في حركة الناس والمرور ، فهافانا تعاني من أزمة مواصلات نتيجـة قلة وقدم السيارات وغلاء أسعار الوقود الأمر الذي دفع الكثير من الناس الى إستخدام الدراجات الهوائية والنارية ذات التكاليف القليلة ، مع إنتشار سيارات تاكسي صغيرة الحجم تسمى ( الكوكو CoCo) مصنعة محليا" وتتسع لشخصين بأسعار زهيدة لحل هذه الأزمة أو التخفيف من مظاهرها ، إضافة إلى الباصات العامة والتي تسمى ( الجمل ) والمصنعة محليا" والعربات التي تسيرها الخيول وغالبا" ما يستخدمها السواح وتذكرنا ببغداد أيام زمان .

في جو مشمس لطيف بدأت جولتنا في شوارع هافانا القديمة وأحيائها التي تجاوز عمرها الستة قرون حاملين آلات التصوير على الكتف ونرتدي قبعاتنا ونظارات الشمسية ونلتقط الصورة التذكارية . كنا نبتسم ونتبادل التحايا مع كل من يقابلنا في الشارع ، خاصة عندما يقع نظرنا على كوبي يدخن السيجار ونسارع لألتقاط صورة له ، يتخلل ذلك حركات بعض الأطفال وهم يتوجهون إلينا بطلب المساعدة وما تجود به أيدينا عليهم .

فهافانا مدينـة التناقضـات والتاريخ والثقافـة والتقاليـد ، ورغم أنهـا إحـدى أكثر العواصم التي تثيـر التساؤلات في العالم ، إلا انها تبقى إحدى أكثر المدن سحراً . فهي مفعمة بالحيوية والإنفتاح ويدرك سكانها كيف يعيشون حياتهم ، فهم يعبرون عن حبهم للحياة من خـلال الموسيقى والرقـص ، حتى أننا لا نكـاد نجـد رقصة لاتينية لا تجد جذوراً لها في هذه الجزيرة من رقصة الرومبا إلى رقصة السالسا . كما يوجد فيها عدد من الشواطئ الجميلة ، وبنايات ذات هندسة معمارية فريدة لا تزال تحتفظ بقيمها الأصلية إضافة إلى طرق كثيرة للترفيه ، فهناك الفنادق الفخمة ، والمطاعم الفاخرة ، والملاهي والكباريهات ، الحدائق العامة ، المتاحف ، المسارح ، والمجمعات الرياضية.

تتميز هافانا بمناخها الحار لذلك لا ترى فيها الحجاب أو النقاب ، وبدلا" من ذلك تشاهد السيقان الجميلة للشابات الكوبيات مع الشورتات القصيرة التي لا يزيد طولها عن الشبر ، بينما نرى الشبان الكوبيون الذي يتميزون بسمرة الوجه والوسامة والأجسام الرياضية الرشيقة ويعزي البعض سبب ذلك لتأثير الجينات الأفريقية السوداء التي يحملونها ، فالكوبيون مزيج متوارث ما بين الأفارقة السود الذين أتى بهم الأسبان كعبيد للعمل في مزارع قصب السكر والسكان البيض من أصل أسباني مع سكان كوبا الأصليين .

ونحن نتجول في الأزقة القديمة الجميلة والنظيفة نلاحظ الكثير من المواطنين رجالا" ونساءا" يدخنون السيجار الذي يعتبره البعض محصورا" بالطبقات الأرستقراطية ، فليس غريبا" على الكوبيين في الحي القديم مشاهدة السواح وهم يلتقطون لهم الصور التذكارية فقد تعودوا على رؤيتهم في الشوارع أو في البارات والمطاعم وهم يشربون معهم ( الرام ) الكوبي الشهير المنتج محليا" من إنتاج مصنع ( هافانا كلاب ) Havana Club .

في غالبية شوارع هافانا والمدن الأخرى وطيلة الليل والنهار لا يشعر السائح من أمثالنا بالغربة ، فهناك ومن حولنا الرقص والغنـاء والفعاليات الفلكلورية وهي أحدى وسائل العيش للكوبيين بما يحصلون عليه من السواح الذين يطربون لعزفهم ويعجبون بأدائهم ، فرغم المعاناة تبقى الموسيقى والرقص جزءا" من تراث الشعب الكوبي ، فشعب كوبا رغم الوضع الأقتصادي يتمتع بالبشاشة والأنفتاح والأبتسامة الصافية والمشاعر اللطيفة على السواح ، شعب ينبذ الغضب ويعشق رقصة ( السالسا ) التي تنتشر في كل شارع وزقـاق .

يعلق دليلنا المرافق لنا على ما نشاهده بقوله ، هل أنت مستغربون لما تشاهدوه اليوم ، أود أن أقول لكم لا طعم لزيارتكم لكوبا وتذوق نكهتها من دون أن ترقصوا السالسا مع فتيات كوبا وتدخنوا السيكار وتشربوا الرام مع أهلها في بيوتهم القديمة ، فهافانا القديمة تستيقظ صباحا" وتغفو ليلا" على إيقاع نغمات رقصة ( السالسا ) في المقاهي والشوارع والنوادي الليلية مما يتيح أختلاطهم مع السواح ويعطي نكهة مميزة لهافانا القديمة التي تظم العشرات من المتاحف والكنائس والساحات الأثرية والسيارات التي تجاوز عمرها الخمسين عاما" بسبب الحصار الأمريكي على الجزيرة ، في هافانا وأجوائها يشعر المرء إنه في عالم آخر بعيدا" عن السياسة ومنغصاتها ، بعيدا" عن سماع أخبار القتل والعنف والفساد المالي والأداري والسجالات المحلية من قبل سياسي اليوم ، ومع كل ذلك فقد جاء من يخبرنا بتطور الأنتفاضة الشعبية في مصر وتنحي حسني مبارك عن السلطة ودخلنا من جديد في عالم السياسة ، وعلى العموم تبقى السياحة في كوبا هذه الايام مصدرا" للدخل القومي وقد خصص جزءا" كبيرا" منه لترميم الأبنية المتهالكة .

في تلك الأحياء القديمة توجد قصور أغنياء هافانا القدامى التي حولتها الثورة إلى مؤسسات تعليمية وصحية وحكومية وتحول البعض منها إلى سفارات وقسم منها قد وزع على الفقراء . وفيها يقع مقهي الروائي الأمريكي الشهير إرنست هيمنجواي حيث يتواجد تمثاله في المكان الذي كان يجلس فيه ويدخن سيكاره داخل المقهى ، وفي ضواحي هافانا القديمة كتب الروائي الأمريكي ( آرنست همنجواي ) وهو يدخن سيكارها الفاخر لأكثر من عشرين عاما" روايـة ( الشيخ والبحر ) في عام 1951 وكانت إحـدى روائعه إلى جانب رواية ( وداعاً للسلاح ) ورواية ( ثلوج كلمنجارو ) وغيرها ، لقد حاز همنجواي بفضل هذه الرواية على جائزة نوبل في الآداب لأسلوبه العظيم في فن الرواية الحديثة . وتروي الرواية خروج شيخ صياد إلى البحر لكي يصطاد وبعد جهد كبير تعلق بسنارته سمكة كبيرة . ويبدأ يصارعها لعدة أيام وليال وتأخذه بعيدًا عن الشاطئ ولكنه يرفض التخلي عنها . وأخيرا" يتمكن منها وهو فرح ويربطها على جانب زورقه وعند بدأ رحلة العودة تهاجم أسماك القرش الشرهة سمكته وهنا يبدأ صراع جديد مع أسماك القرش وفي النهاية تنتصر أسماك القرش ، فلا يبقى من السمكة سوى هيكلاً عظميًا ، يتركه على الشاطئ عند وصوله . وتبين هذه الرواية قوة الإنسان وتصميمه وعزمة على نيل أهدافه والوصول إلى ما يصبوا إليه وإمكانية انتصاره على قوى الشر والطبيعة وفقا لمقولته المشهورة ( الإنسان يمكن هزيمته ، لكن لا يمكن قهره ) .

يتبع في الحلقة القادمة ... الحصار الإقتصادي على كوبا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش